بعد سنوات النكبة الطويلة: هل ستجد السردية الفلسطينية الأمان؟

حجم الخط
0

على الرغم من السنوات الطويلة من الاقتلاع والنزاع، ما زال الفلسطينيون يناضلون لتصبح سرديتهم مسموعة وطبيعية. نتذكر ما كتبه إدوارد سعيد قبل أربعين عاما في «لندن ريفيو أوف بوكس»، «ما زالت القاعدة التي بني عليها الدعم الغربي لإسرائيل موجودة، رغم أن الواقع والوقائع لا يمكنها تأييد هذه القاعدة؟». إن التحدي الذي يشكله هذا الواقع هو مسألة نضال. تتبنى الوكالات الإعلامية الأساسية، وهي الوسيلة القوية لأصحاب السلطة، السردية الإسرائيلية ناشرةً أكاذيب مقيتة ومشوهةً السردية الفلسطينية.

اليوم تتظاهر الشعوب حول العالم، بما في ذلك آلاف اليهود المعادين للصهيونية، وهم شهود على الواقع، يقولون «فلسطين تحررنا»! أصبحت الصهيونية بلا قناع

شعبنا في غزة متروك لمصيره، فالإبادة الإسرائيلية المتصاعدة وجرائم الحرب الفظيعة مستمرة بانفلات كامل من العقاب. الهدف الرئيسي من هذه الإبادة هو قتل آلاف الفلسطينيين وتطهير عرقي للبقية، وإعادة غزة إلى العصر الحجري، خدمة لهدف إسرائيل الاستراتيجي بإكمال استيطانها الاستعماري للتحكم بكل أرض فلسطين التاريخية! يزداد غضبنا كل يوم في ما تستمر الصدمة، عاجزين عن استيعاب وفهم لماذا لم يتوقف هذا القتل المتعمد والتجويع والتدمير ضد شعبنا. ما كان يجب أن تبدأ هذه الإبادة ويجب ألا تستمر. هل شكلت غزة تهديدا لأمن وسيطرة وقوة النيو – استعمار الداعم لاسرائيل؟ أما من منطق يوجه سياساتهم؟ أم هي الصناعات العسكرية؟ تأييد أبشع الفظائع في عصرنا الحديث، قتل آلاف المهنيين والمبدعين، تهجير وتجويع الشعب الذي يعاني من النكبة والاحتلال، أكثر من أي شعب آخر في العالم؟ هل إن القتل الممنهج لآلاف الأطفال ولأحلامهم لم يهز ضميرهم؟ نظامنا العالمي ينهار مع وقوف الولايات المتحدة ضد وقف إطلاق النار، فهي بذلك تصفع المجتمع الدولي بأكمله بقبولها انتهاكات إسرائيل الصارخة للقانون الدولي الذي كان لمعظم البدان الغربية الدور الحيوي في وضعه بحيث تمسي هذه القوانين بلا قيمة.

نظرة سريعة على سياق السردية الفلسطينية

احتلت الصهيونية كحركة استيطان استعمارية الجزء الأكبر من فلسطين في عام 1948 من خلال ارتكاب مجازر ومذابح فظيعة ضد الفلسطينيين، مسببةً تهجيرا كاملًا (النكبة). اجتثت أكثر من 750 ألف فلسطيني ودمرت أكثر من 450 قرية وكانت إسرائيل مدعومة كليا من البلدان النيو- كولونيالية التي غذتها وقوتها. أصبح الفلسطينيون المقتلعون لاجئين في البلدان العربية المجاورة، اقتلعت مع عائلتي في طفولتي إلى لبنان، حيث عشنا الأيام المرة للتهجير! رفضت إسرائيل عودة أي لاجئ على الرغم من قرار الأمم المتحدة رقم 194 المتكرر. النكبة تستمر، فيما مخيمات اللجوء في الضفة الغربية المحتلة تتعرض للاجتياح يوميا في الأراضي المحتلة ومعظم اللاجئين في المنفى يعيشون في ظروف صعبة أليمة. تعرف القوى الغربية أن 70% من الغزيين هم لاجئون مع ذلك تدعم محاولات إسرائيل تفكيك الأونروا، التي تأسست عام 1949، لدعم اللاجئين لحين عودتهم إلى وطنهم.

آلة القمع الإسرائيلية في مواجهة النضال التحرري

هدف إسرائيل إجهاض أي مقاومة فلسطينية، ووفقا لذلك قررت إنهاء الثورة الفلسطينية التي انطلقت عام (1967)، وهي ثورة احتضنت بدفء من قبل ملايين الفلسطينيين والعرب وكثير من شعوب العالم، ولهذا الهدف تعاونت إسرائيل مع قوى عربية رجعية، وبشكل أساسي الأردن ولبنان. عندما فشل ذلك على الرغم من فظاعات رهيبة، اجتاحت إسرائيل لبنان (1982) لتصفية مقاتلي الحرية الفلسطينيين (فتح وفصائل مقاومة أخرى في منظمة التحرير الفلسطينية)، الذين تسميهم إسرائيل «إرهابيين». دمرت قرى لبنانية تدميرا كبيرا، ومسحت مخيمات اللجوء الفلسطينية بالكامل. التاريخ يعيد نفسه اليوم في غزة بسردية مشابهة. رغم البطولة المميزة خلال حصار إسرائيل لبيروت، حصلت تنازلات بسبب الخوف من تدمير المدينة. لم تحترم الولايات المتحدة ضماناتها، وسمحت بقتل الاف المدنيين في مجزرة صبرا وشاتيلا، التي دعمها بشكل كامل الجيش الإسرائيلي بقيادة أرييل شارون، المعروف «بجزار بيروت». كنت هناك وعشت كمشاركة نشيطة أيام البطولة والمجازر.

انتفاضتان وسلام مخادع… النكبة تستمر

فاجأ الفلسطينيون أعداءهم والعالم باندلاع انتفاضة كبيرة (انتفاضة-1987) في الأراضي الفلسطينية المحتلة. سميت «انتفاضة الحجارة»، كونها كانت مبنية على مشاركة الشباب والمقاومة السلمية. اعتقد الفلسطينيون أنها فرصة كبيرة لحل سلمي وعادل للقضية الفلسطينية. اتفاقيات أوسلو (1993) بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي ضمنتها الولايات المتحدة، اشتملت على تأسيس دولة فلسطينية بحلول عام 2000، أوقفتها إسرائيل بشكل كامل واستعملتها لتعزيز مستوطناتها واحتلالها. معظم الشعب الفلسطيني ومنظماته عارضوا أوسلو، قائلين إنها لا تضمن الحقوق الوطنية المطلقة والثابتة للفلسطينيين. الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000) كانت رد فعل على فشل أوسلو والاحتلال الإسرائيلي المستمر، رد إسرائيل كان دمويا ومدمرا، الاحتلال الإسرائيلي يتسارع وأي حل عادل يختفي!
منذ عام 2008، شنت إسرائيل خمسة اعتداءات دموية ضد غزة، فارضةً حصارا كاملا ومستمرا. في عام 2006 ربحت حماس الانتخابات المراقبة دوليا في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة. حماس ومنظمات مقاومة أخرى كانت نتيجة طبيعية للنكبة المستمرة، لذلك يجب أن تعرف القوى الغربية وإسرائيل أنه لا يمكن هزمها بالقوة. الطريقة الوحيدة لإنهاء المقاومة هي إنهاء الاحتلال، إنما هذا لم يوضع على الطاولة أبدا كأفضل خيار. يتم تصوير إسرائيل وحماس كقوى متساوية لتبرير الإبادة، إسرائيل هي القوة العسكرية الرابعة الأقوى في العالم، ولديها أسلحة متطورة تمتحنها بلا خجل على الفلسطينيين. حماس وفصائل أخرى تمثل مقاتلي حرية بحرب العصابات، ليس لديهم طائرات، ولا قذائف، وصواريخهم بدائية ومحدودة التأثير.

فلتكن حكاية

اليوم تتظاهر الشعوب حول العالم، بما في ذلك آلاف اليهود المعادين للصهيونية، وهم شهود على الواقع، يقولون «فلسطين تحررنا»! أصبحت الصهيونية بلا قناع. الناس ترى حقيقتها الاستعمارية والعنصرية. يجب تفكيك الصهيونية، كما حصل بنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا. المستقبل هو لدولة فلسطينية ديمقراطية حرة حيث يكون المسلمون والمسيحيون واليهود مواطنين متساوين، «من النهر الى البحر»! تبعا لذلك، هل سترافق وسائل الإعلام الحرة وذات المصداقية هذا التحول وتغير الاتجاه لتحتضن سرديتنا؟ هل ان السردية الفلسطينية ستجد الأمان أخيرا؟
كاتبة فلسطينية

نشرت المقالة بالانكليزية في : The Palestine Chronicle

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية