لندن – “القدس العربي”:
قال المعلق بوبي غوش إن خطايا رئيسيين أمريكيين، أحدهما لعب دور السمسار والثاني دور الغافل، كانت عقابا للعلاقات المغربية- الجزائرية التي تدهورت لأدنى حالاتها منذ عقود. وأضاف في مقال نشره موقع “بلومبيرغ” أن الرئيس دونالد ترامب خلف لبايدن في شمال أفريقيا فوضى رائعة، فقد تصاعد الخلاف بين المغرب والجزائر بشأن الصحراء الغربية منذ أن تغيرت الإدارة الأمريكية.
وبعد شهر من قطع العلاقات الدبلوماسية مع الجار في الغرب، أعلنت الحكومة الجزائرية عن إغلاق مجالها الجوي للطيران المغربي. وتقتضي إعادة العلاقات بين البلدين في شمال أفريقيا للمستويات السابقة وإدارتها لمستوياتها من عدم الثقة قيام الولايات المتحدة الالتزام بحيادها المتحفظ في موضوع يهتم به البلدان بشكل عميق: وضعية الصحراء الغربية.
وأشار الكاتب إلى الأسباب التي ساهمت في توتر العلاقات الجزائرية- المغربية، عندما اعترف ترامب في كانون الأول/ديسمبر وفي آخر حماقاته بالسياسة الخارجية بسيادة المغرب على الصحراء الغربية مقابل اعتراف المغرب بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها. وبتغريدة واحدة، وأي شيء آخر؟ قلب الرئيس المنتهية ولايته موقفا أمريكيا استمر لعقود وقام على حيادية مدروسة، مخلفا وراءه مأزقا جديدا من المشاكل التي أورثها لخليفته.
وأغضب قرار ترامب الجزائر التي تريد دولة مستقلة في الصحراء الغربية وتعتبر التأثير المغربي في المنطقة تهديدا لحضورها البارز في شؤون شمال أفريقيا. وتدعم الجزائر جبهة البوليساريو، الداعية للانفصال وتزعم أنها تمثل الشعب الصحراوي الذي يعيش على جانبي الحدود في البلدين. ويعيش عشرات الآلاف منهم في معسكرات اللاجئين بالجزائر.
أغضب قرار ترامب الجزائر التي تريد دولة مستقلة في الصحراء الغربية وتعتبر التأثير المغربي في المنطقة تهديدا لحضورها البارز في شؤون شمال أفريقيا
وكان أمام جوي بايدن خيار المصادقة على قرار سلفه أو إعادة الموقف الأمريكي لما كان عليه، وبخاصة بعدما تركت واشنطن القرار للأمم المتحدة والإجماع السابق على أن للصحراويين حق تقرير المصير. لكن بايدن اختار عدم فعل ما يجب عليه فعله، ولم تصادق إدارته أو ترفض قرار ترامب. وربما كان يخشى من ردة فعل الرباط على أي تغير بالموقف في واشنطن وإلغاء اعترافها بإسرائيل. وربما ظن بايدن أن غياب اعتراف رسمي بسياسة الأمر الواقع التي فرضها ترامب يجعل من الموضوع بحكم القانون تابعا للأمم المتحدة.
ولكن الرباط والجزائر رأتا في ازدواجية بايدن إقرارا بالواقع وبدون التحرك. وردت الرباط التي تشعر بالشجاعة رافضة محاولات الدول الأوروبية لفرض تفويض الأمم المتحدة على الصحراء الغربية. بل وحكت أنوف الجزائريين عندما عبرت عن موقف داعم لحق تقرير مصير القبائليين- الذين يعيشون على ساحل المتوسط ويتحدثون بالأمازيغية. وردت الجزائر باتهام المغرب وأنها تدعم جماعة انفصالية بين القبائليين يطلق عليها “ماك”. وصنفت الجزائر ماك كحركة إرهابية واتهمتها مع جماعة أخرى بحرائق الغابات في التلال الشمالية هذا الصيف والتي قتل فيها أكثر من 90 شخصا، بالإضافة لقتل ناشط.
وقال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إن موقف الرباط من القبائليين كان “فعلا غير ودي، عدائيا وحقيرا”. وقال لعمامرة إن هذا كان سبب قرار الحكومة قطع علاقاتها مع المغرب، كما وأشار لعلاقة الأخيرة مع إسرائيل. ولو كان هناك أي شك في أن الصحراء الغربية في قلب النزاع، فقد زال يوم الإثنين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث أكد المغاربة والجزائريون مواقفهم من المنطقة. ولم يتطرقوا للخلافات الأخرى إلا بشكل طفيف. وفي هذا الوقت كانت خطابات الجمعية العامة تقترب من نهايتها ولهذا يغفر للحضور مغادرتهم للقاعة.
ومن المؤمل أن تكون إدارة بايدن قد ركزت انتباهها، فالعداء المتزايد بين البلدين لا يبشر بخير لشمال أفريقيا ولا المصالح الأوروبية والأمريكية بالمنطقة. ولا يمكن للمواجهة بين الجزائر والمغرب أن تكون أكثر سوءا. فالساحل الجنوبي للمتوسط لديه حصته من المشاكل: تراجع الديمقراطية في تونس ولم تبن جذورها بعد في ليبيا. وبعيدا في الجنوب شهدت دول الصحراء الأفريقية سلسلة من الانقلابات العسكرية في وقت تحدت فيه الجماعات الجهادية الجهود الدولية المتعددة لمكافحة الإرهاب.
والجزائر والمغرب ليستا ديمقراطيتين تامتين ولكن لديهما حكومات يمكن التكهن بتصرفاتها، ولديهما جيوش وأجهزة استخباراتية تلعب دورا في وقف الجماعات الإرهابية. وتعد الجزائر مصدرا مهما للغاز الطبيعي لجنوب أوروبا ويتم نقل جزء منه إلى المغرب عبر أنابيب المغرب- أوروبا. وتعتمد أوروبا على الجزائر والرباط للحد من تدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط.
وهل يمكن جلب البلدان من الهاوية؟ فالمرارة التي يحملها كل طرف نابعة من المظلومية التي سبقت سيطرة المغرب على الصحراء الغربية في السبعينات من القرن الماضي وبعد انسحاب إسبانيا منها. وسيظلان في حالة من التنافس على الهيمنة في شمال أفريقيا ولعقود قادمة. ولو لم يستطيعا إقامة علاقات صداقة فقد أظهرا في الماضي قدرة للحفاظ على علاقات دبلوماسية، وهي حالة مقبولة للجميع. والعودة إلى ذلك الوضع تقتضي عكس قرار ترامب المتهور في كانون الأول/ديسمبر. وعلى بايدن تأكيد الدعم الأمريكي للقرار الصادر عن الأمم المتحدة بشأن مأزق الصحراء. ولا مخاطر من خروج الرباط من اتفاقيات إبراهيم بعدما اكتشفت منافع التطبيع المحتملة مع إسرائيل. وفي نفس الوقت تحتاج الولايات المتحدة الضغط على الجزائر كي تسمح للأمم المتحدة مواصلة عمليتها والتوقف عن دعم وتسليح الانفصاليين الصحراويين.
ولن يكون هذا سهلا وتحتاج الولايات المتحدة لدعم من الدول الأوروبية التي تعتبر شريكا تجاريا مهما لكل من المغرب والجزائر. وأكد الأوروبيون على موقفهم الداعم لعملية الأمم المتحدة مما سيساعد في الأمر. وقد يحلو لبايدن الشكوى أنه ورث مجموعة ضخمة من المشاكل خلفها سلفه، لكن تركها بدون حل، كما تظهر أزمة شمال أفريقيا، يزيدها سوءا.
السبب الحقيقي للصراع الجزائري المغربي.أن الجزائر تريد الحصول على اطلالة على المحيط الأطلسي من خلال الصحراء المتنازع عليها.
بقية الأعذار تلفيق سياسي.