بعد دعوات قمة طهران: تهدئة تركية وتصعيد روسي

منهل باريش
حجم الخط
0

من الواضح أن العملية التركية لا تزال قائمة من حيث المشروع إلا أنها تنتظر مقاربة بين أنقرة وأطراف دولية فاعلة ومؤثرة في الملف السوري ومن أبرزها حلفاء صيغة أستانة.

اختتم مجلس الأمن القومي التركي اجتماعه الذي عقد برئاسة الرئيس رجب طيب اردوغان ببيان أصدره ، مساء الخميس، تحدث عن أبرز المواضيع التي تطرق لها الاجتماع، وعلى غير المتوقع لم يعط البيان الأهمية المركزية للعملية العسكرية التركية المزمعة في شمال سوريا. وشدد على رفض تركيا مضي اليونان قدما في زيادة انتهاكاتها للمياه الإقليمية للبلاد ومجالها الجوي، ليعرض لاحقا وبشكلٍ مقتضب إطلاع المجلس على العمليات المتواصلة داخل البلاد وخارجها على التهديدات والمخاطر تجاه تركيا ووحدتها بما فيها «بي كي كي» و «بي واي دي» بدون الحديث عن العملية المقبلة في شمال شرق سوريا أو مصيرها، ودعا البيان حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي «الناتو» إلى الوقوف بجانب أنقرة في حربها ضد التنظيمات الإرهابية بكل مسمياتها.
ومن الواضح أن العملية التركية لا تزال قائمة من حيث المشروع إلا أنها تنتظر مقاربة بين أنقرة وأطراف دولية فاعلة ومؤثرة في الملف السوري ومن أبرزها حلفاء صيغة أستانة إيران وروسيا. وبرزت جهود تركيا إلى تحقيق هذه المقاربة من خلال «قمة طهران» التي ناقشت مسار «أستانة» بشأن سوريا، إلا أنها لم تحقق أي تفاهمات تخص العملية العسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية «قسد» في شمال وشرق سوريا.
واختتمت القمة التي جمعت الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ونظيريه التركي رجب طيب اردوغان والروسي فلاديمير بوتين أعمالها، الثلاثاء، ببيان لم يختلف من حيث المضمون عن بيانات قمم صيغة أستانة السابقة، مؤكدا على التزام الدول الثلاث باستقلال سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها، إلا أنه دان الوجود المتزايد للتنظيمات الإرهابية وأذرعها في مختلف مناطق سوريا، مؤكدا على تصميم الدول الثلاث على مواصلة مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله، ولم يحمل هذا البند أي جديد فيما يخص العملية العسكرية وخاصة أن مصطلح الإرهاب والتنظيمات الإرهابية متباين في تفسيره بالنسبة لكل طرف، فما تراه تركيا إرهابيا تراه روسيا وإيران بعيون مختلفة وبالتحديد قوات سوريا الديمقراطية «قسد» وهذا ما جعل روسيا وإيران في جانب رافض لأي عملية ضد «قسد». حيث تكسبان من دوره في الضغط السياسي على تركيا وتحاولان الدفع من وجوده إلى تقارب أكثر مع النظام السوري. في حين تبقى أنقرة مصممة على محاربتها «قسد» وهو الأمر الذي أكده الرئيس اردوغان «أن يكون الأمر واضحا للجميع أن لا مكان في المنطقة للحركات الإرهابية الانفصالية وأتباعها.. سنواصل قريبا قتالنا ضد المنظمات الإرهابية».
وأبرزت القمة تقارب الموقفين الروسي والإيراني على حساب التقارب الروسي التركي، بما يعني أن روسيا لم يعد بوسعها اللعب على حبل تناقضات المصالح الإيرانية والتركية بما يحقق لها المكاسب من الطرفين، وهذا ما تسعى إليه طهران في مساعي محاصرة الدور التركي في سوريا وبشكل خاص بعد التحرك التركي تجاه إسرائيل وتحسين علاقاتها مع دول الخليج العربي، الأمر نفسه الذي تراه روسيا ضروريا لعدم ثقتها بالموقف التركي الذي تشكك بأنه ينفذ أجندة أمريكية في المنطقة. ويعزز ذلك تعاون طهران العسكري مع موسكو في حربها ضد أوكرانيا من خلال بيعها طائرات مسيرة، حتى وان كانت أقل جودة من المسيرات الطائرة التركية التي تبيعها أنقرة إلى كييف.
دولياً، علقت أمريكا وإسرائيل على مجريات القمة واعتبر منسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الإستراتيجية في البيت الأبيض، جون كيربي أن زيارة بوتين إلى إيران دليل على عزلته وعزلة روسيا وعجز منظومته العسكرية عن تلبية حاجات الحرب الروسية الأوكرانية، فيما قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي رام بن براك أن إسرائيل تخشى أن «يعيق التقارب الروسي الإيراني عملياتها العسكرية في سوريا ومواجهة التمدد الإيراني» وخاصة في الجنوب السوري.
وفي هذا السياق، بدت إيران مرتاحة لنتائج القمة التي لم تشر إلى أي مخاوف إقليمية أو غربية من التمدد الإيراني في سوريا والمرشح بالتوسع في الشمال في حال فشلت تركيا في إطلاق عمليتها العسكرية المزمعة شمال شرق سوريا، ولعل التطلعات الإيرانية الخفية ترجمت على لسان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية، علي خامنئي الذي حذر من أن الخطوة التركية المحتملة ستحول دون تحقيق «الدور السياسي المتوقع من الحكومة السورية أيضا» وستصب في مصلحة «الإرهابيين» على حد تعبيره، وذلك خلال لقاء جمعه بالرئيس التركي على هامش قمة طهران.
أما المكسب الروسي الأبرز هو تأكيد القمة على دور وأهمية مسار أستانة وقدرته على إيجاد وتنفيذ حلول للأزمة السورية على حساب «مسار جنيف» بصفتها عاصمة لقاءات اللجنة الدستورية.
من جهة أخرى، النظام السوري لم يكن بعيدا عن قمة طهران وملفاتها الساخنة التي تتصدرها العملية التركية في شمال سوريا، فقد قال وزير الخارجية في حكومة النظام، فيصل المقداد من طهران التي زارها تزامنا مع القمة أن «اردوغان لم ينجح في تحقيق الأهداف التي كان يسعى إليها» مؤكدًا خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني رفض دمشق للهجوم التركي المحتمل بدعوى إنشاء مناطق آمنة، قائلاً: «نحن ضد سياسة التتريك ودعم التنظيمات الإرهابية». وحثّ على «سحب أي ذريعة من تركيا لغزو الأراضي السورية». وأضاف أنه لا مصلحة لتركيا في تنفيذ هجوم على سوريا. وعبّر عن رضا دمشق عما وصفها بـ«الجهود التي بذلتها إيران للخروج ببيان متوازن في قمة طهران».
في حين فضلت قوات سوريا الديمقراطية عدم التعليق على نتائج القمة، إلا أنها اعتبرت قبل انطلاقها أن هدف اردوغان من اللقاءات في طهران هو «الترويج لعمل عدواني» ضد مناطق سيطرة «الإدارة الذاتية» وصرحت الرئيسة المشتركة في الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية، إلهام أحمد قبل انطلاق القمة لوكالة «نورث برس» المحلية أن «المجلس» يتحاور مع جميع اللاعبين الفاعلين في الملف السوري ومنهم روسيا التي تملك نفوذا في المناطق التي تهددها تركيا. والجدير بالذكر أن الشرطة العسكرية الروسية تنتشر في مطار منغ العسكري القريب من مدينة إعزاز وتتخذ من مناطق سيطرة «قسد» في ريف حلب الشمالي عدة مقرات لها.
في الميدان، قصف القاذفات الاستراتيجية الروسية ريف مدينة جسر الشغور الغربي، وأدى القصف لمقتل سبعة مدنيين بينهم أربعة أطفال من عائلة واحدة فيما أصيب 12 آخرين بينهم ثمانية أطفال، حسب ما أعلنت فرق الدفاع المدني «الخوذ البيضاء» التي قامت برفع الأنقاض وإسعاف الجرحى. ويأتي التصعيد من قبل الجانب الروسي بعد أيام قليلة على انتهاء «قمة طهران» التي دعت إلى الهدوء وإفساح المجال للحل السياسي.
وجرت العادة، أن تقوم روسيا بحملة دعاية قوية تتعلق بشن هيئة تحرير الشام قصف مطار حميميم العسكري يبرر شدة قصفها على المدنيين في منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب، وهو ما حصل بالفعل مع إعلان القاعدة الروسية إحباط هجوم بطائرتين مسيرتين على القاعدة قبل أيام من قمة طهران. ومع رد فصائل المعارضة السورية في إدلب وعلى رأسها هيئة «تحرير الشام» يتوقع أن تنزلق الأمور إلى تصعيد كبير من قبل قوات النظام والطائرات الحربية الروسية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية