بعد تجربة غانتس ومنصور عباس و”المشتركة”.. الوسط العربي لليسار: “حتى أنت يا بروتس؟”

حجم الخط
3

أسعد غانم ممثل كبير للنخبة العربية المثقفة في إسرائيل، هو بروفيسور في العلوم السياسية في جامعة حيفا، ويعرف النظام السياسي في إسرائيل بكل تفاصيله. لذلك، من غير السهل على الأذن اليهودية أن تسمع توبيخه للمجتمع اليهودي بشكل عام واليسار اليهودي بشكل خاص. “اليسار يحارب بنيامين نتنياهو لأنه يريد الدفاع عن هيمنته الأشكنازية، وممثلها البارز المحكمة العليا”، هكذا انتقد، وأضاف: “لماذا يجب عليّ الدفاع عن المحكمة العليا؟ المحكمة العليا لم تكلف نفسها عناء قبول متدربين عرب. وهي خلال سنوات، شرعنت سياسة إسرائيل في المناطق المحتلة”.

  غانم صوت بارز يصوغ إجابة بطلاقة لفك اللغز السياسي الكبير للانتخابات القريبة القادمة: لماذا ينضم حزب عربي للائتلاف للمرة الأولى بعد سنة على اجتيازنا للعقبة الكأداء؟ إن الناخبين العرب يائسون، ونسبة تصويتهم قد تهبط إلى الدرك الأسفل، وقد تصل إلى أقل من 40 في المئة. إذا كانت هذه حقاً هي نسبة التصويت، فربما لن يجتاز أي حزب عربي نسبة الحسم. وللمرة الأولى منذ قيام الدولة، لن يكون هناك تمثيل للعرب في الكنيست.

  كان جواب غانم أن الأمر لا يتعلق باليأس، بل بتحليل بارد من الناخب العربي لوضعه. تجربة إشراك “راعم” في الائتلاف فشلت، واليهود لا ينوون إشراك العرب في اللعبة السياسية، لذلك لم تعد أي فائدة من المشاركة في الانتخابات. اليهود يبعدون العرب، لذلك يسبقهم العرب فيبعدون أنفسهم.

  “بماذا خدمتني المشاركة في التصويت ولو مرة واحدة؟” تساءل غانم. وأشار إلى ما كان يعتبر خط التصدع الذي حدث حتى قبل تشكيل حكومة التغيير: انتخابات 2020، التي صوت فيها العرب بنسبة مرتفعة بشكل خاص، والتي أوصلت القائمة المشتركة إلى ذروة 15 مقعداً وإلى قرارها التاريخي بأن توصي، للمرة الأولى، بمرشح يهودي لرئاسة الحكومة، بني غانتس. فقد كافأ غانتس، العرب على هذا الدعم برفضه إشراكهم في الائتلاف وانضم إلى نتنياهو.

  “فضل غانتس التنازل عن الحكم بدلاً من الاعتماد على أصوات العرب، وحدث هذا عندما وصلنا إلى رقم قياسي بلغ 15 مقعداً”، قال غانم، وأضاف: “لذلك، النتيجة واحدة؛ أن العرب دائماً سيجدون أنفسهم في الخارج، إلا إذا وافقوا على الخضوع لكل طلبات اليهود، مثل التنازل عن المساواة الاجتماعية، وحل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين كما فعل منصور عباس”.

 

  لم تنجح في الاختبار

  موقف غانم متطرف ويعاني من الفشل في المنطق. ولأن العرب يعتقدون بأنهم لم يتم إشراكهم في اللعبة السياسية فإنهم يفضلون التنازل عن المشاركة فيها مسبقاً. وبهذا يجسدون بأنفسهم نبوءة عدم إشراكهم. ولكن مشاعر الإهانة والإقصاء قوية جداً رغم إشراك “راعم” في الائتلاف إلى درجة يصعب تغييرها.

  “حكومة التغيير لم تنجح في اجتياز اختبار النتيجة”، قالت عضوة الكنيست غيداء ريناوي زعبي (ميرتس). “هي لم تعمل على تحسين وضع العرب وخيبت أملهم. اليسار في إسرائيل يتحدث بصوت مرتفع عن إنقاذ الديمقراطية، في حين ينشغل العرب في إنقاذ أولادهم من الرصاص الطائش. هم يقلقون من أمور أهم من إنقاذ الديمقراطية”.

  في الجولات الانتخابية الأربعة الأخيرة، كانت نسبة تصويت العرب 45 – 65 في المئة. هذه مساحة واسعة تعكس المؤشرات التي تحدد تجند المصوتين العرب: الأول سلوك الناخبين العرب، والثاني سلوك الناخبين اليهود. في جولة الانتخابات القادمة يبدو أن هذه المؤشرات أشارت إلى الاتجاه السلبي، الأمر الذي قد يؤدي إلى نسبة منخفضة جداً في التصويت، وإلى أن حزبين عربيين، ربما حتى الثلاثة أحزاب، لن تجتاز نسبة الحسم.

  البروفيسور أمل جمال، من كلية العلوم السياسية والعلاقات العامة في جامعة تل أبيب، شرح بأن 25 – 30 في المئة من العرب على الأقل يرفضون بشكل مبدئي تجسيد حقهم في التصويت لأنهم يعتبرون الانتخابات إعطاء للشرعية للمؤسسة الصهيونية. أي أن نسبة الحد الأعلى لتصويت العرب لا يمكن أن تتجاوز سقف 70 في المئة، منذ البداية. 65 في المئة، التي كانت نسبة التصويت في انتخابات 2020، عكست بناء تجند كبير على ذلك، الذي عكس الأمل الذي رافق هذه الجولة الانتخابية، التي كانت فيها لغانتس احتمالية استبدال نتنياهو في رئاسة الحكومة. كلما كان الأمل كبيراً تكن خيبة الأمل.

  “معظم المصوتين العرب يريدون تغييراً في سياسة الحكومة تجاه العرب”، قال جمال، “وهم يؤمنون بأن طريق الوصول إلى هناك تمر عبر استخدام قوة سياسية. ولحدوث ذلك، يجب أن يتحقق شرطان: الأول أن يكون الصوت العربي موحداً، وأن يأتي العرب إلى الكنيست بكل القوة. والشرط الثاني هو أن يعطي اليسار إشارات بأنه مستعد للشراكة مع منتخبي الجمهور العربي.

  “هذه المجموعة ستلزم بيوتها في هذه المرة، لسببين: هم خائبو الأمل من انقسام الأحزاب العربية، الأمر الذي سيضر بالتأكيد بتمثيلها. إضافة إلى ذلك، لم يعودوا يؤمنون بأنه يمكن التعاون مع اليهود وتحقيق أي تغيير إزاء خيبة الأمل من تجربة منصور عباس”.

 

       التركيبة لم تتغير

  لا شك أن المجتمع العربي غاضب في أعقاب انقسام القائمة المشتركة، الذي حسب تقدير الجمهور العربي ينبع من اعتبارات شخصية وليس من فجوات أيديولوجية. وبسبب عدم التوقيع على اتفاق أصوات عائمة بين الأحزاب، يظهر عبثية سلوك الأحزاب العربية. كان لدى المجتمع العربي توقع بتحديث الصفوف في الأحزاب القديمة، التي يقودها نفس أعضاء الكنيست منذ عقود، لكن هذا الأمر لم يحدث.

  “وفقاً للعبة كرة القدم، عندما تكون هناك تشكيلة خاسرة، يغيرونها”، قال الدكتور محمد خليلي، وهو من رؤساء حركة تشجيع التصويت في المجتمع العربي. “لكن رغم عدم الفوز في الانتخابات السابقة، بقيت الأحزاب مع نفس القوائم بالضبط. وهذا زاد الاغتراب بين الناخب العربي وحزبه”.

  عملياً، الغضب من الأحزاب العربية كبير جداً إلى درجة أنه وفقاً لتقدير الدكتور ثابت أبو راس، المدير العام المشترك لصندوق مبادرات إبراهيم، قد يعاقب الناخب حزب حداش – تاعل على ذلك. “مؤخراً، ألاحظ يقظة في نسبة التصويت”، قال أبو راس. “لكن معظم هؤلاء الذين قرروا التصويت هم بالتحديد مؤيدو “بلد”. ليس لتبريرات أيديولوجية، بل لأن “تاعل” أضرت بـ”بلد” دون أن تكون لذلك ضرورة، وأن “بلد” وقعت ضحية الأنا الشخصية لرؤساء حداش – تاعل”. قدر أبو راس بأن نسبة تصويت العرب سترتفع بما فيه الكفاية كي تجتاز “بلد” نسبة الحسم، وأن حداش – تاعل هي بالتحديد التي ستهبط إلى تحت نسبة الحسم.

  فتات يبلغ 30 مليار شيكل

  الغضب من منتخبي الوسط العربي هو نصف المشكلة. ويزداد على خلفية الشعور بـ “فشل تجربة” انضمام “راعم” للائتلاف، رغم أن هذا يعتبر إنجازاً تاريخياً واجتيازاً للعقبة الكأداء في سياسة إسرائيل.

  تفسيرات مشاعر الفشل كثيرة لأسباب: أولاً، بسبب قصر الوقت؛ فعباس نجح في توفير ميزانيات كثيرة للمجتمع العربي، بخطة خماسية تبلغ 30 مليار شيكل (ضعف الخطة الخماسية السابقة)، واستثمار آخر يبلغ 20 مليار شيكل في البنى التحتية خلال عقد. ولكن معظم الميزانيات لم تطبق ولم تتمكن من التأثير. بالنسبة للعرب، هذا إنجاز لم يشعروا به.

قصر الوقت يؤثر أيضاً على المجال الأكثر سخونة في المجتمع العربي: الجريمة الخطيرة. فقد وضع عباس معالجة الجريمة على رأس طلباته الائتلافية، وقامت وزارة الأمن الداخلي والشرطة بقفزة في معالجة الجريمة في الوسط العربي. رغم ذلك، وبعد مرور سنة، لا نتائج على الأرض حتى الآن، بل العكس؛ زادت الجريمة وتدهور الشعور بالأمن الشخصي. من الصعب إقناع الجمهور العربي بأن هناك حاجة للتسامح، وأنه من الصعب استئصال الجريمة خلال سنة واحدة. “المواطن الذي يعاني لا يمكنه إظهار الصبر”، قال خليلي. “الناخب العربي قد يموت في كل لحظة يدخل فيها إلى البقالة، بالضبط في الوقت الذي تمت فيه تصفية جنائية. ولا تعنيه قط أي تفسيرات لاستغراق وقت للمعالجة”.

وثمة تفسير آخر للشعور بالفشل، وهو الاستعداد بعيد المدى للتنازل من قبل عباس. فقد حاول عباس تنفيذ فصل بين المسألة المدنية والمسألة القومية، وتحقيق إنجازات اقتصادية – مدنية للمجتمع العربي مع تنازل في المسألة القومية. لو نجح في ذلك لقبل ذلك المجتمع العربي. ولكن الناخب العربي يرى في هذه الأثناء أنه دفع ثمناً قومياً كبيراً بدون مقابل.

“تبنى عباس استراتيجية التنازل في مجال الهوية القومية”، قال جمال. “ضمن أمور أخرى، لأنه لم يكن لديه ما يكفي من القوة في الائتلاف. جاء مع أربعة مقاعد فقط، وكان يعتمد على الائتلاف بدرجة لا تقل عن اعتماد الائتلاف عليه. والنتيجة أنه اضطر إلى التنازل والتصويت على قانون المواطنة وعلى استمرار الحكم العسكري في “المناطق” [الضفة الغربية] أو الموافقة على السماح لليهود بزيارة الحرم، كل ذلك دون تحقيق أي إنجاز وطني في المقابل”.

  “مشاركتنا في الائتلاف كلفتنا التنازل عن المساواة المدنية للعرب”، قال غانم. “في المقابل، رموا لنا الفتات، 30 مليار شيكل، أي 1.5 في المئة من الميزانية، وهي أقل بكثير مما نستحق”.

  لبيد وغانتس سيحسمان

  غانم وأبو راس يصفان مشاعر قاسية من ناحية الناخبين العرب الذين يشعرون بأنه يتم استغلالهم. يستخدمهم اليسار في إسرائيل من أجل الدفع قدماً بأهدافه مثل إبعاد نتنياهو عن الحكم دون نية إشراكهم وإعطائهم إنجازات وطنية حقيقية. “هم يستخدمون العرب كأداة لصد نتنياهو”، قال غانم. “لكنهم في المقابل غير مستعدين لتحقيق مساواة مدنية أو إنهاء النزاع. هذا أمر غير مفاجئ إزاء حقيقة أن اليسار، مباي التاريخي، كان مصدر القمع التاريخي للعرب في إسرائيل”.

  غانم يمثل موقفاً متطرفاً يقول بأنه لا توجد احتمالية لمشاركة نزيهة بين اليهود والعرب في إسرائيل. معظم ممثلي المجتمع العربي متشائمون أقل منه، ويعتقدون أنه رغم الثمن الباهظ الذي دفعه عباس مقابل انضمامه للائتلاف، فإن “راعم” و”تاعل” معنيتان بالمشاركة في اللعبة السياسية. “راعم” من داخل الائتلاف (عباس يطمح إلى أن يكون وزير الداخلية)، و”تاعل” مع الدعم من الخارج فقط، هكذا لن تضطر إلى دعم قوانين لا تقبلها. مع ذلك، ممثلو المجتمع العربي يعبرون عن خيبة الأمل من عدم استعداد منتخبي الجمهور الرواد في كتلة الوسط – يسار الآن، لبيد وغانتس، مد اليد لهم.

  “أدرك خطر سموتريتش وبن غفير”، قال غانم. “لكن البديل عنهما لا يضطرني للذهاب إلى التصويت. لم يقل لبيد حتى الآن أي شيء عن تغيير السياسة تجاه العرب. أعلى قدر كان مستعداً للوعد به هو استخدام الأحزاب العربية ككتلة مانعة”.

  “الحكومة كانت تعتمد على الإصبع العربي للحصول على المقعد 61″، قالت ريناوي – زعبي. “من الواضح أن استنتاج منتخبي الجمهور اليهودي هو وجوب عدم تكرار ذلك. سيفعلون كل ما في استطاعتهم، بما في ذلك عقد التحالفات بينهم، كي لا يكونوا معتمدين مرة أخرى على أصوات العرب”.

  خليلي، الذي يحاول إقناع الناخبين العرب بالذهاب إلى التصويت، اضطر إلى استخدام ادعاءات، كأن يحتاج التغيير إلى وقت طويل. “نحن جزء من سلسلة الأجيال، لذلك، علينا ألا نستسلم. ذات مرة كنا تحت الحكم العسكري، وكان آباؤنا آمنين، ولكن الآن هناك ثورة أكاديمية في المجتمع العربي”، قال.

  إزاء ضعف هذه الادعاء، يأمل أن تبدأ حملة الاستنجاد في المجتمع العربي (أي التخوف من عدم وجود تمثيل للعرب في الكنيست) في خلق الاستيقاظ. وهكذا أيضاً الخوف من احتمالية قدوم حكومة نتنياهو – بن غفير، التي سيكون فيها بن غفير وزيراً للأمن الداخلي. جمال وخليلي يقدران بأن نسبة التصويت ستكون 46 – 48 في المئة. أبو راس متفائل أكثر، ويتوقع نسبة تبلغ 52 – 53 في المئة.

  على أي حال، يقدر الجميع بأن نسبة التصويت تعتمد أكثر من أي شيء آخر على كيفية عمل لبيد وغانتس. إذا توجها إلى المجتمع العربي وأعلنا عن نية إشراكهم في الائتلاف وقدما لهم وعوداً حقيقية، فثم احتمالية كبيرة لزيادة نسبة تصويت العرب.

جميع الخبراء   تقريباً يعرضون نفس الطلبات التي يتوقع الجمهور العربي حلها، مثل المعالجة الجذرية للجريمة، ومعالجة مشاكل التخطيط والبناء (بما في ذلك إلغاء قانون كمنتس)، وتوسيع مساحات القرى العربية، والاعتراف بالقرى غير المعترف بها في النقب، وإلغاء قانون القومية.

حتى إن معظمهم يتحدثون، عملياً، عن أقل من ذلك: القليل من المعاملة الإنسانية للمجتمع العربي. “كل ما يحتاج لبيد أن يفعله هو النزول إلى الميدان والالتقاء مع رؤساء السلطات المحلية العربية، ومشاهدة مشكلات التخطيط والبناء، أي أن العرب مواطنون متساوون، وربما بضع كلمات في ذكرى المذبحة في كفر قاسم. إعطاء الشعور بأنه يحسب حسابنا”، لخص أبو راس أقواله.

بقلمميراف ارلوزوروف

هآرتس/ ذي ماركر 25/10/2022

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قلم حر في زمن مر:

    اللهم انصر فلسطين واهزم دويلة الباطل إسرائيل شر هزيمة يارب العالمين عاجلا غير آجل ✌️????????????✌️

  2. يقول شهاب الجزائر:

    الشهداء يستشهدون في غزة و الضفة الغربية
    من أجل فلسطين و كرامة الإنسان الفلسطيني
    و منصور عباس يضع يده مع اليهود و ينام في
    حضنها،

  3. يقول كمال مناع:

    جيد جدا

إشترك في قائمتنا البريدية