ناحوم برنياع
“مأساة”، يقول رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان، مأساة لا مثيل لها، يبكون مع العائلات ويعانقون مطلقي النار. سأحاول الخروج قليلاً عن الإجماع المعانق. في نظري، ما حصل الجمعة في حي الشجاعية لا يتلخص في كلمة مأساة. زميلنا رون بن يشاي كتب أمس في “Ynet”: “هذه ليست مأساة – هذه مهزلة”. وأسمح لنفسي بأن أعدل كلمة واحدة: ليست مأساة – بل جريمة. وكما ثبت التحقيق العسكري الإسرائيلي، كان هنا خرق مواظب لأوامر الجيش. كما كانت هنا جريمة حرب أيضاً: القانون الدولي واضح جداً في هذا الموضوع.
تقع حالات خلل في الحرب. والجرائم تقع. لم أكن في الشجاعية أول أمس، بل في أماكن أخرى كهذه، مشحونة بقدر لا يقل. أعتقد أني أعرف كيف ألاحظ بين الخلل والإهمال الإجرامي، وبين الخطأ والتسيب. ما وقع أول أمس في الشجاعية لم يكن خللاً.
ثلاثة مواطنين إسرائيليين تركهم آسروهم يخرجون إلى الشارع. يفهمون بأن حياتهم في خطر: للقوتين العسكريتين اللتين تحيطان بهم أصابع رشيقة على الزناد، كانوا خالعين قمصانهم ورافعين عصا تعلوها خرقة بيضاء، رافعين الأيادي. على الرغم من ذلك، مقاتل مسلح بناظور خاص يراهم جيداً، من فوق، من مسافة بضع عشرات الأمتار، يطلق النار عليهم كي يقتلهم. ثم يتبعهم جنود آخرون بالنار. حسب إحدى الروايات، ضابط هتف: “أوقفوا النار”. مطلقو النار لم يطيعوه. ينجح أحد المخطوفين الثلاثة في النجاة. يخرج، وعندها، وبأمر من ضابط كبير، يطلقون النار عليه فيقتلوه. هذا يحصل ليس بقرار لحظة وليس في عصف المعركة؛ هذه مسيرة متدحرجة. هذه هي الحقائق التي تصدر عن تحقيق الجيش الإسرائيلي. يتباهى الجيش أنه كشف تفاصيل التحقيق للجمهور، بخلاف الماضي. بالفعل، الجيش يستحق الثناء على هذا، لكن النشر ليس هو الأساس. أكدنا التعليمات، يضيف الجيش. ما معنى هذا بالضبط: “أكدنا” كلمة سمعناها مئات وآلاف المرات، عقب كل إخفاق لجسم سلطوي. يجب أن يكون التأكيد قبل الحدث وليس بعده.
مع كل الاحترام، هذا لا يكفي.
كتيبة 17، الكتيبة التي أطلقت النار تنتمي إلى لواء مدرسة القتال، مدرسة قادة الحظائر. السبت، بعد 24 ساعة من الحدث، نتوقع بياناً يقول إنهم سيتخذون إجراءات ضد قائد الكتيبة والضباط والجنود الذين المشاركين في قتل الثلاثة. لا شيء من هذا. ضابط كبير لم يعرف عن نفسه بالاسم، وعد المراسلين بأن الجيش سيحرص على تقديم المساعدة النفسية لمطلقي النار. هم يعيشون في صدمة ويجب معالجتها. الكتيبة ستواصل القتال، أضاف بفخار. الجيش الذي أبعد جنوداً سيطروا على مكبر صوت داخل مسجد، لن يمس جنوداً قتلوا ثلاثة من مخطوفينا. ما هذا التوازن؟
أصدر رئيس الأركان بياناً عقب الحدث. كما درج، فقد تحمل المسؤولية وكذا غالنت. في هذه الحالة، ليس لمسؤوليتهما معنى. لا أحد منهما يتوقع أن يتحمل المسؤولية عن كل حادثة إطلاق نار في الجيش الإسرائيلي. اعترف في بيانه عن خرق الأوامر، لكنه لم يتحفظ ولو بكلمة إزاء خارقي الأوامر. كان هذا في زمن القتال، قال رئيس الأركان وأخطأ.
نحن في حرب الآن، وقلوبنا مع المقاتلين، لكن لا منفعة من حب أعمى. وصف أفعالهم ذليل: عندما ينجحون يصبحون أبطالاً عظماء؛ وحين يفشلون هم كالأطفال. حتى لو أن ما يريد معظم الإسرائيليين أن يشعروا به الآن، فثمة مسؤولية لرئيس الأركان وللجيش تخرج عن المزاج العام. لا يمكن أن يتصرف الجيش مثلما تتصرف مجموعة معالجين. هناك أوامر وانضباط وإجراءات.
ثمة من يربط الحدث في الشجاعية والحدث في القدس. الخيط الذي يربط بينهما هو تجاهل ما تراه العيون، والاستخفاف بحياة الإنسان. ثمة من يربط الحدث بانعدام حذر الجيش في كل ما يتعلق بحياة المخطوفين. لست واثقاً بوجود رابط. لكن لا يحتمل أن يمر موت ثلاثة مواطنين أبرياء في صباح يوم صاف في ظروف لا جدال فيها، كما مر هكذا، بلا شيء، مثلما قال نتنياهو “هذه هي الحياة”. ليست هذه هي الحياة.
يديعوت أحرونوت 17/12/2023