دبي – دمشق – «القدس العربي»: وصل رئيس النظام السوري بشار الأسد، الأحد، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تقود رأس الحربة في دعم وحشد التأييد لاسترجاع دمشق إلى الدائرة العربية، وذلك في إطار مقاربة “لتطبيق الحل السياسي المتعثر في سوريا”، وذلك بعد عودته من العاصمة الروسية موسكو، وفي ثاني زيارة يجريها إلى الخليج العربي منذ الزلزال الذي وقع مطلع فبراير /شباط الماضي.
وقالت وكالة “وام” الإماراتية إن رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، كان في مقدمة مستقبلي بشار الأسد لدى وصوله مطار الرئاسة في أبوظبي، مشيرة إلى أن “طائرات حربية رافقت طائرته لدى دخولها أجواء دولة الإمارات ترحيباً به”. ويضم الوفد المرافق لبشار الأسد وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية سامر الخليل، ووزير شؤون رئاسة الجمهورية ومنصور عزام، ووزير الإعلام بطرس حلاق، معاون وزير الخارجية أيمن سوسان. وأكد الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لنظيره السوري الأحد ضرورة عودة دمشق “إلى محيطها العربي”، وذلك خلال زيارة الأسد التي جاءت وسط جهود لإصلاح علاقات بلاده مع دول المنطقة.
«عودة دمشق إلى الحض العربي»
وكان رأس النظام زار سلطنة عُمان الشهر الماضي. وهذان هما البلدان العربيان الوحيدان اللذان زارهما الأسد منذ اندلاع النزاع السوري في العام 2011. ورافقت الأسد في زيارته الثانية إلى الإمارات منذ العام الماضي زوجته أسماء في أول رحلة رسمية لهما معاً منذ أكثر من عقد. وكتب الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على تويتر “أجرينا مباحثات إيجابية وبناءة لدعم العلاقات الأخوية وتنميتها”.
وفي بيان نشرته وكالة الانباء الإماراتية الحكومية، قال الرئيس الإماراتي إنّ “غياب سوريا عن أشقائها قد طال وحان الوقت إلى عودتها إليهم وإلى محيطها العربي”. كما شدّد على “ضرورة بذل جميع الجهود المتاحة لتسهيل عودة اللاجئين السوريين بعزة وكرامة إلى بلدهم”، معرباً عن “دعم دولة الإمارات للحوار بين سوريا وتركيا لإحراز تقدم في ملف عودة اللاجئين”.
وقالت الرئاسة السورية في بيان إنّ المحادثات تناولت “التطورات الإيجابية الحاصلة في المنطقة وأهمية البناء على تلك التطورات لتحقيق الاستقرار لدولها”. كما تطرقت للتعاون الاقتصادي بين البلدين. واستقبلت رئيسة الاتحاد النسائي العام الشيخة فاطمة بنت مبارك، زوجة الرئيس الإماراتي الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أسماء الأسد لبحث تداعيات الزلزال. وكان الرئيس الإماراتي في مقدّمة مستقبلي الأسد وزوجته لدى وصولهما مطار الرئاسة في أبوظبي.
وقادت الإمارات التي أعادت علاقاتها مع حكومة الأسد في 2018، جهود الإغاثة في أعقاب زلزال 6 شباط/فبراير الذي ضرب جنوب شرقي تركيا وشمال سوريا، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف. ويقول محللون إن الزخم الدبلوماسي الذي تولّد في أعقاب الزلزال يمكن أن يعزز علاقات دمشق مع دول المنطقة التي قاومت حتى الآن إصلاح العلاقات بعد أكثر من عقد من الحرب.
وفي هذا السياق، كتب المستشار الدبلوماسي الرئاسي الإماراتي أنور قرقاش على تويتر أنّ “موقف الإمارات واضح بشأن ضرورة عودة سوريا إلى محيطها عبر تفعيل الدور العربي، وهذا ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد خلال استقباله اليوم الرئيس بشار الأسد”. وتابع “يكفي عقد ونيف من الحرب والعنف والدمار وحان الوقت لتعزيز تعاون وتعاضد دولنا العربية لضمان استقرار وازدهار المنطقة”.
وأكد قرقاش أنّ “نهج الإمارات وجهودها نحو سوريا الشقيقة جزء من رؤية أعمق ومقاربة أوسع هدفها تعزيز الاستقرار العربي والاقليمي و تجاوز سنوات صعبة من المواجهة، فقد اثبتت الأحداث المرتبطة بعقد الفوضى وتداعياتها أن عالمنا العربي أولى بالتصدي لقضاياه وأزماته بعيداً عن التدخلات الإقليمية والدولية”.
وتعهّدت الإمارات تقديم أكثر من 100 مليون دولار مساعدات لسوريا التي ضربها الزلزال. كما أرسلت فرق بحث وإنقاذ وآلاف الأطنان من مواد الإغاثة. وكان وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان الشهر الماضي أول مسؤول عربي كبير يزور سوريا منذ الزلزال.
وقال استاذ العلوم السياسية والخبير السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله إن أبوظبي “مقتنعة إلى جانب العديد من الدول العربية بأن الوقت قد حان للتصالح مع الأسد (…) ورؤية سوريا تعود إلى جامعة الدول العربية”.
وتابع أن “الإمارات تقود جهود المصالحة مع أعداء الماضي وتحويلهم الى أصدقاء الغد”. وتأتي زيارة الأسد للإمارات بعدما أعلنت إيران والسعودية هذا الشهر استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016، إثر مفاوضات استضافتها الصين، في خطوة قد تنطوي على تغييرات إقليمية دبلوماسية كبرى.
وتعدّ إيران والسعوديّة أبرز قوّتَين إقليميّتَين في الخليج، وهما على طرفَي نقيض في معظم الملفّات الإقليميّة، وأبرزها النزاع في اليمن، حيث تقود الرياض تحالفًا عسكريًا داعمًا للحكومة المعترف بها دوليًّا، وتَتّهم طهران بدعم الحوثيّين الذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد أبرزها صنعاء. وفي سوريا، تدعم إيران الأسد فيما دعمت السعودية جماعات معارضة له. وقال وزير الخارجية السعودي مؤخراً إن هناك توافقاً في الآراء في العالم العربي على ضرورة اتباع نهج جديد في التعامل مع دمشق لمواجهة الأزمات الإنسانية بما في ذلك الزلزال.
وجاءت الزيارة إلى الإمارات، بعد رحلة إلى سلطنة عمان الشهر الماضي، لكنها تعتبر الزيارة الرسمية الأولى التي ترافقه فيها زوجته أسماء منذ اندلاع الثورة السورية قبل 12 عاماً. وقالت رئاسة الجمهورية السورية إن بشار الأسد والشيخ محمد بن زايد آل نهيان عقدا جلسة مباحثات رسمية في قصر الوطن في العاصمة الإماراتية أبو ظبي بحضور الوفدين الرسميين. وتناولت المحادثات العلاقات الثنائية بين البلدين وكيفية تعزيزها كما تناولت المباحثات التطورات الإيجابية الحاصلة في المنطقة، وتطرقت المحادثات للتعاون الاقتصادي بين البلدين. كما شدد بن زايد على أهمية عودة سوريا لمحيطها العربي وبناء الجسور وتمتين العلاقات بين كل الدول العربية. واستقبلت الشيخة فاطمة بنت مبارك، أسماء الأسد والوفد المرافق لها في “قصر البحر” مقر إقامتها في العاصمة أبو ظبي. وتناول اللقاء الجوانب المتعددة للتعاون في العمل الإنساني والتنمية الاجتماعية والتمكين متعدد الجوانب، وإمكانية تعميق المبادرات المشتركة بين الجهات المختلفة غير الحكومية بين البلدين الشقيقين خاصة بعد الزلزال الذي ضرب سوريا.
ملامح مقاربة جديدة
وتأتي هذه الزيارة في وقت تتكشف فيه ملامح مقاربة عربية للحل السياسي في سوريا، وفق تسريبات متقاطعة. وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد قد صرح لوسائل إعلام روسية، بأن بعض الأطراف العربية عرضت عليه أفكاراً للحل في سوريا، لكنها لم تنتقل بعد إلى مستوى المبادرات المحددة. وأرسل كل من الأردن ومصر في الأسابيع الأخيرة، وزيري الخارجية إلى دمشق في أول زيارة دبلوماسية لهما منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، بينما تضع الإمارات إعادة الأسد إلى جامعة الدول العربية أولوية، كما استضاف رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بشار الأسد في أبو ظبي العام الماضي.
ويرى مسؤولون أوروبيون وعرب، نقلت عنهم صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن إعادة الاندماج المحتملة للنظام السوري في المنطقة العربية وإعادة بنائه، ستكون بلا شك على جدول أعمال القمة العربية المقبلة في السعودية، مؤكدة أن الدول العربية التي قاطعت الرئيس السوري، بشار الأسد، تعرض عليه حالياً اتفاقاً من شأنه أن يعيد العلاقات بين دمشق وجزء كبير من الشرق الأوسط مع كبح نفوذ إيران.