لندن- “القدس العربي”:
نشر موقع “بلومبيرغ نيوز” تقريرا عن العلاقات البريطانية- الإيرانية وأنها متجذرة في العلاقات التاريخية المتقلبة والقائمة على العداء المستمر. وفي التقرير الذي أعدته كل من كارولين الكسندر وغولنار موتافالي قالتا فيه إن الأزمة السياسية التي تمر فيها بريطانيا فرصة لطهران كي تقوم باستغلالها.
وجاء إعادة فتح السفارة البريطانية في طهران مناسبة لكي تقود إلى عهد جديد من العلاقات. ووصف وزير الخارجية في حينه فيليب هاموند رفع العلم البريطاني فوق المجمع المحاط بالحدائق في آب (أغسطس) 2015 بأنه حجر أساس مهم، وجاء بعد ستة أسابيع من توقيع الاتفاقية الدولية للحد من البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات خنقت الإقتصاد.
ومنذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العام الماضي عن خروجه من الاتفاقية، بدأ التوتر بين بريطانيا وإيران يتزايد. ووصل ذروته يوم الجمعة عندما قام الحرس الثوري باحتجاز ناقلة النفط البريطانية في مضيق هرمز، في رد واضح على احتجاز بريطانيا لناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق، وكان رد بريطانيا التهديد “بعواقب خطيرة” والتي قد تشمل حزمة من العقوبات.
وتساءلت الصحافيتان عن السبب الذي أوصل الأمور إلى هذه الدرجة من السوء؟ فبريطانيا هي جزء من الثلاثي الأوروبي الذي يحاول إنقاذ الاتفاقية النووية التي خرج منها ترامب مما زاد من مخاطر انهيارها.
وتواجه بريطانيا أزمة تتعلق بالخروج من الاتحاد الأوروبي وهي بحاجة ماسة لاتفاقية تجارة مع الولايات المتحدة التي لا تزال من أقوى اقتصاديات العالم. وباختصار فأولويات بريطانيا الجيوسياسية معقدة.
وتعود الكاتبتان إلى جذور العلاقة بين البلدين حيث بدأت في القرن السابع عشر، والتي اتسمت أحيانا بفترات من الحروب والنزاعات. وتم حسم بعضها سريعا، فيما استمرت أخرى حتى هذا اليوم. فلا يزال الإيرانيون مثلا يلومون بريطانيا على المجاعة التي حدثت قبل مئة عام مما يؤكد الدور المزدوج الذي لعبته بريطانيا.
ويرى علي أنصاري، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة سانت أندروز أن “إيران مسكونة بفكرة بريطانيا المتآمرة الكبرى خلف الستار وأنها تقوم بالتلاعب بأمريكا”. و”تتسيد هذه الفكرة الخطاب الإيراني بطريقة لا يمكن تخيلها”.
وتواجه بريطانيا اليوم أزمة الخروج من الاتحاد الأوروبي وتشهد فترة انتقالية وانتخاب رئيس وزراء في معركة يخوضها بوريس جونسون وجيرمي هانت وكلاهما شغل منصب وزير الخارجية، مع أن ترامب يفضل جونسون ويعتبره صديقا.
ولم تكن إيران من ضمن المستعمرات البريطانية، إلا أن لندن مارست دورا مهما على سياستها عبر القرون. وفي ظل اللعبة الكبرى أثناء القرن التاسع عشر التي تنافست فيها بريطانيا الفيكتورية مع روسيا القيصرية للهيمنة على آسيا الوسطى، وجدت إيران نفسها وسط هذا النزاع. وحاولت أن توازن بين تأثير القوتين الإمبرياليتين. ومع أن روسيا كان الأكثر وحشية، إلا أن بريطانيا تركت جراحها العميقة على النفسية الإيرانية.
ويرى أنصاري أن أحداث بداية القرن العشرين “غيرت المنظور التاريخي”. وتمحورت تلك الأحداث كما هي الآن حول النفط. ففي عام 1901 بدأ رجل الأعمال والمستثمر ويليام نوكس دارسي البحث عن النفط في بلاد فارس. وبناء على الصفقة التي وقعها مع شاه إيران فقد أصبح المالك الرئيسي للنفط الذي يعثر عليه. وتحصل العائلة المالكة على نسبة 16% من الأرباح السنوية ولا دور لها في طريقة إدارة الشركة.
ونشأت شركة النفط الإنكليزية- الفارسية لاحقا عندما عثر دارسي على النفط الخام في الصحراء جنوبي البلاد. وعلق وينستون تشرتشل الذي كان قائدا للبحرية وأشرف على تحولها من استخدام الفحم الحجري إلى النفط “جلب لنا الحظ منحة من أرض السحر لم نتخيلها حتى في أحلامنا المجنونة”.
وقبل بداية الحرب العالمية الأولى، حقنت الحكومة البريطانية الشركة برأسمال جديد وحصلت على امتيازات فيها وبنت أكبر مصفاة نفط في العالم قرب الخليج الفارسي لتنقية النفط وشحنه إلى بريطانيا. وبدت المصفاة مثل مستعمرة منفصلة عاش فيها الموظفون البريطانيون وعائلاتهم في حالة مترفة، أما الموظفون الإيرانيون فكانوا يعيشون في مدن الصفيح.
ولم يكن مفاجئا اندلاع التظاهرات والإضرابات، ووصلت ذروتها في عام 1951 وبعد موجة من المشاعر المعادية للاستعمار التي انتشرت في المنطقة، قام رئيس الوزراء، محمد مصدق بتأميم شركة النفط وألغى حقوق التنقيب عن النفط.
وردت بريطانيا بإغلاق المصافي وحاصرت الموانئ الإيرانية وجمدت الحسابات. وعندما بدا واضحا أن مصدق قد انتصر، ضغطت بريطانيا على الولايات المتحدة لكي تعين رئيس وزراء متعاطف مع الشاه. وتعاون الطرفان معا على الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 1953. وتمت تسمية الشركة باسم البترول البريطاني ولم تستطع الحصول على السيطرة السابقة بسبب الموقف العام المعادي لبريطانيا ولكنها حصلت على عضوية في مجموعة النفط الإيرانية.
وبعد الإطاحة بشاه إيران وولادة الجمهورية الإسلامية في ظل آية الله روح الله الخميني أعيد تأميم النفط الإيراني من جديد. ومن هنا منح احتجاز ناقلة النفط الإيرانية في جنوب إسبانيا، ومثل سياسات ترامب تجاه إيران الفرصة لتوحيد القوى السياسية المتنافسة. كما وأعطت الجمهورية الإسلامية الفرصة للهجوم على بريطانيا الإمبريالية الاستعمارية والمؤيدة للملكية التي تريد التدخل في الشأن الداخلي الإيراني.
وردت طهران بعد يومين على احتجاز ناقلتها، واحتجزت ناقلة نفط بريطانية. وصورت الصحافة الإيرانية الهجوم على البلاد بأنه مؤامرة أمريكية- بريطانية.
ففي الإعلان الرئيسي لصحيفة “أرمان” المعتدلة “سيناريو أمريكي مع لاعبين بريطانيين” أما صحيفة الإصلاحيين “أفتاب” فكان عنوانها “تطرف في جبل طارق”. ووصفت صحيفة المتشددين “كيهان” احتجاز السفينة البريطانية بأنه عملية انتقامية ضد “قراصنة الملكة”.
وكانت الحرب العراقية – الإيرانية التي دعمت فيها بريطانيا صدام حسين وفتوى الخميني ضد سلمان رشدي هي من النقاط السيئة في العلاقات بين البلدين. وفي الفترة الاخيرة شهدت توترا بسبب سجن البريطانية- الإيرانية نازنين زغاري- رادكليف منذ عام 2016 بتهمة التجسس. ونقلت قبل فترة من سجن إيفين سيء السمعة إلى قسم العلاج النفسي.
وانتقد جونسون بشدة عندما قال وهو وزير الخارجية أنها كانت موجودة في إيران لتدريس الصحافة. ولو أصبح رئيسا للوزراء كما هو متوقع فستكون الأزمة مع إيران أول امتحان له.
وكان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي قد أعلن قبل احتجاز ناقلة النفط البريطانية أنه لن يسمح بأن تمر تصرفات بريطانيا دون رد عليها. ولغة كهذه تشبه تلك التي استخدمها قبل الهجوم على السفارة البريطانية في طهران عام 2011 عندما ترك متشددون على جدرانها عبارات “الموت لبريطانيا” إلى جانب صور الملكة فيكتوريا وإليزابيث الثانية. وأغلقت السفارة على إثرها.