إسطنبول – «القدس العربي»: تقدر الأوساط السياسية والعسكرية في أنقرة أن بلادهم نجحت أخيراً وعقب سنوات طويلة من الجهود السياسية والعسكرية من تدمير مشروع إقامة دولة كردية انفصالية أو ما يطلق عليه «الكانتون الانفصالي» على طول الحدود السورية مع تركيا، مستبعدين قدرة الوحدات الكردية على إعادة تجميع قواتها وإحياء مشروع الدولة الكبرى خلال العقود القليلة المقبلة.
ونجحت ثلاث عمليات عسكرية تركية متتالية أطلق عليها تباعاً «درع الفرات» و»غصن الزيتون» و»نبع السلام» في تقطيع أوصال المناطق التي سيطرة عليها الوحدات الكردية على طول الشريط الحدودي غربي وشرقي نهر الفرات، ولاحقاً كبر اتفاقين لسحب الوحدات الكردية المتبقية على الشريط الحدودي جرى توقيعهما مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا خلال الأيام القليلة الماضية.
التمدد والتوسع وصولاً للبحر المتوسط
مع بداية الازمة السورية قبيل نحو ثمان سنوات بدأت الوحدات الكردية التي كانت تتواجد بدرجة أساسية في أقصى شمال شرق سوريا بتجميع صفوفها ورفع قدراتها العسكرية والقتالية، وتمكنت من السيطرة على مناطق محدودة عقب طرد قوات النظام السوري من تلك المناطق في إطار «الثورة السورية» ضد النظام.
ولاحقاً تمكنت الوحدات الكردية من زيادة قدراتها العسكرية، وصولاً لمرحلة الحرب على تنظيم الدولة الذي بدأ يتمدد في تلك الفترة في مناطق شمالي سوريا، حيث نجحت الوحدات الكردية في محاربة التنظيم في العديد من المناطق وكانت تفرض سيطرتها على أي منطقة تنجح فيها بطرد تنظيم الدولة منها.
«درع الفرات» و«إدلب» و«غصن الزيتون» و«نبع السلام»
لكن التحول الأكبر كان بحصول هذه الوحدات على دعم عسكري أمريكي مباشر من أجل توسيع الحرب على تنظيم الدولة، حيث اتخذت واشنطن والتحالف الدولي من الوحدات الكردية حليفاً أساسياً لتصدر الحرب على تنظيم الدولة، وبحسب تركيا فإن واشنطن قدمت آلاف الشاحنات وطائرات الشحن المحملة بكافة أنواع الأسلحة إلى الوحدات الكردية.
وإلى جانب المناطق الواسعة التي جرى السيطرة عليها في الداخل السوري في الرقة ودير الزور والحسكة، توسعت الوحدات الكردية على الحدود مع سورياً بدئاَ من أقصى الشرق مروراً بمناطق القامشلي والدرباسية ورأس العين وتل أبيض وعين العرب كوباني، وانتقلت إلى غربي نهر الفرات نحو منبج ووصلت إلى عفرين، وكانت تخطط للسيطرة على إدلب في محطة أخيرة قبيل الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، وهي الخطوة التي توقعت تركيا أنها الأخيرة قبيل إعلان قيام دولة انفصالية من أقصى شمال شرق سوريا إلى البحر المتوسط.
درع الفرات
بينما كانت الوحدات الكردية تتوسع تحت شعار الحرب على تنظيم الدولة، قدمت تركيا نفسها مراراً للولايات المتحدة من أجل التعاون معها في الحرب على التنظيم وإنهاء التحالف والاعتماد الأمريكي على الوحدات الكردية، لكن واشنطن رفضت، ولأول مرة قررت تركيا التحرك عسكرياً في سوريا.
ففي الرابع والعشرين من آب/أغسطس عام 2016 بدأت تركيا عملية عسكرية تحت اسم «درع الفرات» استهدفت تنظيم داعش في عدة مناطق بريق حلب غربي نهر الفرات، وذلك بهدف الحرب على التنظيم الذي صعد هجماته في الأراضي التركية، وبهدف قطع الطريق على الوحدات الكردية التي كانت تهدف للقيام بهذه العملية لتوسيع نفوذها غربي نهر الفرات.
وفي عملية عسكرية صعبة فقد فيها الجيش التركي العشرات من جنوده تمكن من السيطرة على مناطق مهمة مثل الباب وجرابلس وأعزاز ودابق وغيرها من المناطق التي يسيطر عليها حتى الآن واعتبرت بمثابة أو ضربة تركية لمشروع الدولة الكردية الممتدة على طول الحدود السورية مع تركيا.
مواقع عسكرية بإدلب
حاولت الوحدات الكردية التعاون مع النظام السوري للقيام بعملية عسكرية واسعة ضد جبهة النصرة في محافظة إدلب وذلك في محاولة جديدة للسيطرة على المنطقة والاقتراب أكثر من البحر، لكن تركيا تدخلت بقوة من أجل قطع الطريق عليها وذلك بتوقيع اتفاق أستانة مع روسيا ونشر نقاط مراقبة عسكرية تركية في حدود المحافظة.
وعلى الرغم من أن اتفاق أستانة ومناطق خفض التصعيد كان متعلق بالأزمة السورية بشكل عام ومحاولة لوقف هجمات النظام، إلا أن الخطر الكردي كان ضمن الحسابات التركية بقوة، وساهمت 12 نقطة مراقبة للجيش التركي في ضمان منع الوحدات الكردية من السيطرة على المحافظة.
غصن الزيتون
في العشرين من يناير/كانون الثاني عام 2018 قررت تركيا القيام بخطوة جديدة في سوريا، وبدأت عملية عسكرية واسعة في منطقة عفرين غربي نهر الفرات شمالي سوريا، وتمكن الجيش التركي بعد قرابة 50 يوماً من المعارك من السيطرة على المنطقة.
وفي تلك العملية التي فقد فيها الجيش التركي العشرات من جنوده وفصائل المعارضة السورية المئات من عناصرها أكد أردوغان أن بلاده نجحت في توجيه ضربة جديدة لمشروع «الممر الإرهابي» واعداً بعمليات أخرى للقضاء عليه على كامل الحدود.
نبع السلام
وفي الإطار ذاته، وبعد سنوات من التهديد باجتياح شرقي نهر الفرات وطرد الوحدات الكردية من كامل الشريط الحدودي، أطلق الجيش التركي في التاسع من الشهر الجاري عملية عسكرية واسعة تمكن خلالها من السيطرة على منطقة بطول 120 كيلومتر وبعمق 32 كيلومتر في منتصف الشريط الحدودي شرقي الفرات.
وبهذه العملية نجحت تركيا في توجيه ضربة جديدة للمر الكردي على طول الحدودي وفصلت بين مناطق سيطرة الوحدات الكردية في عين العرب/كوباني ومناطق سيطرتها شرقاً في القامشلي والحسكة، وباتت مناطق السيطرة الكردية على الحدود متقطعة وأضعف من السابق بكثير.
الاتفاقيات مع أمريكا وروسيا
وبالتزامن مع ذلك، نجحت أنقرة في التوقيع على اتفاق مع أمريكا يقضي بتجميد عملية نبع السلام مقابل تعهد أمريكي بسحب الوحدات الكردية من المنطقة الواقعة ما بين تل أبيض ورأس العين بعمق 32 كيلومتر بشكل سلمي وبدون معارك، وما أعلنت واشنطن تنفيذه بشكل كامل، وأكدته أنقرة رغم حديثها عن وجود قصور في التنفيذ الكامل للاتفاق.
ولتنفيذ تعهده السابق بطرد الوحدات الكردية وإقامة منطقة آمنة على طول الشريط الحدودي من شرقي نهر الفرات وحتى الحدود مع العراق بطول 444 كيلومتر وعمق 32 كيلومتر، توجه أردوغان لعقد اتفاق جديد مع روسيا التي بات لكها الكلمة العليا في مناطق سيطرة الوحدات الكردية التي وقعت اتفاقاً مع دمشق برعاية موسكو بعد تخلي واشنطن عنها.
والثلاثاء، أعلن أردوغان وبوتين عن اتفاق جديد تتعهد روسيا بموجبه بطرد الوحدات الكردية من كافة مناطق الشريط الحدود لعمق 30 كيلومتر وتسيير دوريات عسكرية روسية تركية مشتركة بعمق 10 كيلومتر وسحب الوحدات الكردية من منبج وتل رفعت أيضاً، وهو ما يلبي الشروط التركية ويبدد مخاوفها بشأن الدولة الانفصالية.
والثلاثاء، قال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون إن «مشروع الدويلة الإرهابية بشمال شرق سوريا أصبح جزءاً من الماضي، بعد الاتفاق التركي الروسي»، مضيفاً: «حققنا نجاحاً دبلوماسياً تاريخياً بفضل القيادة القوية لرئيسنا رجب طيب أردوغان»، وهو ما أكده أردوغان نفسه الذي بات يتحدث عن نجاحه في «تدمير الممر الإرهابي» بعد أن كانت هذه العبارة مقرونه بالتهديد طوال السنوات الماضية.