دبي: أحيا إعراب ولي العهد السعودي عن “الخجل” من الحكم بالإعدام على المواطن محمد الغامدي لمجرد انتقاده الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي، آمال شقيقه سعيد بحلحلة القضية، لكنّ نشطاء اعتبروا تصريحات الحاكم الفعلي للمملكة بمثابة “مراوغة”.
أدين محمد الغامدي في تموز/ يوليو الفائت بالإعدام على خلفية اتهامات تتعلق بمنشورات فُسرت على أنها تدعو “للإخلال بأمن المجتمع والتآمر على الحكم” عبر حسابه على منصة إكس الذي يتابعه نحو عشرة أشخاص.
وأكّد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلة نادرة أجرتها معه شبكة فوكس نيوز الإخبارية الأمريكية وبثّتها الأسبوع الماضي، أن تفاصيل القضية “صحيحة”.
وقال ولي العهد: “لسنا سعداء بذلك. ونخجل منه”، وعزا صدور مثل هذه الأحكام لوجود “قوانين سيئة”. وتابع: “آمل أن يكون القضاة أكثر خبرة في المرحلة المقبلة من المحاكمات. وقد ينظرون إلى الأمر بشكل مختلف تماما”.
لكنّ شقيق الغامدي، الداعية الإسلامي سعيد الغامدي الناقد للحكومة السعودية، والذي يتخذ من لندن منفى اختياريا، أكّد أن “كل شيء بيديّ” ولي العهد، مضيفا: “الأحكام تصدر من عنده، وإلغاؤها من عنده أيضا”.
وقال ساخرا: “بما أنه اكتشف أن هناك أحكاما قضائية يخجل منها، فالفرصة أمامه ليلغيها”.
وتابع: “آمل أن يكون هناك تراجع حقيقي. ليس فقط في العدول عن حكم الإعدام (بحق شقيقي) بل بالإفراج عنه وعن كل الحالات المماثلة”.
يقوم الحكم في السعودية على نظام ملكي في غياب برلمان مُنتخب، ولا يُسمح بأي معارضة سياسية. ويعيّن القضاة بموجب أوامر ملكية.
وحُوكم الغامدي، وهو مدرس متقاعد يبلغ 55 عاما، بموجب قانون مكافحة جرائم الإرهاب الذي أقرته السعودية نهاية 2017 بعد أشهر من وصول ولي العهد لمنصبه.
وندّدت حينها منظمة هيومن رايتس ووتش بالقانون الذي قالت إنّه يشمل “تعريفا مبهما للإرهاب” وقد يسمح “للسلطات بمواصلة استهداف الانتقادات السلمية”.
وشكّكت الباحثة في شؤون السعودية في المنظمة جوي شيا، بقول بن سلمان إن الحكم على الغامدي نتيجة قوانين قديمة لم تتغير بعد.
وقالت في مؤتمر صحافي الثلاثاء، إن “هذه ليست قوانين سيئة قديمة. إنها قوانين سيئة جديدة دخلت حيز التنفيذ عام 2017 عندما كان محمد بن سلمان وليا للعهد”.
وتركز الاتهامات ضد الغامدي على منشورات تنتقد الحكومة، وتدعم سلمان العودة وعوض القرني، وهما من الدعاة، ومسجونان منذ أكثر من ست سنوات. وطلب الادعاء السعودي أيضا بإعدامهما، لكن محاكمتها لم تبدأ قط.
ولم يأخذ عبدالله العودة، ابن الداعية السعودي سلمان العودة، تعبير الأمير محمد عن خجله من أحكام الإعدام على محمل الجد.
وأفاد أنها تصريحات “غير جادة وهي جزء من المراوغة ومحاولة مخاطبة الشعب الأمريكي” لتحسين صورته.
وقال ولي العهد خلال المقابلة: “لا أستطيع أن أقول للقاضي أن يفعل أمرا ما ويتجاهل القانون؛ لأن هذه الإرادة تتعارض مع سيادة القانون”.
لكنّ العودة، المدير السعودي لمؤسسة “مبادرة الحرية” التي تتخذ من واشنطن مقرا، قال ساخرا إن بن سلمان “يتحدث وكأن السعودية دولة ديموقراطية لديها فصل بين السلطات”.
في صيف 2022، أثارت أحكام بالسجن لعقود بحق امرأتين على خلفية منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد الحكومة، إدانات دولية واسعة النطاق.
إلا أن مسؤولا سعوديا، فضّل عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع، أرجع الأحكام القاسية لرغبة قضاة محافظين في إحراج ولي العهد الإصلاحي.
وقال المسؤول: “هناك من يريد إحراج ولي العهد أمام العالم”.
ومنذ تولي بن سلمان منصب ولي العهد في 2017، تتبع السعودية أجندة إصلاحية طموحة تُعرف باسم “رؤية 2030” تهدف إلى تحويل المملكة التي كانت مغلقة سابقا إلى وجهة سياحية وتجارية عالمية وتعتمد إصلاحات اجتماعية. لكن ذلك يترافق مع استمرار قمع المعارضة.
وقال الغامدي إن ولي العهد “يمارس قمعا شديدا وإرهاب دولة لإخافة الجميع ليمرر أجندته في صمت مطبق”.
وتواجه السعودية انتقادات متكررة لاستخدامها المفرط لعقوبة الإعدام. وقد أعدمت عام 2022، 147 شخصا، من بينهم 81 في يوم واحد. وهذا العدد هو ضعف عدد الإعدامات الذي سُجّل في2021 والبالغ 69، وفق حصيلة أعدّتها فرانس برس بناء على بيانات رسمية.
وهذا العام، تم تنفيذ 111 عملية إعدام حتى الآن. وتنفّذ المملكة في غالب الأحيان أحكام الإعدام بقطع الرأس.
وكان تنفيذ عقوبة الإعدام في جرائم المخدرات معلقا منذ كانون الثاني/ يناير 2021. إلا أن ذلك استؤنف العام الماضي وقد أُعدم مذاك 17 شخصا في مثل هذه القضايا.
وخلال المقابلة، أشار ولي العهد إلى قيامه “بتغيير عشرات القوانين في السعودية، والقائمة تضم أكثر من ألف بند” قانوني آخر، يعمل عليهم “150 محاميا حكوميا” فقط.
لكنّ لينا الهذلول، رئيسة قسم التواصل في مؤسسة ” القسط” لحقوق الإنسان ومقرها لندن، تطالب بمزيد من “الشفافية” في تطبيق القوانين.
وأكّدت أن الحكومة لديها دائما القدرة على نقض أحكام الإعدام، مطالبةً “بمراقبة المحاكمات والتوقف عن أن تكون خلف أبواب مغلقة”.
وتابعت: “إذا كان كل شيء يحدث خلف أبواب مغلقة، فلا يمكننا القول إن الحكومة مستعدة حقا لتغيير الوضع”.
(أ ف ب)