إن نفتالي بينيت لغز، فهو من جهة يتمسك بمواقف اقتصادية صحيحة وشجاعة، لكنه من جهة اخرى يخطئ خطأ كبيرا في الشأن السياسي. لكن ولأنه يعتقد فيّ نفس الاعتقاد بالضبط سنحصر العناية هنا في المجال الاقتصادي مع التفاتة سياسية صغيرة في النهاية. يرى بينيت ان الحكومة الحالية هي ‘حكومة فرص’، وهو على حق. فلم يوجد من قبل وضع يبث فيه رئيس الوزراء ووزير المالية ووزير الاقتصاد ووزير النقل العام ووزير الزراعة على نفس الموجة من جهة اقتصادية. فهم يفكرون بطريقة متشابهة في اقتصاد السوق والمنافسة والمبادرة الحرة والمسؤولية الميزانية وهذه ظاهرة لم تُرَ هنا منذ وقت. إن يئير لبيد على الخصوص هو الحلقة الضعيفة بين الاربعة، فهو يؤمن حقا بالاقتصاد الحر، لكنه لم يدفع قدما في واقع الامر باصلاحات مهمة كان يمكن ان تغير صورة الاقتصاد. أما بينيت في مقابله فهو نصير واضح للاصلاحات والمنافسة الحرة. وهو يقول للعاملين معه في وزارة الاقتصاد إنه حينما نشب الاحتجاج الاجتماعي في 2011 اعتقد أن الحديث عن مجموعة من المُترفين لا يريدون العمل الصعب، لكن بعد أن زار 300 منزل باعتبار ذلك جزءً من حملته الانتخابية وسمع عن الأزمات الشديدة أدرك ان العيش هنا صعب حقا. إن 50 في المئة من العاملين في الجهاز الاقتصادي تبلغ أجورهم أقل من 6 آلاف شيكل في الشهر، وهذه الحقيقة في رأيه مشكلة كبيرة وخطر قومي ولهذا فانه يرى هدفه الأعلى تنفيذ اصلاحات تخفض غلاء المعيشة وتُقربنا من مستوى العيش الامريكي. ويعلم بينيت أنه لا يمكن الاستمرار في وضع لا يكاد فيه الرجال الحريديون والنساء العربيات يخرجون للعمل، ولهذا يعمل على تشجيع خروجهم للعمل. والخدمة العسكرية للحريديين لا تعنيه ولا تهمه، فهو قلق من مستوى التركيزية العالي في الاقتصاد ولهذا يؤيد اعمالا صغيرة ومتوسطة. ويقول المقربون منه إنه اذا لم ينفذ مكتبه في غضون سنة ثورة في مجال الاعداد المهني، فانه سينقل المجال كله الى مسؤولية وزارة التربية. يستطيع بينيت ان يفخر اليوم بعدد من الانجازات في مجال المنافسة والاسعار. فقد صد تماما طريقة فرض ‘ضرائب تعويم’ على الاستيراد. وألغى نحوا من 100 مِلاك لا حاجة اليها كانت تقيد الاستيراد وتزيد في كلفته. وأجاز في المجلس الوزاري المصغر لغلاء المعيشة الاصلاح في مجال الاسمنت الذي سيُدخل المنافسة للشركة الاحتكارية للاسمنت ‘نيشر’ وسيخفض سعر الاسمنت وسعر الشقق. وضغط على عضو الكنيست أفيشاي بافرمان، رئيس لجنة الاقتصاد كي يُجيز الاصلاح في معهد العايير، بل حذره بأنه اذا علق هذا الامر في اللجنة فسيُبطل عملها بنقل علاج الموضوعات الاقتصادية الى اللجنة المالية. واضطر بافرمان رغم انه كان يريد الاستسلام من أعماق قلبه للجنة ‘نيشر’ وناشطي الهستدروت، الى التخلي والى إجازة الاصلاح لحسن حظنا. يرى بينيت أن ثلاثة أجسام فقط في اسرائيل تعمل كما ينبغي: الموساد وسلاح الجو وقسم الميزانيات، بل إنه يتجرأ على توزيع الاطراء على شباب هذا القسم ويشعر بأنه حليفهم، وهذا تغيير عظيم اذا قيس بالعلاقات المشحونة التي كانت في الماضي بين الوزارتين. وهو يجري الآن فحصا عن مسار الاستيراد الى اسرائيل: الموانئ وقوانين التنظيم والمعايير والضريبة الجمركية بغرض إزالة أكبر قدر من الموانع ولتسهيل تدفق التجارة. ولو كان الامر متعلقا به لرأينا اليوم خفضا للضريبة الجمركية الباهظة على الحليب واللحوم والدجاج والأسماك ومعلبات سمك التونة وزيت الزيتون والعسل وهذا اجراء لا يتجرأ لبيد على تنفيذه. فليس عبثا أن أرباب الصناعة لا يحبون بينيت. إن المشكلة هي في تصوره السياسي، فهو غير معني بمفاوضة الفلسطينيين بل يريد الاستمرار في حكم المناطق الى الأبد، ولا يهمه الثمن الاقتصادي والسياسي والميزاني والديمقراطي والاخلاقي. وهو غير مستعد لأن يفهم ايضا أننا لا نستطيع الاقتراب من مستوى العيش الامريكي اذا بقينا نعيش على السيف الى الأبد. أي أن شخصا ما مخطئ هنا إما هو وإما أنا.