بلاغ للنائب العام من 151شخصية بينهم وزير سابق ضد تامر أمين بتهمة التنمر والسب والقذف

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة «القدس العربي»: على مدار يومي السبت والأحد 20 و21 فبراير/شباط لم يكن أمام معظم كتّاب الصحف من مهمة سوى الهجوم على تامر أمين، رغم كونه من أبرز إعلاميي السلطة. أما الهدف الثاني للصحف فتمثل في محاولة تحرير رقبة عمرو أديب درة إعلاميي النظام، الذي يتعرض لهجوم طاغٍ من قبل خصوم السلطة، وهو الأمر الذي أسفر عن حرج بالغ للحكومة، غير أن السؤال الذي يبدو وجيها لماذا تركت الدولة تامر ليكون مستباحاً لعموم الكتّاب والصحف، بينما وضعت سياجاً حول أديب لصد أي هجوم يتعرض له؟
تشير التقارير إلى أن الغضب الضاري في الصعيد والدلتا ضد المذيع الذي سخر من الفلاحين والصعايدة، متهماً إياهم بتصدير الخادمات للعاصمة والإسكندرية، أصاب السلطة ودوائر الحكم العليا بضرر فادح.. لم تكن دوائر الحكم، تتوقع أن تأتي الرصاصة التي اشعلت غضب الصعايدة من أحد أذرعها الإعلامية، اما بالنسبة لعمرو أديب فهو الأكثر تأثيراً، بحسب تقارير السلطة، كما أنه المقرب لعقلها، فضلاً عن أنه لم يرتكب أي أخطاء تثير ضده غضب الدولة ورموزها، لذا عزفت صحف يومي السبت والأحد لحناً موحداً للدفاع عنه، فيما تشير التقارير إلى أنه ما زال أسير سرير طبي حيث يعاني آلاماً مبرحة، وفقاً للمقربين منه بسبب الحادث الذي تعرض له الأسبوع الماضي. وأمس الأحد أصدر مجلس نقابة الإعلاميين قراراً بإلغاء تصريح مزاولة المهنة الصادر للإعلامي تامر أمين لمخالفته ميثاق الشرف الإعلامي، ومدونة السلوك المهني. وتتمتع النقابة بالاستقلال في مباشرة أعمالها لتحقيق الأهداف المنوطة بها. ولا تجوز مزاولة النشاط الإعلامي إلا لإعلامي، أو لمن حصل على تصريح مؤقت بذلك، وفقًا لأحكام القانون. وقال الدكتور طارق سعدة نقيب الإعلاميين، إن تامر أمين مثل للتحقيق أمام النقابة، وأقر بجميع المخالفات التي اتهم بارتكابها، مضيفًا أنه اعتذر عن تصريحاته بشأن أهالي وفتيات الصعيد. وأضاف سعدة في تصريحات خاصة لـ”مصراوي”، أن أمين قال إن التعبير خانه بشأن التصريحات التي أثارت الرأي العام. وكشف سعدة أن قرار إلغاء تصريح مزاولة المهنة لأمين الذي صدر عن النقابة، هو الأول من نوعه الذي تصدره النقابة. واستدرك سعدة أن إلغاء تصريح مزاولة المهنة الخاص بتامر أمين هو إلغاء ممتد.
ومن تقارير الصحف: قالت الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان، إن هناك شحنة كبيرة مقبلة لمصر محملة باللقاحات خلال ساعات، وسيتم الإعلان عنها خصوصا أنها هدية قيمة جدا وسيتم الإعلان عنها وعن تفاصيلها. وأضافت زايد، خلال مؤتمر صحافي للوقوف على مستجدات أوضاع فيروس كورونا، أن مصر ستتسلم خلال هذا الشهر 8.6 مليون جرعة من استرازينيكا، من أصل 40 مليون جرعة على مدار 2021.
محنته تتفاقم

تقدم محمد كمال المحامي، وكيلا عن 151 من بينهم وزير سابق، ببلاغ للنائب العام المستشار حمادة الصاوي طالب فيه بالتحقيق مع الإعلامي تامر أمين، واتخاذ اللازم قانونا، لارتكابه جريمة التنمر والسب والقذف عبر القنوات الفضائية في حق الصعايدة. ووفقاً لعبده الجهيني في “فيتو” ذكر البلاغ أن المشكو في حقه قام بإثارة الفتن وتعكير الصفو العام من خلال هجومه غير المبرر على الصعايدة، واتهامهم بأنهم سبب في الزيادة السكانية. وأوضح البلاغ أن ما قام به تامر أمين، جريمة في حق الصعايدة الذين قامت على أيديهم النهضة، وبسواعدهم شيدت المباني واشتغلت المصانع. وتابع البلاغ أن ما ذكره المشكو في حقه في حق الطبقة البسيطة التي تمثل ركنا من أركان المجتمع يقوم عليها كامل بنيان المجتمع، إذا ما اختلت ينهار المجتمع ويفقد توازنه. وأشار البلاغ إلى أن ما تحدث به يعد تنمرا على ظروف أبناء الطبقة البسيطة الكادحة، لا يقبل جميع أطياف المجتمع، كما أن القانون نص بأنه لا يجوز لأي شخص أن يتعرض للحياة الخاصة للمواطنين.

ممارسات خطيرة

يثور في مصر جدل ساخن الآن على خلفية بعض الممارسات الإعلامية الحادة، التي بدأت تأخذ منحى خطيراً، في ظل تزايد تأثيرها في الرأي العام المضطرب والمتوتر في الأساس. وحسبما يرى ياسر عبد العزيز في “المصري اليوم”، يقف وراء معظم تلك الممارسات الحادة مذيعون ومذيعات من النجوم الأكثر شهرة وانتشاراً وتمتعاً بالدخول الكبيرة، ويبدو أن ثمة علاقة طردية بين الممارسة الحادة من جانب، والرواج و«النجاح» من جانب آخر؛ وهو الأمر الذي ينذر بكثير من المخاطر على صناعة الإعلام والرأي العام في آن. لا يوجد مجتمع لا يعاني من ممارسات إعلامية حادة، يرتكبها بعض النجوم تحديداً، حيث تحدث تلك الممارسات في معظم الدول، سواء كانت متقدمة أو نامية. سيمكننا استخلاص العبر من بعض الوقائع التي حدثت في نظم إعلامية مختلفة في ما يخص تجاوزات الإعلاميين تحديداً، كما سيكون من المهم جدا معرفة كيفية تصرف وسائل الإعلام والمجتمعات التي ينتمون إليها، معهم في حال وقوعهم في الخطأ. تشير وقائع عديدة تجسد أخطاء ارتكبها إعلاميون وإعلاميات في بيئات إعلامية مختلفة إلى جملة من الحقائق؛ أولاها أن المذيعين، مهما كانوا نجوماً، يرتكبون الأخطاء في معظم دول العالم، وفى أفضل النظم الإعلامية، وثانيتها أن معظم تلك الأخطاء ينطلق من خلط الإعلامي بين الرأي والخبر، أو بين موقفه وما يجب أن يقوله للجمهور، أو بين دوره كناقل للأخبار والأحداث، وميسر للنقاش العام إزاءها، وكونه زعيماً سياسياً، أو مفكراً أو قاضيا، أو محتكراً للحقيقة. تشير تلك الوقائع أيضا إلى أن معظم هذه الأخطاء ينطوى على جرائم، وإن حرص بعض المجتمعات على أن عدم المساس بحرية الرأي والتعبير يؤدي إلى عدم توقيع عقوبات قضائية بحق هؤلاء الإعلاميين في بعض تلك الوقائع، لكن ما لا يمكن تجاهله في معظم هذه الوقائع، إن لم يكن كلها، أن وسائل الإعلام الكبيرة التي يعمل فيها هؤلاء الإعلاميون تتخذ إجراءات عقابية حاسمة في حق المخطئين، وترسي معايير وتدابير فعالة للحد من أخطائهم، ليس من بينها عودتهم للعمل بالأسلوب ذاته، عقب انقضاء العقوبة.

لا عزاء للإعلام

ويواصل ياسر عبد العزيز، أما في مصر، فثمة مذيعون ومذيعات يرتكبون الأخطاء الكبيرة، ويتعرضون إلى أشكال من النقد والمحاسبة، لكنهم يعودون إلى العمل سريعا، ويقعون في أخطاء أخرى مشابهة، ويفجرون المزيد من المشكلات، والسبب يكمن بوضوح في أن الأقنية التي يعمل فيها هؤلاء الإعلاميون تضمن لهم عروضا جديدة للعمل، كلما أثبتوا القدرة على تفجير الأزمات. وبسبب ذلك، يكرر المجال الإعلامي المصري سلسلة من المخالفات المريعة التي تُعرض على أقنية الإعلام الوطني؛ ومنها إذاعة مكالمات هاتفية خاصة بغرض الحط من شأن شخصيات سياسية بعينها، وتوجيه الشتائم والاتهامات المرسلة لجماعات وشخصيات على الهواء مباشرة، وصولًا إلى توجيه الشتائم للجمهور ووصفه بأنه «خانع وأبله ومُفرّط في حقه»، فضلًا عن التسبب في أزمات دبلوماسية مع بعض الدول، عبر إهانة السفراء والشخصيات القيادية، وطرد بعض الضيوف على الهواء، وغيرها من المخالفات المشهورة في تاريخ العمل الإعلامي. لكن الرابط في كل المخالفات التي يرتكبها الإعلاميون المصريون في هذه الممارسة الحادة والهوجاء هو الاستمرار والتصاعد من جهة، وعودة الإعلامي المخطئ إلى العمل دوماً بالطريقة ذاتها التي فجرت الأزمات من جهة أخرى. تقوم بعض وسائل الإعلام التي ينتمي إليها إعلاميون ارتكبوا تلك الأخطاء بتقديم اعتذار أحيانًا، لكن الإعلامي المخطئ عادة ما يعود إلى ارتكاب الأخطاء ذاتها، وبشغف أكبر. والأخطر من ذلك أن أهمية المذيع المخطئ ورواج برنامجه وسعة انتشاره تزداد بوضوح كلما كان الخطأ الذي يرتكبه أكبر وأكثر فداحة، من دون محاسبة ناجعة للإعلاميين المتجاوزين، وتغيير طريقة عملهم الخاطئة، ستظل أخطاء الإعلام تتفاقم، ولا عزاء للجمهور، ولمهنة الإعلام.

لماذا يكرهونه؟

انتاب الحزن والغضب طارق الشناوي في “المصري اليوم”، بسبب الهجوم الواسع الذي تعرض له الإعلامي عمرو أديب مؤخراً: “هكذا رأيت البعض على السوشيال ميديا يُكثر من الدعاء ليس من أجل شفاء مريض، ولكن لكي تفتح السماء أبوابها وتنتقم من إنسان بأن تقضي عليه. عبر التاريخ القريب كان الناس يختلفون، وربما يتجاوزون، أثناء تبادل الكلمات التي تتحول إلى لكمات، إلا أنهم عند المرض أو حتى بمجرد عدم القدرة على الرد تتوقف تماما المعركة، وإذا لم يستطع المنافس أن يدعو بالشفاء للخصم فهو على الأقل يكتفي بالصمت، ويتوقف عن المشاركة في توجيه ضربات عشوائية، حتى فضيلة الصمت باتت مستحيلة، الأمر ليس له علاقة برأيك في مذيع تروقك طريقته أمام الكاميرا، أو ترفضها، تُمسك عليه تناقضات، أو تفوتها له، صوته العالي يزعجك، تختلف معه في استخدام أسلوب تلقين الجمهور، لا بأس قل رأيك، وانتقد، فهذا حقك الطبيعي أو أَدِرْ مؤشر (الريموت كونترول)، لديك عشرات من البرامج المنافسة، واختر المذيع الذي يحلو لك، فلا أحد يمنعك من ممارسة هذا الحق. الكراهية السوداء ليست أبداً من بين الاختيارات الممكنة، انتظرت بعد الحادث الذي تعرض له عمرو أديب أن أرى الروح المصرية التي تعودنا عليها، وهي تدعو بالشفاء للجميع، ولكن كان من بين ما قرأت كلمات أخرى لا تعبر سوى عن تفشي السواد في قلوب العديد من طبقات المجتمع. ما الذي حدث فصارت تلك المشاعر المرضية تسيطر على الموقف؟ أعلم طبعاً أن أصحاب الصوت الصاخب والقلوب السوداء هم الذين يملكون مع الأسف القسط الأكبر في التعامل مع الوسائط الاجتماعية، إننا كمجتمع صرنا نعيش في بحيرة من التردي الأخلاقي. اختتم الكاتب كلامه غاضباً: إنها رصاصة في قلب الإنسانية، قبل أن تُوجه إلى قلب المذيع عمرو أديب”.

المشهد السياسي المصري

مساء الأربعاء الماضي، سأل عماد الدين حسين في “الشروق”، خبيرا قريبا جدا من الحكومة عن قراءته لتصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي في الإسماعيلية صباح الثلاثاء الماضي، بشأن قبوله للمعارضة الهادفة. الخبير مطلع بدقة على المشهد السياسي المصري منذ سنوات، ويعرف واقع المعارضة المصرية. هو قال لي الآتي أنقله مع بعض التصرف. أولا: المعارضة ليست منحة من الدولة أو الحكومة أو النظام أوالمؤسسات والأجهزة، بل هي عمل نضالي طويل ومتراكم، وتضحية مستمرة من المعارضة من خلال تحركاتها وسط الناس. ثانيا: يجب أن تخرج القوى السياسية عموما من حالة التمحور حول الفراغ السياسي، بمعنى أنه «يجب أن لا نظل مقتنعين بأننا ندرك ما لا نريد، ولكن الأهم أن ندرك ما نريد»، وبالطبع ما نحن قادرون على تحقيقه في إطار الظروف الموجودة. ثالثا: عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، حدث انفتاح سياسي كبير، بإسقاط الحزب الوطني، لكن النتيجة الفعلية كانت هي سيطرة جماعة الإخوان، وحينما تم إسقاط الإخوان في 30 يونيو/حزيران 2013، انكشفت النخب والأحزاب والتيارات السياسية، بسبب عدم وجود مشروع سياسي شامل لديها، قادر على جذب قاعدة جماهيرية. وينبغي أن لا يتحجج أحد بحصار الأمن للأحزاب، فطوال عامين ونصف تقريبا من 25 يناير 2011 وحتى 30 يونيو 2013، كانت الحريات كاملة، بل منفلتة وزاد عدد الأحزاب عن المئة، وطوال العامين ونصف العام لم تتمكن كل الأحزاب المدنية من بناء أي قاعدة جماهيرية، بل انشغلت بمعارك وصراعات معظمها عبثية، وتركت الساحة خالية للقوى الدينية المتطرفة، التي تمكنت من السيطرة على مجلس الشعب والشورى، بل رئاسة الجمهورية، ولولا ثورة 30 يونيو/حزيران، لتحولت مصر لإيران أو أفغانستان أخرى. رابعا: المعارضة الطبيعية لا تكون إلا هادفة، بمعنى أن تكون لها أهداف واضحة، وطرق نضال سياسي مشروعة، للوصول إلى نتائج محددة، مثل الوصول للحكم عن طريق صناديق الانتخاب، وتشكيل الحكومة، وهذا لن يتم إلا عبر سلوك طريق سياسي طويل الأمد، وليس بمكتسبات استباقية. خامسا: فكرة الوصول للجمهور لم تعد قاصرة على وسائل الإعلام التقليدية أو الندوات والمؤتمرات الجماهيرية، بل صارت متاحة بصورة غير مسبوقة عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وصار بإمكان شخص واحد أن يصل للملايين، فما بالك بالحزب الذي يفترض أن يكون مؤسسة سياسية كبرى تضم آلاف الكوادر المدربة والخبيرة في جميع المجالات. والسؤال هل تملك الأحزاب المصرية ذلك؟

المعارضة الهادفة

ما زلنا مع عماد الدين حسين وما قاله الخبير: سادسا: المعارضة الهادفة يُقصد بها القدرة على طرح رؤى قابلة التنفيذ، وهذا لا يحدث إلا إذا كان هناك فهم ورصد حقيقي للواقع، وتصور واضح وعملي للحلول، وفقا للإمكانيات المتاحة، وليس للأحلام أو الأوهام، وأظن أن هذا ما قصده الرئيس السيسي خلال حديثه في الإسماعيلية. في هذه النقطة يقول الخبير: لا يصح أن يخرج معارض لينسف كل ما تحقق على أراض الواقع، مثل الإنجازات الكبرى الشاملة في البنية التحتية، خصوصا الكهرباء والطرق والكباري والمدن الجديدة. من حق المعارض أن يختلف حول طرق وآليات التنفيذ، لكن عليه أن يرى الأمور بواقعية أيضا. سابعا: سألت هذا الخبير المؤيد لوجهة نظرالحكومة: لكن المعارضة ـ وأقصد بها المدنية ـ تتهم الحكومة بأنها تكبلها بكل القيود، ثم تطلب منها أن تكون جماهيرية، وأن أي خلاف معها، فإن الحكومة تتهمها بالعنف والإرهاب وأنها إخوان.. متى يكون هناك هامش حقيقي تتحرك فيه المعارضة المدنية الجادة؟ الخبير قال لي: الدولة متوجسة من بعض المعارضة؛ لأن من يدمن التشكيك في مؤسسات الدولة، خاصة القضائية، فهو لا يمارس نوعا من المعارضة، بل يفتح الباب لحالة من الارتباك المجتمعي الشديد؛ لأن مواجهة الإرهاب مثلا تتم بالقضاء، إضافة إلى الأمن، والدليل أنه تم تقديم قتلة النائب العام الأسبق للقضاء، وبرَّأ بعضهم، والخلاصة أن التشكيك في الإنجاز الواضح يعتبر خداعا للجمهور. ثامنا: وبشأن فكرة التضييق الحكومي التي يتحدث عنها بعض المعارضين، فإن ثقافة المعارضة في مصر، أصبحت ثورية، بمعنى أن الحد الأدنى، أصبح هو الإسقاط والإزاحة الكاملة، وبالتالى فإن رد الفعل المقابل أصبح متوجسا من الأنظمة القائمة، واختفت ثقافة معارضة الإصلاح التي تهدف لتبادل سلمي للسلطة، فتحول الأمر من صراع سياسي لصراع وجودي، وزاد معدل الاستقطاب وإلغاء الآخر، وهنا مكمن الخطر. انتهى كلام الخبير الذي يعبر إلى حد كبير عن وجهة نظر الحكومة، والحوار ممتد ومستمر بشأن هذا الموضوع شديد الأهمية.

نقمة أم نعمة؟

أكد الدكتور محمود خليل في “الوطن” أن تنظيم الأسرة ثقافة وليس إعلاماً. واستشهد الكاتب بأنه منذ الستينيات من القرن الماضي وثمة تحذيرات رسمية من مخاطر الزيادة السكانية على جهود التنمية. في كل الأحوال كانت وسائل الإعلام تتلقف التحذير الرسمي وتعيد إنتاجه في شكل رسائل إعلامية تستمر لفترة من الوقت، وتحاول توعية المتلقى بمخاطر كثرة الإنجاب، وتأثيراتها السلبية على مستقبل الفرد والمجموع. تحدث الرئيس عبدالناصر عن «تنظيم الأسرة» فتمدد الحديث عنها داخل الصحف، وفي الإذاعة والتلفزيون، ووصل الأمر إلى الأزهر فأصدر الشيخ محمود شلتوت كتيباً يؤكد فيه أن الدين لا يمانع في تنظيم الإنجاب. الأمر نفسه تكرر أيام الرئيس السادات، ثم في عصر مبارك، ونشط صناع الإعلام في تدشين حملات إعلامية مطوَّلة، تستهدف توعية الناس بأهمية تنظيم الأسرة. لم تؤدِّ هذه الجهود الإعلامية المتصلة التى انفجرت جهودٌ شبيهة بها في الوقت الحالي، إلى حل واحدة من أخطر المعضلات التي نواجهها كمصريين، والمتمثلة في نمو السكان بشكل لا يتعادل مع نمو الموارد، الأمر الذي يخلق مشكلات معيشية لا تنتهي، في الصحة والتعليم والنقل والمواصلات والإسكان والتوظيف وخلافه. المسألة ليست إعلاماً قدر ما هي ثقافة. وثقافة المصريين بمكوناتها الدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا تجد غضاضة في كثرة الإنجاب.

القنبلة السكانية

حين تتحدث بما يجول في عقلك ويتشبث به قلبك، فإن كلامك يجد صدى لدى سامعه، أما إن تحدثت بعكس ما يجول في عقلك وقلبك، فإن كلامك والعدم سواء، حتى لو صحت وبكيت، ونفرت العروق في جبهتك. تقول أمينة خيري في “المصري اليوم”، تخيل معي رجل دين يتحدث عن قيم وأفكار تقف على طرف نقيض مما نشأ عليه وتعلمه على أيادي مشايخ سبقوه، وآمن به وروج له على مدار عقود، سواء من أعلى المنبر، أو بعد نزوله منه. هل ستجد كلماته قلوباً وعقولاً مستقبلة، أم متشككة أم متسائلة؟ هذه المعضلة هي واحدة ضمن آلاف المعضلات التي تنجم عن الخلطة الجهنمية، الدين بالسياسة، بالاقتصاد بالفيزياء، بالاجتماع بالخلفة بالعيال، بالتكاتك بالفقر وهلم جرا. للمرة المليون بعد التريليون، إن أردناها دولة مدنية (والمدنية تختلف عن الكافرة أو الفاسقة) فلتكن، وإن أردناها دولة دينية فلنعلن ذلك صراحة، حتى يهدأ الجميع فتهنأ جماعات الإسلام السياسي والتكفير والهجرة و”داعش” وأبناء عمومته، وكل من تربى في كنفه، ويتوقف أولئك الذين يبحون أصواتهم مطالبين بفصل هذا عن ذاك، مع تعرضهم للسب والشتم، من قبل أتباع نسخة الدين، التي هبت علينا في سبعينيات القرن الماضي. القنبلة السكانية آخذة في الانفجار في وجوه الجميع، لكن أكثر المتضررين ليست الشظايا السكانية الناجمة عن الانفجار. أكثرهم تأثراً هم الفرق الممولة لعمليات ضخ العيال، وعلى رأسها الدولة، ومعها دافعو الضرائب ممن اكتفوا بطفل أو طفلين، لكن فوجئوا بأموال ضرائبهم تخصص لدعم من اختاروا أن يتخذوا من عيالهم أرقاماً تدر بضعة جنيهات إضافية، أو من تعرضوا للنصب الفكري والاحتيال الثقافي، وآمنوا بأن الله لا يطلب من عبده المؤمن إلا ضخ أكبر كم ممكن من العيال، بدون النظر إلى الكيف. أقدر تماماً وأحترم جهود وزارة الأوقاف الثمينة، التي تقابل بحروب ضارية بعضها تحت الحزام والبعض الآخر فوقه. لكن معضلة القنبلة السكانية وعمليات ضخ العيال بدون هوادة، ليست فقط خطبة جمعة، أو تنويهاً توعوياً، أو برنامجاً تلفزيونياً. إنها معضلة فكر تحجر وتكلس وصدأ منذ عقود، قام بها البعض مع سبق الإصرار والترصد. هذا التحجر يحتاج في رأيي المتواضع ذراعين علاجيتين: الأول جراحية موجعة نسبياً، لكنها تؤتي نتائج سريعة ومضمونة، والثانية باطنية تعمل على مداواة المرض بالعلاج على المدى الطويل. وهذه الأخيرة آثارها تدوم وتعمل على علاج المرض وليس العرض. من يقرر أن ينجب أربعة وخمسة وسبعة عيال عليه أن يتحمل مسؤوليتهم، وحيث أن الإنجاب حرية شخصية، فليكن أهلاً لها. والقانون يحمي الحريات الشخصية، بما في ذلك من قرر الاكتفاء بطفل أو طفلين، ثم فوجئ بأموال ضرائبه تخصص لتمويل صاحب الخمس عيال. وفي الوقت نفسه، تعمل الذراع العلاجية على تعديل المنظومة الفكرية للإنجاب عبر التعليم، وتمكين المرأة، واحترام التخصصات في الدين والعلم والاقتصاد والاجتماع.

أهلها يتعذبون

نتوجه نحو “الأخبار” إذ اهتم محمد حسن البنا بأزمة يعاني منها كل من يقترب من وسط العاصمة: “تخطط الحكومة لإعادة القاهرة إلى سابق رونقها وعبق تاريخها وحضارتها، خاصة مع إنشاء معجزة العصر، العاصمة الإدارية الجديدة. العاصمة الجديدة تضم الوزارات والمصالح الحكومية، ومؤسسات الدولة المختلفة، وبالتالي ينقل إليها أغلب موظفي الحكومة. لهذا نتوقع أن تعود القاهرة المدينة التاريخية الجميلة. وحتى يتم ذلك ينبغي للمسؤولين عن القاهرة عدم تركها تغرق في فوضى يكون من الصعب تنفيذ مخطط تطويرها. أقول هذا بناء على شكوى تلقيتها من المواطن الدكتور محمد عبد العظيم حسن، عن العتبة الخضراء يرجوني رفعها إلى محافظ القاهرة، أو نشرها في مقالي. والشكوى تتلخص في نقطتين: النقطة الأولى، بخصوص المرور في ميدان العتبة. فمنذ أشهر كان الباعة الجائلون لا يجرؤون على النزول إلى حرم الشوارع الموجودة في ميدان العتبة، أما الآن فهم توغلوا واستقطعوا نصف حرم الشوارع، بل يمكن القول ثلاثة أرباع الحرم، ما يجعل المرور في هذه الشوارع في منتهى الصعوبة. وقد قمت بالشكوى للسادة رجال الشرطة الموجودين في هذه الشوارع فقالوا لي إنهم شرطة مرور وليسوا شرطة مرافق. فالرجاء من اللواء الفاضل محافظ القاهرة، أن يتفضل بزيارة ميدان العتبة لكي يرى بنفسه سيرك المرور في هذا الميدان، ويتخذ ما يراه مناسبا لفض هذا السيرك.

خذلتنا يا منير

ما زال المطرب الشهير يواجه الهجوم بسبب ما تردد عن ترحيبه السفر لفلسطين المحتلة، ومن بين الغاضبين منه أحمد أبو المعاطي في “الأهرام”: “لا أعرف على وجه اليقين، ما إذا كان الفنان محمد منير، قد تراجع بالفعل عما أعلنه من قبل، حول جولة غنائية جديدة، تتضمن إحياء أربع حفلات موسيقية في القدس وحيفا ورام الله، وتنتهي في غزة؟ أم أن الأمر لا يعدو أكثر من خطوة تكتيكية، نفذها الذين خططوا لتلك الرحلة المشؤومة، فطلبوا منه أن يلتزم الصمت قليلا، حتى تهدأ العاصفة، وينتهي طوفان الغضب الذي انفجر على وقع تصريحاته الصادمة، حول جولته الغنائية الجديدة في إسرائيل؟ بدت الصدمة أقرب ما تكون إلى ضربة برق صاعقة، وقد توقع كثير من عشاق منير، أن يخرج النجم الكبير، ببيان يكذب فيه ما نشرته الزميلة “المصرى اليوم”، أو حتى يخفف من وطأة الصدمة، لكنه بدلا من ذلك، أطل على فضائية “أون” ليقول في اتصال هاتفي مع لميس الحديدي، إن الموضوع لا يزال تحت الدراسة. يعرف الكينغ محمد منير أكثر من غيره، ماذا يعنيه لأجيال عدة، وكاتب هذه السطور من بينهم، تربت على ما قدمه من أعمال، خالفت الذوق الموسيقي السائد، وعانقت سحب الأحلام المحملة بقيم العدل والحرية والإنسانية، حتى تحول إلى أيقونتهم الخاصة، فهل كان منير في كامل لياقته الذهنية، وهو يقول قبل أيام، أنه سعيد للغاية بتلك الرحلة، لأنه لن يدخل بسببها السعادة، على قلوب الآلاف من عشاق فنه في الأرض المحتلة فحسب، لكنها سوف تجعل منه أيضا مندوبا للسلام، على نهج الرئيس الراحل أنور السادات”.

راجع نفسك

ويواصل أحمد أبو المعاطي في “الأهرام” تقريعه للمطرب الشهير: “تساءلت في نفسي وأنا أدقق في ما قاله منير، ترى كيف كان سيستقبل الخال عبد الرحمن الأبنودي، لو كان حيا بيننا اليوم، مثل تلك التصريحات المفزعة، وقد كان منير من أحب الناس إلى قلبه؟ قبل أيام تساءلت صحيفة عربية كبيرة تصدر في لندن: من أي باب سوف يدخل محمد منير فلسطين، وبأي ختم سيعبر؟ فهل يعرف منير أن الإجابة ستكون، على جثامين ملايين من العشاق، الذين تابعوا بإعزاز ومحبة كبيرين، مسيرته الفنية المبدعة، التى تزيد اليوم على أربعة عقود، غرّد خلالها منفردا في سماء الأغنية، ليجذب بأعماله الملهمة ملايين من المحبين، في مختلف ربوع الوطن العربي. قبل سنوات قال محمد منير في حوار مع إحدى الصحف المصرية، إن أزمة الأغنية في مصر، ترجع إلى عقول مطربيها، ولعله الآن وقد شارف على السبعين، أصبح في أمس الحاجة، إلى مراجعة صادقة مع نفسه، قبل أن يقدم على تلك الخطوة المشؤومة، فهي كفيلة وحدها بتدمير كل ما بناه من تاريخ حافل بالغناء الجاد والهادف، فهل يقدم الكينغ على الاعتذار الصريح والمباشر، عن تلك الدعوة المشبوهة، فيرفع تلك الغمة التي اعتصرت أرواح عشاقه ومحبيه؟ أم يتحول بعد كل هذا العمر الجميل، إلى خيبتنا الأخيرة؟”.

بوار ينذر بخطر

ارتفعت أسعار الأسمدة مؤخر ا بشكل مغالى فيه أدى إلى كارثة حقيقية على رؤوس الفلاحين، وبمثابة ضربة موجعة لهم تزيد من معاناتهم الشديدة خاصة صغار المزارعين الذين يمتلكون أو يزرعون في مساحات قليلة. صحيح كما يقول ودي زين الدين في “الوفد” قد لا تؤثر هذه الزيادة على أصحاب المساحات الواسعة والكبيرة من الأراضي الزراعية، لكنها مصيبة حقيقية حلت على رؤوس صغار المزارعين. بدأ تطبيق بيع الأسمدة بالأسعار الجديدة التي باتت تشكل عبئاً كبيراً على المزارعين الصغار، وصحيح أن معظم هذه الأسمدة مستوردة من الخارج، إلا أن ذلك ليس مبررا لارتفاع أسعارها بهذا الشكل المغالى فيه.. زيادة الأسمدة تجعل الفلاح أمام موقفين لا ثالث لهما، الأول أن يمتنع عن تسميد الأرض، وبالتالي يكون المحصول هزيلاً، ويتعرض الفلاح لخسائر فادحة ولا يعطي المحصول ثمن التكلفة التي صرفها طوال فترة النمو وحتى الحصاد.. والثاني، هجران الفلاح للأرض وتبويرها.. وفي كلتا الحالتين هناك خسائر، بل وكوارث لا تحل فقط على المزارع، بل على الجميع. المفروض على وزارة الزراعة أن تنتهج سياسة زراعية جديدة تواكب الواقع الجديد الذي تعيشه البلاد، والسياسة الزراعية الحالية تحتاج إلى مواكبة التطورات الجديدة في البلاد، وهذه السياسة تجعل الدولة تلجأ إلى الاستيراد من الخارج لاستكمال الغذاء الذي تحتاجه سنوياً.. لو أن هناك تجديداً في الفكر الزراعي، لاختلفت الصورة الآن، المزارع الذي يمتلك مساحة قليلة من الأرض، أو يؤجرها للعمل فيها، لم يعد يحتمل أبداً الارتفاعات الباهظة في الصرف على المحصول منذ وضع البذرة، وحتى إنتاج المحصول. البذرة غالية وتكاليف الري باهظة، والسماد يرتفع بشكل جنوني، وحتى السماد البلدي زاد سعره بشكل خطير، ما جعل الفلاح يصاب بحالة حزن شديدة. والحقيقة أن سعر توريد المحاصيل الزراعية بلا استثناء زهيد، والرابح الوحيد في هذا الأمر هم التجار الجشعون الذين يشترون الإنتاج بسعر بخس، ويعرضونه على المواطنين بأثمان باهظة، ولا أحد في الحكومة حتى الآن يحاسب هؤلاء التجار الجشعين المحتكرين، الذين يمصون دماء الفلاح والمواطن على السواء. ونجد ارتفاعاً جنونياً فى أسعار المنتجات الزراعية. هذه السياسة طاردة للفلاح من الأرض الزراعية، ولابد من ضرورة إعادة الفكر مرة أخرى مع السياسة الزراعية الحالية، التي لم تعد تواكب الواقع المعاش حاليا، فما أصعب ما يعانيه الفلاح وأسرته، ويرحم الله المقولة الشهيرة التي كان المصريون يتغنون بها «ما أحلاها عيشة الفلاح». مصر بعد ثورة 30 يونيو/حزيران، تحتاج إلى تغيير في السياسة الزراعية، وبناء الدولة الحديثة لا يتحقق إلا بتطوير السياسة الزراعية، وتوفير الراحة للفلاح الشقيان بطبيعة الحال، بدلا من زيادة الأسعار في كل ما يتعلق بشؤون الزراعة، ما يتسبب في تبوير الأراضي أو تصحرها.

فرصة للطرفين

بداية مبشرة لمجلس النواب من وجهة نظر مجدي حلمي في “الوفد”: “عدد كبير من الأسئلة، وطلبات الاحاطة تقدم بها النواب.. لاقت بعضها استجابة من الحكومة، والبعض الآخر محل دراسة، وطلب الإحاطة والأسئلة من الأدوات البرلمانية الرقابية، إلى جانب الاستجواب وطلب المناقشة وهما أدوات النائب طوال فترة عضويته في البرلمان، في ممارسة دوره الرقابي. والأهم في انطلاقة البرلمان المصري أن علاقة جديدة مع الحكومة وذهاب أغلب الوزراء إليه لإلقاء بيانات حول خطط عملهم، وما تلاها من مناقشات ساخنة، ونتمنى أن يذهب جميع الوزراء إلى النواب ليطلعوهم على ما يتم التخطيط له. فمجلس النواب وفق الدستور له دوران مهمان الأول الرقابة على السلطة التنفيذية، والثاني هو التشريع أي سن القوانين، وله دور ثالث يجب أن يتم تفعيله وهو تلقي مظالم المواطنين من خلال آلية إلكترونية سهلة، يستطيع كل مواطن أن يتقدم بمظلمته إلى النواب لطرحها على الوزراء. ولأننا في مصر لا يوجد لدينا نظام أمين المظالم بالمفهوم القانوني «امبودسمان» ووفق المعايير الدولية؛ فمن حق البرلمان أن يقوم بهذا الدور، خصوصا مع غياب المجالس المحلية منذ أكثر من 10 سنوات، وسيكون البرلمان الحالي أول برلمان يفعل هذه الوظيفة، خاصة أن وسائل التواصل الآن أصبحت أسهل مما كانت عليه قبل سنوات، والبرلمان الحالي انطلق انطلاقة مثالية وقوية، وخاض في قضايا صعبة، ويطرح قوانين هربت منها جميع البرلمانات السابقة، ومنها على سبيل المثال قانون العلاقة الإيجارية في المساكن القديمة، وإقرار قانون المرور الجديد، الذي نتمنى أن يطبق بحزم وقوة فور التصديق عليه من قبل رئيس الجمهورية. وهذه الانطلاقة تعطي الناس انطباعا بأن النواب جادون في أداء دورهم، وعليهم الحفاظ على هذه الجدية، حتى يعرف الناخبون أن أصواتهم لم تذهب سدى”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية