بعد شهر من انطلاق المظاهرات ضد النظام السوري: ما هي السيناريوهات المتوقعة؟

منهل باريش
حجم الخط
0

يرجح أن يبتعد النظام عن القضاء على احتجاج السويداء، كما أن استعمال القوة بشكل مباشر سيدفع الكثير من المترددين إلى الوقوف إلى جانب المحتجين الذين يشكل الشيخ الهجري عنوانهم.

وضع الشيخ الروحي للطائفة الدرزية حكمت الهجري في السويداء جنوبي سوريا، الحراك الاحتجاجي ضد النظام السوري في مكان متقدم، يكاد يقطع مع النظام بشكل شبه نهائي. حيث دعا إلى مواصلة المظاهرات والاحتجاجات الشعبية: «الساحات لنا وسنبقى فيها بشكل سلمي يوما.. يومين، شهرا.. شهرين، سنة.. سنتين، ولن نتراجع».
وفي سابقة، اعتبر أن إيران وميلشياتها هم «محتلون ولا نقبل بوجودهم في سوريا.. ورأينا في ذلك نعلنه على الملأ». واتهمها بأنها دخلت إلى سوريا بهدف «سرقة البلاد وثرواتها وتغيير عقول الناس باتجاه غير مقتنعين فيه» لافتا إلى أن «فكر هذه الميليشيات تخريبي» وشدد على ضرورة «الجهاد ضدها».
وحذر أبناء السويداء من الانجرار إلى السلاح لأن النظام السوري يحيك مؤامرة ضد السويداء تضع الدروز في موضع الاتهام. واستدرك أن «سلاحنا مُنظف وجاهز والطلقة في بيت النار ضد من أراد التعدي علينا» مؤكداً أن الطلقة الأولى لن تصدر من أهل السويداء.
حول إطلاق النار من عناصر أمنيين وبعثيين متمركزين في مبنى فرع الحزب قال الشيخ: «غير متفاجئ مما حصل. أعرف أن أي سوء سيصيبنا سيكون بسبب هؤلاء الحزبيين الساقطين» وأضاف: «هناك مؤسستان لدى النظام السوري، هما مصدر البلاء في هذا البلد، المؤسسة الأمنية، والمؤسسة الحزبية».
وفي بيان مكتوب للشيخ الهجري، تلاه أحد مساعديه الشيخ الهجر خلال استقبال وفد المحتجين، وصف «كل شخص لا يقف مع أهله في هذه الإرادة الشعبية التي هي عنوان للكرامة هو خائن لوطنه» وتبرأ اجتماعيا ودينيا من شخص «يساند هذا الحزب البائد (حزب البعث العربي الاشتراكي) فهو خارج من القيم والأصول الدينية التي تربينا عليها».
وطالب البيان أعضاء مجلس محافظة السويداء بـ «التزام منازلهم، أو الاصطفاف مع المحتجين» وزاد «أنتم معينون من قبل هذا الحزب البائد (البعث) ولستم منتخبين من قبل الشعب، الزموا الصمت إن كنتم غير قادرين على النطق بالحق». وناشد عائلات السويداء أن تعمل على «توعية أبنائها على اختلاف توجهاتهم، والحذر من الفتنة التي يسعى إليها النظام وأعوانه».
جاء كلام الزعيم الروحي خلال لقائه وفدا شعبيا ضم الجرحى الذين أصيبوا بحادثة إطلاق نار من قبل عناصر أمنية يتمركزون أعلى سطح مبنى فرع حزب البعث في مدينة السويداء، وهو المبنى الذي أغلقه المحتجون قبل نحو عشرين يوما، لكن عناصر الأمن تسللت إليه في محاولة لإعادة فتحه مرة أخرى، ومنع المحتجون إعادة فتحه والدخول إليه.
ورغم توثيق حادثة إطلاق النار وبث شرائط مصورة لها وتصوير وجوه مطلقي النار، لم يجر التعرف عليهم بعد مضي عدة أيام من الحادثة وحتى لحظة كتابة التقرير (يوم الجمعة) وهو ما يؤكد أنهم يتبعون للقوى الأمنية وليسوا من أبناء السويداء أو من حرس المبنى من البعثيين المحليين. وتعتبر حادثة إطلاق النار على المتظاهرين هي الأولى منذ انطلاق الاحتجاجات المناهضة للنظام التي انطلقت في 16 آب (أغسطس) الماضي.

مصير الحراك ومستقبله

قال الباحث والناشط السياسي مضر الدبس إن المستقبل مفتوح على كل الاحتمالات ولم يستبعد في اتصال مع «القدس العربي» افتعال النظام نوعا من «الاقتتال الداخلي وهذا ممكن ان لم يتم تداركه من الحراك والطرف الآخر الموالي للنظام». ونوه إلى وجود طرفين مسلحين الآن في السويداء هما «الجهة التي يمثلها الشيخ الهجري وهي المجموعات المسلحة التي أعلنت ولاءها له، والجهة الأخرى هي التي يمثلها الشيخ الجربوع وهي بقايا ميليشيا الدفاع الوطني والموالين للنظام وبعض العسكريين غير مضموني الموقف والمحسوبين على النظام».
وقَدّر تراجع احتمالات الاقتتال لسببين «إدراك الحراك في ساحة الكرامة لتلك المسألة وخسارة الجربوع لرصيده الأخلاقي والاجتماعي والسياسي منذ بدء الاحتجاجات». وتوقع «عمل النظام على سردية وصم الحراك بالعمالة والارتباط مع إسرائيل».
وقلل من احتمالية العمل العسكري لما للأمر من تبعات إقليمية تتعلق بوجود الأردن وإسرائيل على الجانب الآخر من الحدود، وخفف من فرضية فتح معبر حدودي بين السويداء والأردن ووصفه انه «فكرة قديمة لكنها غير متاحة أو ممكنة». ولفت إلى أن «الأردن يعيد حسابات التطبيع مع النظام بشكل حقيقي، فعمل عسكري سيكون بدعم ومشاركة من إيران وحزب الله وهذا مقلق وخطير بالنسبة للأردن». ورأى الدبس ان الحراك «أعاد السويداء إلى سوريا بالمعنى السياسي».
وفي الاحتمالات أيضا، أطر الباحث السوري مازن عزي مستقبل الحراك بأربعة سيناريوهات. أولها «أن يحافظ النظام على تواجده الأمني من خلال الأفرع والمربعات الأمنية ويتراجع قليلا بمسألة السيطرة والإدارة المباشرة، ويترك للمحتجين تشكيل شكل ما من إدارة ذاتية». ورجح أن تكون «الفوضى الأمنية وخلق المشاكل والقلاقل ضمن المنطقة والدفع باتجاه الانقسام الأهلي» هي السيناريو الآخر.
وتوقع في حديث لـ «القدس العربي» أن يكون «تآكل الحراك مع الوقت وعدم قدرته على تجديد نفسه « احتمالا قائماً.
لكنه رجح أن «ينجح الحراك بإنتاج قيادة محلية بدعم من مشيخة العقل تقوم بإدارة مرحلة انتقالية اسعافية في السويداء تنادي بالحل السوري سياسيا وتطبيق القرار الدولي 2254».
واستبعد حدوث مواجهة عسكرية مباشرة، فلم نرصد ولم يجر تحشيد عسكري لقوات النظام وانتشار قواته وإعادة تموضعه «ما زال دفاعيا في المنطقة الجنوبية» وقلل من فرضية الطلب من الفرقة 25 -مهام خاصة (قوات النمر) التي يقودها اللواء سهيل الحسن، رفع جاهزيتها لزجها بمعركة في السويداء.
وتشير تقديرات أمنية متناقلة، أن الفرقة التي يقودها الحسن قادرة على حشد 18 في المئة من مقاتليها فقط بسبب انتشارها في عدة محاور قتالية وفي أحسن الأحوال يمكنها الاستغناء عن 6 في المئة فقط من قواتها وهذه غير قادرة على إحداث فرق ميداني.
واعتبر عزي أن قوات النظام تعاني من ترهل وأولوياتها ليست «ضرب انتفاضة شعبية في السويداء، فهي لا تضر بطرقه الحيوية وموارده الاقتصادية» وأضاف أن النظام «قادر على التعايش معها، حصل ذلك مع قسد شرق الفرات ويتعايش مع الوضع في إدلب».
يرجح أن يبتعد النظام عن القضاء على احتجاج السويداء عسكريا، فهو يملك الكثير من أوراق القوى هناك، ويمكنه الاستثمار بها، سواء الخلايا الأمنية أو الجماعات الدينية أو القوى العسكرية، كما أن استعمال القوة بشكل مباشر سيدفع الكثير من المترددين إلى الوقوف إلى جانب المحتجين الذين بدأ الشيخ حكمت الهجري يشكل عنوانهم الأهم. ويسعى النظام إلى الحفاظ على الوضع الراهن هناك. فهو لم يتخذ أي إجراء عقابي ضد المحافظة المحتجة ضده، فحافظ على مستوى الخدمات ذاته، على العكس فقد تحسن واقع امداد المحافظة بالكهرباء بشكل نسبي قليلا.
ولا يقتصر سوء الأحوال المعاشية والخدمية على السوريين في محافظة السويداء وحدها، فالحال واحد في عموم مناطق سيطرة النظام بما فيها اللاذقية مسقط رأس بشار الأسد. فهو لا يملك أي شيء يقدمه لمواطنيه، فالخزينة فارغة وما تبقى من الموارد يسرقها القادة الأمنيين والعسكريين وقادة الميليشيات التي تسانده.
في نهاية المطاف، يراهن النظام على الفوضى الأمنية وتفسخ المناطق الخارجة عن سيطرته ويسهل الاقتتال الأهلي بين معارضيه عودة سيطرته على المناطق التي يفقد حكمها والسويداء رغم أنها استثناء في عدة مواقع لكن لا يمكن استبعادها من الحالة السورية الكبرى.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية