لندن – “القدس العربي”:
أدى اغتيال الصحافي جمال خاشقجي الشهر الماضي في إسطنبول إلى تحول النخبة السياسية في العالم عن الأمير الذي قدم كمصلح ورجل المستقبل للسعودية، لكن فقدان ثقة النخبة العالمية والإعلام في العالم سبقته تراجع ثقة المال به والمستثمرين. ويقول موقع “بلومبيرغ” أن عملية اعتقال التجار الكبار والأمراء الأثرياء والسياسيين في تشرين الثاني (نوفمبر) في العام الماضي، ضمن ما أطلق الأمير عليها حملة “مكافحة الفساد” والمال السعودي يحاول الخروج من المملكة بدلا من البقاء فيها. وقال الموقع إن عددا كبيرا من الأثرياء السعوديين يحاولون نقل أموالهم للخارج أو رسم خطط لمغادرة البلاد. وتحدث الموقع مع عشرة أشخاص يعرفون بالموضوع وكلهم وافقوا على الحديث شرط عدم ذكر اسمائهم. وجاء في تقرير الموقع أن السعوديين الذين بقوا في المملكة جمدوا أموالهم على حالتها بدلا من زيادة الاستثمار، مضيفين للرياح التي تدفع أكبر اقتصاد في العالم العربي. وقال بعض الأشخاص إن اغتيال خاشقجي زاد من الموجة السابقة. ورغم ما يتردد حول نجاة محمد بن سلمان من عملية اغتيال الصحافي المعروف على يد فريق من القتلة في قنصلية السعودية بإسطنبول إلا أن خسارته ثقة النخبة التجارية المحلية قد يضرب خططه الاقتصادية ورؤية 2030. ذلك أن الثروة السعودية من المفترض أن تكون عماد القطاع الخاص الذي سيحل محل الاقتصاد المعتمد على النفط في عملية النمو والتطوير، وليس على الهامش يحاول الهروب من البلاد.
اعتقالات ريتز كارلتون بالرياض نقطة تحول جماع خطوات أضرت بالتجار وأفقدتهم الثقة.
كما أن المخاوف بين رجال الأعمال المحليين انتقلت إلى نظرأئهم المستثمرين الأجانب الذين يقومون بتجاهل خطط الأمير ومشاريعه. وتعتبر اعتقالات ريتز كارلتون بالرياض نقطة تحول جماع خطوات أضرت بالتجار وأفقدتهم الثقة، فلم تدفع الحكومة ديونها للمتعهدين وفي حزيران (يونيو) 2017 قادت المملكة مع الإمارات ومصر والبحرين حصار ضد الجارة قطر. وبحسب هاني صبرا من شركة “ألف” الاستشارية فإن إعتقالات الريتز كانت نقطة تطور تحويلية من الناحية الاقتصادية والسياسية. وكانت نقطة تبلور لعملية كانت تتراكم. ودافع المسؤولون السعوديون عن الاعتقالات بأنها ضرورية لموازاة القطاع التجاري والحد من الفساد-وهو نقاش تقبله العامة السعوديين الذين اشتكوا من عدم جريان القانون على النخبة التجارية. فيما يقول بعض المقربين من الأمير أن تراجعا على المدى القريب للاستثمار هو ثمن يجب أن يدفع من أجل إعادة إصلاح الاقتصاد. وفي رد على أسئلة الموقع قال المصرف المركزي السعودي إنه لا توجد أية قيود على “تحويل الأموال”. إلا أن حجم عملية التطهير التي طالت أمراء مثل الملياردير الأمير الوليد بن طلال أثارت قلق الكثيرين وعدم الظهور بمظهر من يريد الخروج. وحتى يتم الإفراج عن المعتقلين تمت مقايضتهم الحرية بالمال حيث وصلت التسويات بين المعتقلين والحكومة إلى 100 مليار دولار، وتعرض عدد من المحتجزين إلى التعذيب وهي اتهامات نفتها الحكومة. إلا أن عدم الشفافية حول ما حدث جعل كل العملية تبدو وكأنها هزة للنظام وعملية تطهير. ومن هنا فإن السعوديين الذين أخرجوا أموالهم من البلاد استخدموا شبكة الشركات لإخفاء ملكيتهم للمال وتجنبوا الدول التي تقيم علاقات جيدة مع المملكة. وبحث الكثير من الأثرياء عن سويسرا ومشاريع في أوروبا حيث استثمروا في العقارات وصناديق الأسهم الخاصة. وقال رجل أعمال سعودي “من الحمق أن لا تكون هناك خطة طارئة”. وقال شخص شارك في ترتيب العقود المالية للسعوديين ان الكثيرين منهم ابتعدوا عن العقود التي تلفت النظر مثل شراء فندق خمسة نجوم في لندن واشتروا بدلا من ذلك مخازن كبيرة في شمال إنكلترا. ويرى سيتفان هيرتوغ، المتخصص في شؤون الخليج بمدرسة لندن للاقتصاد أن المال السعودي يغادر البلاد قبل عملية التطهير وذلك بسبب سياسات التقشف التي فرضتها الحكومة ردا على تراجع أسعار النفط. وقال إن عملية خروج المال تباطأت خشية ان تلفت نظر المسؤولين. وزادت نسبة التدفق إلى 13% هذا العام أي 90 مليار دولار، حوالي 10% من مجمل الناتج المحلي مقارنة مع عام 2017 وذلك حسب أرقام (جي بي مورغان جيس أند كو). إلا ان هذه الأرقام تضم الاستثمارات الأجنبية ولا توجد هناك طريقة لتحديد المال السعودي الخاص الذي يحاول الهروب من البلاد. وحدثت عملية التطهير بعد حضور مدراء المصارف والشركات العالمية مؤتمر مبادرة استثمار المستقبل في نفس الفندق وأثنوا على الخطط الاقتصادية للمملكة، إلا أن المصارف الدولية خفضت بعد الاعتقالات من خطط القروض للأعمال السعودية. بشكل تباطأ فيه النمو الخاص في وقت كانت أسعار النفط تتعافى. وأضيف لتراجع الاستثمار المحلي والأجنبي هروب العمالة الوافدة التي فرضت عليها ضرائب ورسوم جديدة بشكل زادت فيه نسبة البطالة لمستويات عالية. وفي مقابلة مع “بلومبيرغ” بعد يوم من اختفاء خاشقجي توقع ولي العهد أن يبدأ مستوى البطالة بالانخفاض العام المقبل. وتحدث عن وعود جديدة في مجال الاستثمار الأجنبي والتي قال إنه سيتم الإعلان عنها في مؤتمر الاستثمار بالرياض. وبسبب مقاطعة رجال الأعمال والسياسيين والمصرفيين المؤتمر فلم يعلن الأمير عن خططه. وقال رجل أعمال عربي استثمر سابقا في السعودية إنه لا يخطط بوضع أمواله في المملكة مشيرا إلى أنها أصبحت خارج خططه.