في خطاب ألقاه مطلع تشرين الأول 2018 أمام عشرات آلاف أعضاء الحرس الثوري، سخر زعيم إيران خامينئي من تقديرات الرئيس الأمريكي ترامب بأن النظام الإسلامي سينهار في غضون أشهر قليلة بفضل سياسته الحازمة ضد إيران. وقال خامينئي: “منذ 40 سنة يكررون القول إن الجمهورية الإسلامية توشك على السقوط بعد بضعة أشهر. ولكن هذه مجرد تمنيات”. في كانون الثاني القريب المقبل، سيصبح ترامب الرئيس الأمريكي السابع الذي ينهي ولايته منذ قيام الجمهورية الإسلامية في العام 1979، بينما يواصل النظام الإيراني الصمود.
الجمهورية الإسلامية اليوم في إحدى لحظات الدرك الأسفل الأخطر في تاريخها. وتعرضت إيران في السنوات الأخيرة لضربة إثر ضربة: من العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة في حجمها، ووباء كورونا، وموجات احتجاج شعبية، وتصفية قاسم سليماني، واستراتيجية أقصى الضغوط من الرئيس ترامب، وهي وإن تسببت لإيران بثمن اقتصادي باهظ، إلا أنها لم تنجح بأن تفرض عليها العودة إلى طاولة المفاوضات أو تلطيف حدة سياستها، فما بالك أنها لم تؤد إلى انهيار النظام.
لا غرو، إذن، في أن زعماء إيران يجدون صعوبة في إخفاء رضاهم في ضوء هزيمة ترامب. ومع أن قادة النظام كرروا موقفهم المعلن من أنه لا فرق حقيقياً بين الديمقراطيين والجمهوريين في موقفهم المعادي تجاه إيران، سارع مسؤولون إيرانيون إلى الترحيب برحيل ترامب. فقد صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن الإدارة الأمريكية التالية ينبغي أن تستغل الفرصة “لتعويض” أخطائها التي ارتكبها ترامب.
لا شك بأن انتصار بايدن ينطوي على إمكانية كامنة لإحياء المفاوضات بين طهران وواشنطن لاستئناف الاتفاق النووي. وتحققه منوط بقرارات زعيم إيران في الأشهر المقبلة. فحتى قبل إعلان شبكات التلفزيون الأمريكية رسمياً عن انتصار بايدن، استؤنف الجدال الداخلي بين مؤيدي الرئيس روحاني ومعارضيه في المعسكر المحافظ – الراديكالي. فقد أعرب مؤيدو الرئيس في المعسكر الإصلاحي عن تفاؤل حذر بالنسبة لاستئناف الاتفاق النووي وتحسين الوضع الاقتصادي، مما هو كفيل بأن يعزز قوتهم السياسية قبيل الانتخابات للرئاسة الإيرانية المرتقبة في حزيران 2021. أما الراديكاليون، والذين تحفظوا منذ البداية من الاتفاق النووي ومن استعداد الرئيس للمساومة مع الغرب، فقد اتهموا خصومهم السياسيين بأنهم لم يتعلموا شيئاً من خرق إدارة ترامب للاتفاق ويواصلون تعليق آمالهم بالولايات المتحدة، التي أثبتت بأنه لا يمكن الثقة بها وبالاتفاقات التي توقع عليها.
في نهاية المطاف، سيحسم هذا الجدال من هو زعيم إيران، الذي عليه أن يقرر هل يقر للرئيس العودة إلى طاولة المفاوضات أم يواظب على نهجه الرافض رغم الأزمة الاقتصادية المحتدمة والإصرار على مطلب رفع العقوبات، بل والتعويضات الأمريكية، كشرط مسبق لاستئناف المفاوضات. ويتعلق قراره بعدة عوامل، منها الخطوات العملية التي سيتخذها بايدن، الذي وإن كان أعلن عن نيته العودة إلى الاتفاق النووي، إلا أنه أصر أيضاً على الحاجة إلى تحسينه، وكفيل بأن يبقي العقوبات كورقة مساومة مع إيران؛ واستعداد الزعيم الإيراني للموافقة على استئناف الحوار مع الولايات المتحدة رغم أن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي أثبت -بنظره- ادعاءه بأنه الثقة بـ “الشيطان الأكبر” محظورة؛ واعتبارات سياسية في أساسها التأثير المحتمل للمفاوضات المتجددة على المكانة السياسية لمعسكر مؤيدي روحاني قبيل الانتخابات للرئاسة.
في كل الأحوال، فإن نافذة الفرص الضيقة من دخول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض وحتى انتخابات الرئاسة الإيرانية ستجعل من الصعب على الدولتين الوصول إلى اتفاقات ذات مغزى. وبالتالي سيكون ممكناً على ما يبدو التوقع في أقصى الأحوال استئناف الاتصالات بينهما وخطوات بناء الثقة تكفل أن تشق الطريق لاستئناف المفاوضات، والتي من السابق لأوانه تقدير نتائجها في هذه المرحلة.
بقلم: راز تسيمت
يديعوت 11/11/2020