إسطنبول-“القدس العربي”: على مدى يومين زار وزير الدفاع الليتواني العاصمة التركية أنقرة وتجول في مصانع كبرى شركات الصناعات الدفاعية التركية مقدماً إشارات كبير على نية بلاده اقتناء المسيرات التركية من طراز “بيرقدار” وأسلحة تركية أخرى لتكون بذلك ثاني دولة أوروبية عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) تقتني المسيرات التركية بعد بولندا التي اشترت مؤخراً 24 طائرة منها بذخائرها، وسط أنباء عن مباحثات مع دول أوروبية أخرى ترغب في اقتناء المسيرات التي ذاع صيتها عالمياً عقب حسمها الكثير من المعارك سوريا وليبيا وقره باغ.
وقبل أيام، وقعت بولندا رسمياً على عقد شراء 24 مسيرة تركية من طراز بيرقدار خلال زيارة رسمية قام بها الرئيس البولندي للعاصمة التركية أنقرة التقى خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان، فاتحاً عهد جديد للصناعات الدفاعية التركية التي اقتنتها لأول مرة دول في الاتحاد الأوروبي والناتو على حد سواء، وعززت موقع تركيا كمصدر للصناعات الدفاعية الكبيرة بعدما كانت أحد أبرز المستوردين للصناعات الدفاعية من دول الناتو.
ولم تمر أيام على صفقة بولندا، حتى وصل وزير لتوانيا أرتيس بابريكس إلى العاصمة أنقرة وأجرى سلسلة من اللقاءات الرسمية مع كبار المسؤولين الأتراك وأجرى جولة واسعة على كبرى مصانع الشركات الدفاعية التركية وأبرزها شركتي “بايكار” المصنعة لطائرات بيرقدار المسيرة، و”أوتوكار” المصنعة للعديد من العربات العسكرية التركية.
وكتب وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو عقب لقاءه الوزير الليتواني تغريدة أشار فيها إلى اهتمام ليتوانيا “الدولة الحليفة بالناتو (حلف شمال الأطلسي) بالطائرات المسيرة التركية ورغبتهم بتطوير التعاون معها في هذا المجال”.
في المقابل، كتب الوزير الليتواني عقب زيارته شركة بايكار: “الصناعة التركية لديها أعلى المعايير العالمية في البحث والتطوير، ونحن نقدّر ذلك كثيراً بصفتنا حليفاً في الناتو”. ورداً على تغريدة تساءلت عن الزمان الذي يُتوقع أن تحلّق فيه مسيّرة بيرقدار في أجواء لاتفيا، كتب الوزير: “أتمنى أن يكون ذلك قريباً”. مشدداً على أن “الطائرات المسيّرة هي النقطة التي نوليها اهتماماً حالياً، وسنواصل الاهتمام بها كثيراً”، وأشار إلى أن “أنظمة الطائرات المسيّرة تخلق عديداً من الخيارات الإضافية للاتفيا، وتسمح لنا حقاً بزيادة قدراتنا القتالية”.
وبينما اكتفت بولندا بشراء المسيرات التركية وذخائرها في هذه المرحلة، أبدت ليتوانيا اهتماماً أوسع باقتناء أسلحة تركية أخرى، حيث زار وزير دفاعها شركة “أوتوكار” للصناعات الدفاعية المتخصصة بصناعة المركبات العسكرية المدرعة والدبابات القتالية بأنواعها، بالإضافة إلى رؤوس وأبراج القاذفات، وكتب: “لقاء رائع مع شركة أوتوكار الشهيرة في تركيا، نتطلع إلى اختبار البضائع العسكرية التركية على الأراضي اللاتفية”، كما أبدى رغبته في تعزيز التعاون مع تركيا في مجال التدريب العسكري والتعاون المشترك في مجال الصناعات الدفاعية.
وعلى الرغم من أن بولندا لا تعتبر أول دولة في العالم تشتري المسيرات التركية، إلا أنها أول دولة تعتبر من صلب المعسكر الغربي وهي دولة عضو في الاتحاد في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) كما أنها دولة مجاورة لروسيا، وهو ما يتوقع أن يؤدي لارتدادات وردود وفعل وحسابات في كل من روسيا والاتحاد الأوروبي والناتو، ويجعل منها صفقة دفاعية غير عادية تحمل في طياتها أبعاد استراتيجية هامة.
وسبق أن باعت تركيا مسيراتها الاستطلاعية والهجومية إلى العديد من الدول، منها قطر وأذربيجان وليبيا ولاحقاً إلى أوكرانيا التي اشترت طائرة “بيرقدار”، فيما اشترت تونس طائرات مسيرة من طراز “عنقاء”، وسط أنباء عن قرب توقيع المغرب على صفقة لشراء مسيرات تركية، وتسريبات عن نية دول أوروبية جديدة اقتناء المسيرات التركية قريباً.
وفي الأشهر الأخيرة، ظهرت إشارات مختلفة من تركيا والعديد من الدول الأخرى على إمكانية توقعات صفقات قريبة لبيع المسيرات التركية ومنها دول مثل صربيا والمجر وألبانيا وبيلاروسيا وبلغاريا والتشيك، كما ظهرت مؤشرات أضعف على رغبة إيطاليا وحتى المملكة المتحدة في اقتناء هذه المسيرات أو الإنتاج المشترك لها، دون تأكيدات رسمية من الجانبين.
ومن شأن هذه الخطوة أن تزيد الخلافات وتبادين وجهات النظر داخل أطر الاتحاد المنقسم أصلاً في موقفه تجاه تركيا، لا سيما فرنسا التي دعت مراراً إلى الضغط على تركيا وفرض عقوبات عليها، كما من شأن هذه الخطوة أن تعزز “أصدقاء” تركيا داخل أطر الاتحاد وبالتالي تصعيب مهمة التوافق لاحقاً على فرض أي عقوبات كبيرة على أنقرة، حيث يتوقع أن تسعى بولندا وبعدها لتوانيا إلى اتخاذ مواقف “معتدلة” تجاه تركيا داخل هيئات الاتحاد الأوروبي وهو ما من شانه تصعيب وتعقيد أي مساعي للتوافق على خطوات سلبية تجاه أنقرة، وهي لا شك بأنها ستكون نقطة تحول استراتيجية.
هذه المقاربة تنطبق إلى درجة كبيرة على حلف الناتو الذي سيثور بعض أعضاءه للتساؤل حول الأسباب التي تدفع دولة مثل بولندا لشراء أسلحة من تركيا ولا تفضل بالدرجة الأولى الخيارات التقليدية من حيث الأسلحة الأمريكية أو البريطانية أو الفرنسية، وهو ما سيعتبر نقطة تحول كبيرة في كل المعايير، كما سيزيد التعاون الدفاعي بين تركيا وبولندا وأي دول جديدة تشتري المسيرات التركية من قوة الموقف التركي داخل أطر الحلف وسيصعب اتخاذ قرارات تغضب تركيا لصعوبة التوافق عليها لاحقاً.