لندن – «القدس العربي»: ظلت قوات البيشمركة (تعني: من يتحدى الموت) ولعقود طويلة مجموعة من المقاتلين الأشداء الذين خاضوا معارك ضد كل الأنظمة العراقية منذ ولادة الدولة العراقية الحديثة، لكنهم لم يستطيعوا الصمود أمام مجموعة من المقاتلين التابعين لتنظيم الدولة الإسلامية المعروف بداعش في بداية شهر آب/أغسطس مما دفع بهم للهرب تاركين قرى وأبناء أقليات تحت رحمة مقاتلي التنظيم الإسلامي. وهو ما أدى لحملة دولية لتقديم الدعم العسكري للقوات الكردية التي تعتبر الحارس على حكومة إقليم كردستان، فقامت الولايات المتحدة بغارات جوية في 8 من آب/أغسطس وانضمت بريطانيا وفرنسا وأستراليا وإيران للدعوات الأمريكية لمساعدة الأكراد، وحتى حكومة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل قرررت خرق تقليد منذ الحرب العالمية الثانية بعدم التدخل في النزاعات الخارجية وإرسال شحنات عسكرية كافية لتسليح فرقة عسكرية مكونة من 4.000 مقاتل.
وبررت ميركل القرار بأنه «مصلحة أوروبية». وبسبب هذا الدعم والغارات الأمريكية استطاعت قوات البيشمركة استعادة زمام الأمور في الأسابيع الماضية. لكن السؤال لا يزال قائما حول فشل القوات في امتحانها منذ 20 عاما. وهو ما دفع المسؤولين الأكراد لوضع خلافاتهم القديمة والإنقسامات العسكرية جانبا وتركيز الجهود للتصدي للعدو الأكبر أي داعش.
الملل والتجارة
وفي تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» حاولت البحث عن ملامح الضعف في قوات البيشمركة، وكشفت سلسلة من المقابلات من أن أكبر تهديد واجهته هذه القوات كان الملل. بالإضافة لتغير الظروف فقد تحولت القوات العراقية التي كان العدو الأكبر لها أثناء حكم صدام إلى حليف بعد الغزو الأمريكي عام 2003. وهو ما أدى بعدد من جنود البيشمركة لترك العمل العسكري والإستفادة من الفرص التي فتحتها فترة الإزدهار الإقتصادي والتطور الكبير الذي شهدته منطقة كردستان.
ولم يعد التدريب العسكري في مركز اهتمامات المقاتلين السابقين في ظل غياب المبادرات لتوحيد قوى البيشمركة التي ظلت منقسمة بناء على الولاءات الحزبية والسياسية، فبدلا من وجود قيادة مركزية موحدة ظل المقاتلون يأخذون أوامرهم من الحزب. ونقلت الصحيفة عن فؤاد حسين، مسؤول طاقم رئيس حكومة كردستان، مسعود بارزاني قوله إن» ما حدث علمنا أنه لا يمكننا الجلوس والتظاهر بعدم وجود أعداء لنا». وأكد أن الأكراد بحاجة لإحياء ما أسماه «ثقافة المقاومة» كي تكون قادرة للدفاع عن ما حققه الأكراد، وعن الهدوء وما يريدون تحقيقه في المستقبل وإلا فسيتم خسارة كل شيء. ومن هنا يفهم التحرك الذي قام به البارزاني الإسبوع الماضي عندما وقع على قرار يقضي بإنشاء جيش وطني، بدلا من وجود قوات موزعة على الحزبين الرئيسيين، قوات الإتحاد الوطني الكردستاني وقوات الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث سيتم دمج القوتين لتكون تحت إمرة وزارة البيشمركة. ويؤكد المسؤولون أن التدريب العسكري المستمر سيكون علامة المرحلة القادمة وسيحصل الرجال والنساء على تدريب عسكري من نوع ما سواء انضموا للجيش أم لا.
جيش وطني
واعترف وزير شؤون البيشمركة مصطفى سيد قادر بالفشل في إنشاء جيش وطني والآن يخططون لتشكيل جيش وطني ونظامي موحد. لكن طموح المسؤولين غير الواقع حيث يشك الكثيرون من إمكانية تغيير النظام السياسي الذي وزع وشتت قدرات البيشمركة. ومن أجل تحقيق هذا يقترح مسؤولون وضع شروط على الدعم العسكري المقدم للأكراد. ونقل عن مسؤول كردي لم يذكر اسمه «نعرف في هذا الجزء من العالم أن ما يعني أكثر ليس ما هو مكتوب على الورق ولكن الإرادة السياسية». ومن هنا فالطريقة التي سيتم بها تشكيل القوات الموحدة ستكون من خلال تقديم كل حزب 60.000 مقاتل ومن مجموعهم سيكون هناك 50.000 تحت إمرة وزارة البيشمركة. ويرى مايكل نايتس من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن غالبية القوات المقاتلة تابعة للأحزاب. وبقدر نايتس عدد القوات الكردية بحوالي 175.000 مع أن العدد الحقيقي غير معروف. ومنذ تقدم قوات داعش نحو القوات الكردية تدفق المقاتلون الشباب والشيوخ للمشاركة في مواجهة التنظيم.
والمشكلة التي تواجهها القوات الكردية ان الشباب لا خبرة عسكرية لديهم والمقاتلون القدماء انخرطوا في العمل التجاري ومن بقي منهم في البيشمركة ظل من أجل الراتب التقاعدي المجزي. ويبرر سروان البارزاني وهو مقاتل سابق وأحد أقارب مسعود البارزاني انتقال المحاربين من القتال للعمل التجاري بأنه طريقة للقتال وبناء البلد. ويتهم الأكراد حكومة بغداد بحرمانهم من المصار والسلاح. وقالوا إنهم اضطروا لدفع الرواتب وتوفير المعدات من أموالهم الخاصة. وفي تفسيرهم للخسارة أمام داعش يقولون إنهم فوجئوا بتقدم التنظيم الكاسح والسريع، وأشاروا للمعدات الثقيلة التي يملكها التنظيم.
ويملك سروار شركة كوريك للهواتف المحمولة ومراكز تسوق في إربيل، ويقول إن أمامهم جبهة طولها 60 ميلا للدفاع مضيفا أن القتال لم يعد في الجبال التي بنوا سمعتهم فيها فـ «الجبل هو صديق الكردي» كما كان يقال. ويضيف سروار الذي كان يتحدث مع مراسل الصحيفة وهو يحتسي فنجان قهوة من «ستارباكس» الأمريكية «كنا نعرف القتال في الجبال» ولكنهم الآن يقاتلون في الصحراء.
انتقام
ورغم كل هذا فما بقي هو الكيفية التي سيستخدم فيها المقاتلون السلاح، وشكل التعاون مع بغداد، حيث ذكر مسؤولون إن الحكومة العراقية أظهرت ترددا في شحن أسلحة لهم خلال الأيام الماضية.
ولن تندفع الحكومة العراقية لتقديم الدعم بعد فك الحصار عن بلدة إمرلي وسفر رئيس الوزراء نوري المالكي مع وزير النقل هادي العامري والذي يشرف على ميليشيات قوية، لمخاطبة الجنود وما يطلق عليها بقوات الحشد الشعبي، حيث اعتبر المالكي الذي خسر نصف العراق فك الحصار عن بلدة صغيرة يسكنها تركمان شيعة باعتبارها «كربلاء ثانية» وتعهد بجعل كل العراق «مقبرة لداعش». وبحسب صحيفة «واشنطن بوست» «عادت مخاوف السنة من تكرار التمييز والقمع ضدهم، خاصة أن الحكومة في بغداد تنظر إليهم كمتعاونين مع داعش.
وتقول الصحيفة إن وصول قوات عراقية مكونة في المعظم من جماعات شيعية قريبا من الأحياء السنية زادت من مخاوف السنة وتعرضهم لعمليات قتل انتقامية». وأضافت الصحيفة أن «عمليات القتل الدموية الطائفية في تزايد مستمر بعد أن تقدمت قوات داعش في شمال العراق في حزيران/يونيو والتي استهدفت الشيعة والأقليات الدينية وأحيت من جديد نشاط الميليشيات الشيعية المتطرفة». وتحدثت الصحيفة عن الدور الأمريكي في فك حصار إمرلي واستعادة بلد سلمان باك.
ونقلت ما قاله المتحدث باسم ميليشيات «عصائب الحق» المدعومة من إيران نعيم العبودي «تم تحرير سلمان باك والقرى الأخرى حول إمرلي». ومع وصول القوات العراقية والميليشيات التابعة لها فر معظم أهالي سلمان باك. ومن بقوا فيها شعروا بالإرتياح من خروج داعش حسب مسؤول المجلس المحلي في بلدة طوز خرماتو شلال عبدول.
إجراءات بريطانية
وتتزامن هذه التطورات الجديدة مع الإجراءات البريطانية التي أعلن عنها رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لمنع الشبان البريطانيين الذهاب إلى سوريا والعراق، ولم يستبعد المسؤول البريطاني من إمكانية مشاركة بريطانيا في الغارات الجوية بدون الحاجة للعودة للبرلمان. مع أن غالبية بريطانية تعارض حتى المشاركة في غارات جوية علاوة على إرسال قوات بريطانية للعراق وهو ما استبعده كاميرون. ففي كلمة له أمام البرلمان حدد فيها الخطوط العامة لمكافحة تدفق الجهاديين من بريطانيا للإنضمام لداعش والجماعات الجهادية الأخرى. واقترح كاميرون منح الأجهزة الأمنية سلطات واسعة تقوم من خلالها بمراقبة حركات الطيران وإجبار شركات الخطوط الجوية للكشف عن أسماء المسافرين ومعلومات عن جوازاتهم. وشملت أيضا تجريد من قاتل في صفوف داعش من مواطنته وإن بشكل مؤقت، ومنح وزارة الداخلية سلطة تهجير المشتبه بهم بعلاقة مع الجهاديين داخل بريطانيا أي «نفي داخلي» ولم يحظ اقتراحه لمنع من يريد العودة من الجهاديين لبلده بريطانيا نظرا للمعوقات القانونية التي ستواجه الحكومة لوضع هذا موضع التطبيق ولعدم موافقة حليفه في حكومة الإئتلاف «الليبراليون الأحرار» على الخطوة.
استطلاع
وفي هذا السياق أظهر استطلاع أن واحدا من كل ثلاثة بريطانيين يوافق على مشاركة القوات البريطانية في الغارات على داعش. وفي الإستطلاع الذي أجراه مركز «كوم ريس» كشف عن دعم 35٪ للمشاركة في الغارات، فيما عارضت نسبة 50٪ أي دور عسكري، وقالت نسبة 15٪ إنها لا تعرف.وكشف الإستطلاع عن دعم الرجال 42٪ للغارات أكثر من النساء 28٪. كما وأظهر الإستطلاع معارضة قوية ضد إرسال قوات عسكرية التي استبعدها كاميرون حيث تدعم نسبة 20٪ من الرأي العام فكرة قوات برية ولم توافق نسبة 69٪. ورغم أنه الإداراة الأمريكية لم تطلب رسميا من بريطانيا المساهمة في الغارات الجوية إلا أن إدارة أوباما جست نبض الحلفاء لإمكانية عقد تحالف دولي، حيث قامت ألمانيا وأستراليا بتسليح الأكراد إضافة للأسلحة الأمريكية والفرنسية والبريطانية التي بدأت تتدفق على مقاتلي البيشمركة. وبحسب استطلاع كوم ريس، وافقت الغالبية على أهمية نزع الجوازات وتجريد من قاتل إلى جانب داعش من مواطنتهم. ولقي هذا دعما من 61٪ مقابل 29٪ رفضوه. وعارضت الغالبية اقتراح بوريس جونسون، عمدة لندن اعتبار كل من يسافر لسوريا والعراق إرهابيا حالة لم يطلع السلطات على خططه، حيث دعا إلى هذا في الإسبوع الماضي في مقاله الإسبوعي بصحيفة «دايلي تلغراف». ويقدر عدد المقاتلين البريطانيين في صفوف الجهاديين بما بين 300-600 مقاتل وهم الأعلى نسبة من بين الجهاديين الأوروبيين.
إعداد إبراهيم درويش