أظهر “تحقيق” جديد في “واشنطن بوست” أن جنود الجيش الإسرائيلي الذين يخدمون في المناطق [الضفة الغربية] يملكون بين أيديهم تطبيقاً إلكترونياً جديداً باستطاعتهم من خلاله أن يصوروا الفلسطيني ويعرفوا ما إذا كان خطيراً. وتقوم المنظومة على أساس تصوير مسبق لمئات آلاف الفلسطينيين، وتشخيص وجوههم عبر التطبيق الإلكتروني ومطابقتهم مع الصور القائمة فيه، التي تحدّثها الاستخبارات والمخابرات. وبعد التشخيص، يشع التطبيق باللون الذي يناسب مستوى خطره: أخضر، أصفر أم أحمر.
لماذا وضعت “تحقيق” بين هلالين؟ يخيل أن الخبر الذي وصل إلى الصحيفة المعتبرة رفعته إليها واحدة من تلك المنظمات اليسارية في إسرائيل. دعنا. نعرف هذه المنظمات وميولها الانتحارية، فلا جديد هنا. ما يثير الفضول هو التبرير الذي وصفته واحدة ممن أجريت معهم اللقاءات، مجندة مسرحة لتوها: “خرق فظ لحقوق شعب كامل في الخصوصية”.
صباح الخير للمسرح. لا أعرف كم من الوقت كنتِ في الخندق، ولكن الأمور تغيرت في هذه الأثناء. العام هو 2021، ولا خصوصية لأحد. هذا حق جميل تحطم مع تحطم البرجين التوأمين. باتت الخصوصية قيمة نحنّ إليها. ثمة من يتوقون إليها ويغضبون على الإرهاب الإسلامي الذي نزعت منا بسببه. معظمهم يفهمون بأن لا مفر ولا سبيل لمكافحة الميل.
أقدر أن للمسرحية آنفة الذكر فيسبوك، وعليه فليس لها خصوصية. أقدر أن دعايات تقفز لها بشكل مفاجئ في ذاك الموضوع الذي تحدثت عنه مع صديقة لها في هاتفها النقال. أقدر بأنها تدرك بأن في كل زاوية كاميرا، وأن ثمة جوازات سفر بيومترية.
هل يعدّ سلب الخصوصية موضع الحديث موجهاً ضد “شعب كامل” على حد تعريفها؟ بالطبع. كما قيل في النبأ، فإن بنك الوجوه يركز على الفلسطينيين. يبدو أن ليس لشرطة إسرائيل بنك كهذا كفيل بأن يساعدها في حربها ضد الشاذين ملاحقي الأطفال أو منظمات الجريمة. وينبغي أن يكون لها، ولكن الذي أعلن الحرب على إسرائيل، على كل إسرائيل، بواسطة إرهاب دامٍ ضد غير المسلحين، هم الفلسطينيون. سلب الخصوصية هو الوسيلة الأكثر رقة التي قد تستخدم في هذه الحرب. هذه الوسيلة في وجه التهديد ليست موازنة. نحن طيبون أكثر مما ينبغي، رقيقون أكثر مما ينبغي. فسلب الخصوصية، التي تغيب عن العالم الحديث، ليس خرقاً لحقوق الإنسان، وبالكاد يكون خُرَيقاً.
ربما يكون التطبيق الإلكتروني بالذات، الذي يسلب الخصوصية، يحسن للفلسطينيين، إذ إن كل من يلمع اللون الأخضر عليهم يمرون بسهولة وبسرعة. كم من الطيب أن يكون المرء طيباً. فلا مزيد من الطوابير الطويلة في الحواجز. من الآن فصاعداً: تمشيط، شارة ضوئية، عبور. مشابه جداً بالمناسبة لما يحصل في المطار اليوم. ينظر الناس إلى الكاميرا، يمشط جواز السفر، فيفتح الباب. ثمة بركة في هذه التكنولوجيا. تفضلون ألا تصوروا؟ انتقلوا إلى الكونغو. وفي هذا السياق، أفهم بأن حقوق الإنسان تداس هنا منذ سنين، وحقاً يبدو الوضع أصعب من أن يحتمل. وبالتالي، إذا كان سيئاً بهذه الدرجة، فلماذا لا يغادر الفلسطينيون هذا الجحيم؟ رافقتهم السلامة.
* إلى جانب النقد على منظمة “بتسلمو” في مقالي بتاريخ 27/10/2021 تجدر الإشارة إلى أنه يعنى بمساعدة قطاعات باستثناء القطاع الحريدي.
بقلم: كرني الداد
إسرائيل اليوم 10/11/2021