اتفاق AUKUS (وهي الأحرف الأولى من أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة) اتفاق لوضع استراتيجية تأسيسية وبعيدة المدى عن العلاقات بين الغرب والصين. يتملك الموقعين قلق يكمن في خلفية الاتفاق من تهديد صيني متزايد، فثلاثتهم دول ذات مصالح في المنطقة الواسعة جنوبي شرق آسيا والمحيط الهادئ. ومع أنها في مركز المنصة بشكل رسمي، فإن دولاً أخرى كالهند واليابان، وربما فيتنام وتايلند وسيريلانكا، صفقت من مدرج المشاهدين. وثمة زوايا أخرى؛ فمن ناحية أستراليا يعدّ هذا إعراباً عن الثقة لقوة عالمية للولايات المتحدة؛ أما بالنسبة لبريطانيا فيعدّ هذا تعبيراً عملياً عن “العلاقات الخاصة” مع أمريكا، التي ازدادت أهميتها بعد البريكست؛ أما لإدارة بايدن فهذا تأكيد متجدد لمكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى عسكرية عالمية، وإظهار تصميم استراتيجي وسياسي كرد على الفشل في أفغانستان.
لُباب الاتفاق هو المساعدة وتوفير المعلومات لبناء ثماني غواصات نووية متطورة للأسطول الأسترالي، تبنى في بريطانيا وأستراليا. هذه هي المرة الأولى بعد بريطانيا في 1958، التي توافق فيها أمريكا على اقتسام المعلومات عن الغواصات النووية مع دولة أخرى. وأهميتها الاستراتيجية العظمى للغواصات النووية تكمن في قدرتها على التملص من الانكشاف وقدرتها على تعريض أسطول العدو للخطر في كل مكان وفي كل وقت. يؤكد الاتفاق أهمية متزايدة للغواصات المتطورة، وليس النووية فقط، والاستعداد الاستراتيجي في ساحات أخرى أيضاً، بما في ذلك شرق البحر المتوسط والخليج الفارسي. وثمة استنتاج توصلت إليه حكومة نتنياهو قبل بضعه سنوات، وتلقت عليها انتقاداً غير مسؤول من معارضيها السياسيين ومن الإعلام المناكف، ومن شأن هذا الانتقاد أن يعرض أهدافاً أمنية مهمة للخطر.
ولكن المهم بقدر لا يقل عن الجواب العسكرية للحلف الجديد، هو ما تعنيه سياسة الخارجية والأمن في حكومة بايدن، بوجه عام. من خلال حملة الانتخابات والتصريحات المختلفة التي تبناها الرئيس الجديد، يُستنتج بأنه يسعى إلى قطيعة تامة عن السياسة الخارجية التي اتبعها سلفه ترامب، ولكن كما يتبين في العديد من المواضيع، هناك استمرارية أكثر مما هي قطيعة وتغيير. مع مبالغتنا في القول بأن نرى في بايدن نسخة لترامب (الأسلوب مختلف) ولكن مثلما كتب ريتشارد هاس، رئيس المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية، مؤخراً: “توجد استمرارية أكبر بكثير في السياسة الخارجية لدى الرئيس الحالي والرئيس السابق”، وبخاصة في النهج الصقري تجاه الصين، ولكن بالنسبة لميل تقليل التدخل في شؤون الشرق الأوسط، وحتى في الموقف من روسيا، التي على حد قول هاس، “مع أن ترامب أدى تجاهها موقفاً عاطفاً، لكنه عملياً أدار سياسة متصلبة”. العنصر الأساس في الاستمرارية، برأي هاس، هو الخصومة في كل المجالات، بما في ذلك الاقتصادي، مع الصين. بالنسبة لإيران، وان كان هناك فرق أساس بين الإدارتين من ناحية أن بادين يتطلع للعودة إلى الاتفاق النووي، ولكن آجلاً أم عاجلاً -كما يعتقد هاس- لا يمكنه في ضوء مخططات الهيمنة لطهران أن يتجاهل هو أيضاً تحدياتها وتهديداتها. إضافة إلى ذلك، فإن بايدن، مثل ترامب، لا نية له أن يتخذ مبادرات حقيقية حول الموضوع الفلسطيني.
إذا كان اتفاق الغواصات أدى إلى ردود فعل لفظية عدوانية من جانب بكين، فلا تقل غضباً وإحساساً بالإهانة تلك الأصداء الصاخبة في باريس التي وقّعت على اتفاق سابق لتوريد الغواصات (غير النووية) لأستراليا، الاتفاق الذي ألغي الآن. ورداً على ذلك، أعادت سفيرها من واشنطن وكانبرا “للتشاور”. يتبين أن ثمة قاعدة “بلا مفاجآت” تجاه أوروبا، تنطبق فقط على طرف واحد. إن ما رفع مستوى غضب فرنسا -التي تدعي مكانة رفيعة في الساحة الدولية، ولها عدد مستعمرات ومناطق سيادية في المحيط الهادئ- ليس فقدان الصفقة، بل انطباع بعدم الاكتراث بها. ومثلما سبق لديغول أن ادعى في حينه: لا مجال للتعويل على الحلفاء الإنجلوساكسونيين، فإن لفرنسا، كما لدول أوروبية أخرى، بطناً مليئة بسبب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان دون تنسيق معها. في باريس انطلقت أصوات عن نهاية مرتقبة للناتو واستبداله بحلف عسكري أوروبي وفقاً لـ “فكرة الحكم الذاتي الاستراتيجي” لصاحبه الرئيس ماكرون، ولكن في ضوء يد مقبوضة لأوروبا، وألمانيا بخاصة، ينبغي الافتراض بأن يستنتج الفرنسيون بعد أن تهدأ الخواطر، بأن الأفضل لهم تجاوز الإهانة اللاذعة والتفكير بالمصلحة الأمنية المشتركة للعالم الحر، التي يعدّ الاتفاق الجديد جزءاً منها.
بقلم: زلمان شوفال
معاريف 12/10/2021
*