بناء الذَات… لا الاعتماد على الخارج

حجم الخط
2

في نهاية هذا الشهر سيزور الرئيس الأمريكي دولة من دول مجلس التعاون الخليجي هي المملكة العربية السعودية. الهدف من الزيارة المعلن هو إصلاح الشقوق في العلاقات الامريكية – الخليجية العربية التي نتجت عن تباين في وجهات النظر وعن إختلافات في المواقف بشأن أمن الخليج ومواجهة حراكات الربيع العربي.
ويظهر، حتى الآن، أن الاجتماع سيكون ثنائياً، مع أن المواضيع التي ستبحث تخصُ، بصورة مباشرة أوغير مباشرة، كل دول المجلس ودون استثناء. فاذا كان ذلك يعني، على الأقل في الذهن الأمريكي، أن شرح المواقف الامريكية وتقديم التًّطمينات والوعود وتأكيد العلاقات الاستراتيجية لهذه الدولة الخليجية أو تلك كاف أوتوماتيكياً لحلًّ إشكالات امريكا مع كل دول مجلس التعاون الأخرى، فان ذلك تعامل امريكي دبلوماسي خاطئ سيعكس نفسه سلبياً وضاراً على تماسك ووحدة وفاعلية المجلس.
فالرئيس الأمريكي يجب أن يُّسمع الجميع ويستمع للجميع بسبب تعقُّد وسخونة وأهوال الوضع الخليجي والعربي والإقليمي في هذه المرحلة التي تعيشها الأمة العربية وهي تحاول أن تخرج من مآسي ومظالم الماضي.
أيُّاً تكون طبيعة هذا الاجتماع وإلى أية وجهة يذهب فان مجلس التعاون مجتمعاً يحتاج أن يأخذ الجوانب التالية بعين الإعتبار، الآن ومستقبلاً، في علاقته مع أمريكا:
أولاَ: أن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكي مليئ بالتخلًّي المفاجئ، وأحياناً المأساوي، عن الحليف إذا كان ذلك التخلًّي يخدم المصلحة الوطنية الامريكية. لقد حدث ذلك في الماضي لقادة إيران والفليبًّين والعديد من دول امريكا الجنوبية. ولذا فلا يظنُّن قادة مجلس التعاون بأنهم في منّأى عن مثل ذلك التخلًّي مستقبلاً، إن تبدُّلت الموازين وتغيًّرت الأحوال في المنطقة أو في العالم.
ثانيا: إن مجلس التعاون هو جزء من الوطن العربي الكبير في سرًّائه وضرًّائه. ولذا فان أية محاولة للإعتقاد أو للتصُّرف وكأنَّ العلاقات الخليجية العربية الامريكية يمكن أن تكون مستقلة عن مواقف امريكا تجاه قضايا الأمة الكبرى ستكون محاولة كارثية وغلطة تاريخية.
فمثلاً أن تتعامل دول مجلس التعاون مع امريكا دون أيً اعتبار لمواقفها الظالمة اللاإنسانية تجاه الوجود الصهيوني الإستيطاني في فلسطين المحتلة أو لطرحها مشروع الفوضى الخلاًّقة الشهير من أجل إدخال الأمة العربية في جحيم الصًّراعات الإثنية والمذهبية والدينية فان ذلك يعني ممارسة دول المجلس لعبة الاستخفاف بالروابط العروبية القومية والإسلامية وفصل مصير مستقبلها عن مصير أمتها العربية وعالمها الإسلامي.
وينطبق نفس المنطق على عدم السَّماح بأن تستعمل دول المجلس، مجتمعة أو منفردة، بصورة مباشرة أوغير مباشرة، كأداة في يد الولايات المتحدة الامريكية أو غيرها لتنفيذ مخطًّطات أمبريالية صهيونية من مثل إحتلال هذا البلد العربي أو إسقاط نظام ذلك البلد العربي. والأمثلة على ذلك كثيرة تدمي القلوب وتطرح ألف سؤال وسؤال.
ثالثاً: لا يستطيع الإنسان أن يفهم هوس دول المجلس بالتفتيش عن مظلًّة أمنية أجنبيًّة لحماية نفسها. والواقع أن هذا الهوس أصبح مرضاً يهٍّيئ لعودة الإستعمار المباشر، بكل تجلًّياته، لهذه المنطقة.
ولقد كان من المفروض، خصوصاً بتوفًّر الثروة البترولية الهائلة، أن يصبح درع الجزيرة، بعد مرور حوالي ثلاثين سنة على إنشائه، قوة عربية خليجية ذاتية قادرة على حماية دول المجلس. لكن ذلك مع الأسف لم يحدث بسبب عدم الجديًّة السياسية الكافية داخل مجلس التعاون وهوس كل دولة بسيادتها الوطنية وخوفها من غدر الآخرين المتخيًّل.
رابعاً: لا بدًّ من طرح هذا السؤال: ألا يرى قادة مجلس التعاون في العلاقة مع امريكا إلاً مساعدتها على الهيمنة الكاملة على الساحة البترولية الخليجية وإلاً استجداء حمايتها الأمنية ؟ ماذا عن الاستفاده الكفؤة بالتقدم الأمريكي الهائل في العلوم والتكنولوجيا كمبادلة لتعاون دول المجلس مع امريكا في قضايا البترول والأمن؟ هذا موضوع بالغ الأهمية لتنمية ومستقبل دول المجلس، لكننا لا نعرف متى سنفتح عيوننا على إمكانيات تطويره الهائلة مع هذا العشق والولع الأمني الذي نعيشه ليل نهار دون أن نحس بغيره.
ما يحزُّ في النفس أن الجواب على الخلافات مع امريكا، وهي كثيرة جداً، لا يتعدًّى في أيامنا هذه إلاً أخذ الصور مع قادة الصين وروسيا والهند وغيرهم والتهديد باستبدال العلاقات الغربية بعلاقات شرقية، بينما الجواب الحقيقي هو في النظر الجدًّي إلى نقاط ضعفنا الذاتية وإجراء تغييرات جذرية بشأنها.
وفي النهاية فان علاقة دول الخليج العربية، سواء مع امريكا أو غيرها، تحتاج أن تتناغم مع مصالح الأمة العربية وتصبُّ في حلً قضايا الوطن العربي الكبير، فامريكا وغيرها سيذهبون ويهجرون، ولن يبقى لنا في المستقبل إلاُ أمتنا التي تمتدُّ في التاريخ عبر القرون وفي الجغرافيا من المحيط الواسع البعيد الى بحر خليجنا الصغير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول foufou lakhdar:

    اعجب كل العجب لامة تترك.دعلي محمد فخرو و تكلف نبيل العربي بادارة شؤون الامانة العامة للجامعة العربية….

  2. يقول علي النويلاتي:

    آمل أن يكون هناك عقلاء في حكومات الخليج العربي يقدروا ويأخذوا هذه النصائح الصادقة مأخذ جد وتأمل. كما آمل أن يشكل مجلس حكماء من أمثالكم يا دكتور علي محمد فخرو لكي يستفيدوا من آرائهم وخبراتهم ونصائحهم، كما كان يفعل الخلفاء من قبل وكما تفعل جميع الحكومات المتنورة في عصرنا الحالي. وها هو مؤتمر القمة العربي أوشك على الإنعقاد في الكويت، فهل بالإمكان أن ينزل الله العزيز القدير السكينة والرشد لحكام السعودية والخليج والعرب أجمعين لوقف وقفة ضمير وخدمة مصالح العرب والمسلمين، والجهر بكلمة حق أمام أمريكا وإخذ موقف صادق مخلص تجاه إنحيازها ودعمها وحمايتها لمشكلة العرب الأولى ألا وهو هذا السرطان الإسرائيلي الذي زرعته بريطانيا والدول الغربية في جسد أمتنا العربية والإسلامية. كفى ما نعانيه بسببها من عدم أمن وإستقرار وحروب وإحتلال وتشريد وهدر لطاقاتنا وأموالنا وثرواتنا. لقد حان الوقت لكي نضع حداً لهذه الجرثومة الإستعمارية التي تحتل وتشرد وتنخر في جسدنا. لماذا لا تطبق أمريكا الموقف الذي إتخذته تجاه روسيا في ضمها للقرم على إسرائيل وإحتلالها وضمها لفلسطين؟؟؟ أين هم الحكام العرب الذين يتحالفون مع أمريكا وماذا يقولون؟؟؟؟

إشترك في قائمتنا البريدية