الوعي السياسي المتنامي على نطاق عالمي نتيجة ثورة الاتصالات، جعل إخفاء المظاهر الفاضحة لعدم المساواة، والمشكلات التي خلفها النظام العالمي الحديث أمرا صعبا وأكثر عسرا من ذي قبل. وربما يصدق التنبؤ بأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى صياغة شكل من أشكال «التعبئة السياسية العالمية» المناوئة للنظام العالمي الرأسمالي، للدفاع عن الجماعات المهمشة في صلب المجتمعات، والأغلبية الفقيرة في أنحاء العالم، على نحو تفكيك بنية هذا النظام، التي تتجلى في ضمان الإبقاء على ازدهار أوضاع الأقوياء والأغنياء على حساب الضعفاء والفقراء، ما يشكل قدرا عظيما من التفاوت غير العادل في عالمنا يدركه الجميع.
وهي ترسيمة تدعو للانزعاج في رأي منتقدي نظرية النظام العالمي، التي جرى ترتيبها وفق منطق الرأسمالية العالمية، من أمثال ستيف هوبدن وريتشارد وين جونز وغيرهما. فمؤشرات اللامساواة في العالم كثيرة، والازدهار الذي تنعم به القلة يقوم على بؤس الكثرة. وفي ذلك صدى لأفكار كارل ماركس التي تعتبر أن تكديس الثروة في أحد القطبين هو لهذا السبب، تكديس في الوقت نفسه للشقاء وعذاب الكدح والرق والجهل والقسوة في القطب الآخر.
الصور النمطية صارت صورا غير نقدية مسلما بفحواها، رسخها الإعلام الموجه في مجالات السياسة والاقتصاد والمفاهيم الحضارية عن الشعوب والثقافات المختلفة، ولم يفعل دعاة العالمية والمجتمع الأممي شيئا سوى أنهم استبدلوا بالأشكال البالية للنظم الاستعمارية أشكالا جديدة أكثر دهاء في «الاخضاع والهيمنة»، تكشف وفق منطق الرأسمالية العالمية أن «العالم الثالث» الذي يحتوي الأغلبية السكانية، على شعوبه أن تعاني، بحيث تبقى القلة في «الغرب» متمتعة بمستويات معيشة متميزة، وإن كان الأمر يتم بالغلبة وافتكاك الثروات وترك أصحابها يهاجرون من أوطانهم في قوارب الموت. ومن البيّن أن الصدمات النفطية، والركود الاقتصادي اللذين شهدهما العالم في سبعينيات القرن العشرين، قد أسهما في دفع المسائل الاقتصادية إلى الواجهة. ومع موجة العولمة ورأسمالية السوق حاول الغرب فرض «الديمقراطية الليبرالية» العابرة للحدود الوطنية، وفق مخطط السيطرة على المقدرات القومية، لصالح تجمع قوي من الدول الأوروبية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تعضدها المؤسسات الدولية المتحكمة في دوائر رأس المال العالمي. وقد أصبح الضغط الاقتصادي والعقوبات المالية والتجارية بمثابة الصيغ الحديثة للاستعمار، والرغبة في الإخضاع. وهو ما تجسد عمليا في السنوات الأخيرة ضمن ديناميكية «القوة الناعمة» رديفا «للقوة الصلبة»، ضمن سياقات الحرب الاقتصادية، التي اتخذت بُعدا يجعل من «اقتصاد البوارج الحربية» استراتيجية يمكن التقليل منها لصالح خيار العقوبات التجارية والخنق المالي، عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، على نحو يفضي إلى حصار الأنظمة وعزلها وخلق حالة وطنية صدامية غير متجانسة.
فحوى الأفكار وطبيعة المبادئ الحاكمة للسياسة الأمريكية لم تختلف، ومن الجيد أن يكشف دونالد ترامب عن حقيقة الوجه الأمريكي والتكبر الإمبريالي، الذي حول سياسات واشنطن نحو موقف أكثر تطرفا تجاه الشرق الأوسط وآسيا، لا ينفصل عن مركب الهيمنة العام الذي تمارسه على العالم. بما يكشف زيف القيم الديمقراطية التي تدعيها واشنطن وإخفاقها في ملامسة المعايير الأخلاقية المطلوبة في العلاقات الدولية، خاصة ما يتعلق بقضية فلسطين العادلة، وجوهر مثل هذا النظام الدولي شبه الفوضوي «الحسابات الاستراتيجية» وتعزيز القوة، التي قلصت المسؤولية العالمية للتصدي لقضايا الفقر والتفاوت بين الشمال والجنوب، وإجهاد المناخ والإضرار بالبيئة، فضلا عن أمن الأفراد والجماعات وحقوق الأقليات وانتهاكات حقوق الإنسان عامة. وتلك علامة إفلاس النظام السياسي الدولي، أخلاقيا وإنسانيا، رديفها فشل «وكالات نظام الحكم» من الهيئات الأممية التي تعاني العديد من مظاهر العجز الديمقراطي، والفقر القيمي لارتباطها بدوائر القرار السياسي في بعض الدول، وأيضا بمنطق السوق التجارية والهيمنة الاقتصادية والابتزاز المالي في الدعم والتمويل. ويبدو أن سيادة الدول وحقوق الشعوب مؤكدة نظريا على النطاق العالمي، بالنظر إلى خرْق أغلب المواثيق الدولية التي تنص عليها. ومثل هذه التجاوزات التي تحدُث بوتيرة متسارعة، تتسبب في تفاقم مشكلات «المجتمع الدولي المعاصر» الذي يعطي نفوذا متزايدا لدعاة مبدأ الحرية واللَبْرلة الاقتصادية، من الذين يرون في المال الغاية القصوى على صعيد السياسة، ولا تتحقق «الديمقراطية العالمية» في رأيهم إلا عندما يصوت المستهلكون والرأسماليون بنقودهم من أجل الحصول على أقصى مردود لأموالهم في الأسواق العالمية.
لم تفلح المؤسسات الدولية في نشر الاستقرار وتوطين السلام بين الأمم، وهناك دول مُصرة أن لا تدفع باتجاه السلم والأمن العالميين
العالم الذي سعت الولايات المتحدة إلى تشكيله من خلال الهيئات الدولية، يقوم على مبدأ «حكم القوة» المعنى المرتسم عمليا لدى «امبراطورية الشر المارقة» باصطلاح تشومسكي. ويجيز «الشغف الأمريكي بالتجارة الحرة» خرقها الاتفاقيات التجارية ساعة تشاء، يُوازيه خرق الاتفاقيات السياسية والانسحاب منها. وليس ثمة مشكلة في استيلاء الشركات الأجنبية الأمريكية في أغلبها على قطاعات الاتصالات والتمويل والأدوية والمواد الغذائية، وتصبح الأمور مختلفة حين تتعارض الاتفاقيات التجارية والقانون الدولي مع مشروعات الطرف الذي يعتقد أنه قوي. وما يحدث من عقوبات أمريكية تجارية على روسيا والصين وإيران ينسجم مع رغبات واشنطن في تطويع الأسواق أمام الشركات الاستثمارية الأمريكية واستعادة تفوقها الاقتصادي والمالي. لم يكن من شأن مبادئ الحرية الاقتصادية والتجارة الحرة واستراتيجيات الاندماج وفتح الأسواق أن تحقق السلام. والدول بقيت سجينة مصالحها الذاتية، وسياسة الهيمنة سببت الفوضى، ولم تفلح المؤسسات الدولية في نشر الاستقرار وتوطين السلام بين الأمم، وهناك دول مُصرة أن لا تدفع باتجاه السلم والأمن العالميين، وهي أبعد ما تكون من ملامسة القيم الديمقراطية والمعايير الجوهرية المطلوبة من المجتمع الدولي المعاصر، تدخلها في شؤون غيرها، وانتهاكها سيادة الدول يجعل أنماطها التبريرية تستنفد نفسها، وسخافاتها الفجة صارت مكشوفة لا يمكن إخفاؤها. والأمر أصبح سيئا وذميما إلى درجة السأم. ولا يتضح في الوقت الحاضر ما إذا كان يمكن أن تتحقق الديمقراطية الحقيقية في المستقبل العولمي، على نحو استمرار وحشيته النيوليبرالية. وهو ما يفرض أهمية إعادة النظر في شأن الديمقراطية باعتبارها المهمة الأولى التي تواجه «النظرية السياسية» اليوم.
كاتب تونسي
من وجهة نظري هذا عنوان (بنية النظام العالمي ومستقبل الديمقراطية) ومحاولة قراءة أكثر منطقية من المقال في الأسبوع الماضي يا د لطفي العبيدي،
ولذلك أحب أن أضيف زيارة تونس بعد هروب زين العابدين، (المحاسب) د وجدي غنيم، ورفض (المحامي) عبدالفتاح مورو تسجيل بواسطة آلة تسجيل/تدوين المقابلة بينهما،
منع إتمام لغة الحوار بين قطبي تيار فكري واحد في دولة الحداثة الأفريقية، فكيف سيكون الحال ببقية التيارات إذن، لماذا؟!
دولة الحداثة في أي مكان في العالم تعتمد مفهوم التدوين، من أجل قبول أي دعوة قانونية بخصوص أي حق من الحقوق للإنسان والأسرة والشركة المُنتجة لأي منتجات إنسانية أو حيوانية أو آلية، يمكن تداولها في السوق، وعلى ضوء ما تم تدوينه محاسبياً، يتم حساب الرسوم والضرائب والجمارك، لتغطية ما تحتاجه أي دولة من ميزانية لتغطية حاجة الخدمات مالياً،
ما خرّب العلاقة بين الدولة والإنسان والأسرة والشركة المُنتجة، هو الواسطة والمحسوبية والرشوة بكل أنواعها بداية من لغة الجسد (البغاء المهني) من قبل حامل حق توقيع ترسية تنفيذ أي مناقصة/مقاولة لخدمات الدولة،
بالإضافة إلى اساءة الدولة في استغلال الصلاحيات القانونية لفرض رسوم أو ضرائب/جمارك غير منطقية ولا موضوعية وزاد الطين بلّة، مفهوم التأميم (لسرقة أملاك وحقوق الإنسان والأسرة والشركة المُنتجة)، مما يضطره إلى الهجرة إلى دولة أخرى،
بسبب غباء اقتصادي، لم تتمكن الدولة بسببه، من توفير ما تحتاجه ميزانية الدولة من أموال لتوفير خدماتها،
زاد الطين بلّة استغلال المحاسب والمحامي الثغرات أو تعارض النصوص القانونية، بسبب تقصير مسؤول التشريع/صياغة النصوص القانونية،
ليصبح كل منهما شريك للدولة في الإيرادات/الدخل، من خلال التأويل الفاسد للنص القانوني.