في طلقة الانطلاق لنضال طويل ومعقد لا يزال في بدايته، أغرقت في نهاية الأسبوع سكرتاريا محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بعشرات طلبات الانضمام كـ “أصدقاء للمحكمة” في المداولات حول صلاحية المحكمة للتحقيق في جرائم حرب ارتُكبت في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس.
إن موجة الدول والمنظمات ورجال القانون المشهورين من أرجاء العالم، الذين يريدون جميعاً المشاركة في مناقشة مسألة الصلاحيات والحدود الجغرافية -حبة البطاطا الساخنة التي ألقتها النائبة بنسودا في أحضان القضاة قبل اتخاذ قرار- ستفتح تحقيقاً في الجرائم التي نفذتها إسرائيل وحماس.
أغلبية الدول التي أرادت المشاركة في المداولات تؤيد الموقف الإسرائيلي. إسرائيل التي تميل إلى مقاطعة المداولات من أجل ألا تعطيها شرعية، تحتاج إلى ممثلين غير رسميين بأكبر قدر يمكنها تجنيده. لذلك، بذلت جهوداً كبيرة لإقناع الدول المؤيدة لموقفها في الانضمام للمداولات، خاصة دول ليبرالية نسبياً لها وزن كبير في المجتمع الدولي مثل ألمانيا، باستثناء “الدول المشتبهة حالياً”. الفلسطينيون في المقابل ينوون تمثيل أنفسهم بشكل مباشر، لذلك بذلوا جهوداً أقل لتجنيد الأصدقاء. تؤيد موقفهم منظمة التعاون الإسلامي (أوي.آي.سي) التي تمثل أكثر من خمسين دولة.
وقد قفزت على العربة منظمات فلسطينية كثيرة من جهة، ومنظمات يمينية إسرائيلية ويهودية مثل “خط الحكم” من الجهة الأخرى. تبرز بغيابها منظمات يسارية إسرائيلية التي يبدو أنها تأثرت من النشاطات الموجهة ضدها أو اعتقدت بأنه لا فائدة من انضمامها. مكتبان للمحاماة، إسرائيلي وفلسطيني، تجندا لهذا النضال السياسي دون الحفاظ حتى على مظهر شكلي من مظاهر الاستقلالية عن السلطات.
الطاقم الإسرائيلي المسؤول عن النضال في لاهاي برئاسة القسم الدولي في النيابة العامة، أراد أن يجند أيضاً خبراء معروفين في القانون الدولي يعتبرون ليبراليين، وعدد منهم وقف حقاً إلى جانب إسرائيل. البروفيسور ايال بنفنستي من جامعة كامبردج قال إنه لا يمكن للمحكمة تقرير الحدود الدقيقة للمناطق طالما أنها تخضع لخلاف سياسي، وأن محاولة فعل ذلك ستضعف مكانتها الحيادية.
موقف مشابه طرحته مجموعة أساتذة من إسرائيل، ومنهم روبي سيغل من الجامعة العبرية، الذي كان في السابق مستشاراً قانونياً في وزارة الخارجية. طلبات أخرى قدمها رجل القانون الكندي الكبير ارفين كوتلر، الذي اعتبر مؤيداً بارزاً لإسرائيل، والبروفيسور ستيفن راف، الذي كان في السابق شخصية رفيعة في وزارة الخارجية الأمريكية. ويمكن الافتراض بأن إسرائيل قد جندت للمعركة عدداً من الخبراء، أو على الأكثر شجعتهم على الانضمام إليها عندما تبين أن موقفهم يؤيد مواقفها. وهنا غاب إسرائيليون يعتقدون العكس.
في المقابل، ريتشارد فالك، أستاذ معروف في القانون الدولي في جامعة برينستون، الذي كان في السابق مسؤولاً في الأمم المتحدة عن حقوق الفلسطينيين، قال إن صلاحية المحكمة تسري على معظم المناطق التي تعتبر مناطق محتلة حسب القانون الدولي. أما البروفيسور جون فنغلي الذي بحث في المسألة الفلسطينية، فقد قدم موقفاً يقول إن فلسطين دولة.
من بين طلبات الانضمام ثمة وثيقة قدمها الدبلوماسي الأمريكي السابق دنيس روس، الذي كان مبعوث بيل كلينتون إلى الشرق الأوسط، قال إن “خبرته في اتفاقات أوسلو تمكنه من تقديم رأي بشأن إسهامها في سيادة السلطة الفلسطينية في المناطق، وهي إحدى المسائل التي تقف في مركز الخلاف. هذا في الوقت الذي تتبنى فيه الولايات المتحدة، التي مثلها في حينه، مقاربة مختلفة ولا تعترف على الإطلاق بصلاحية المحكمة.
ومن بين الطلبات التي تم تقديمها حتى الموعد المسموح به لتقديم الطلبات، يبرز بشكل خاص طلب “أو.بي.سي.دي”، وهو القسم الذي يعمل كدفاع عام في المحكمة. هذا القسم يعتقد أنه لا يجب الحسم مسبقاً في مسألة الصلاحية، بل مناقشتها في إطار مناقشة لوائح الاتهام. لماذا؟ من أجل الدفاع عن حق متهمين مستقبليين، ومن أجل طرح القضية في محاكماتهم، حيث هناك أشخاص معينون بتهمة ارتكاب حالات معينة في محكمة الجنايات الدولية يقدمون للمحاكمة. وقدر خبراء في القانون الدولي أن يكون هذا هو الموقف المفاجئ لرجال القانون الذين سيعيدون حبة البطاطا الساخنة إلى النائبة العامة. وفي هذا الوضع، لا يمكن لأحد من الأصدقاء منع التحقيق.
بقلم: نوعا لنداو
هآرتس 16/2/2020
اللهم أعنها عليهم ٠