بوريطة: العاهل المغربي على تواصل دائم مع أطراف أزمة الخليج للتقريب بينها

محمود‭ ‬معروف
حجم الخط
0

الرباط –« القدس العربي»: قضايا كثيرة تناولها وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، في حواره مع قناة الجزيرة، الأربعاء. وإذا كانت هذه القضايا تعني موقف المغرب من القضايا العربية المثيرة للنقاش، فإنها أيضاً تعني علاقات بلاده مع عدد من العواصم العربية التي اكتنف بعضها الغموض خلال الأسابيع الماضية.
وقال ناصر بوريطة في حديث خص به برنامج «بلا حدود» بثته قناة (الجزيرة) القطرية، إن مواقف المغرب من الأزمات في المنطقة العربية يحكمها منطق الاستقلالية والقناعة، والعمل على توحيد الصفوف وليس الاصطفاف مع أي طرف ضد الآخر.
وأوضح بوريطة، في رابع إطلالة له على شاشة عربية منذ توليه رئاسة الدبلوماسية المغربية قبل عامين، أن موقف بلاده الحيادي من الأزمة الخليجية والحصار السعودي الإماراتي على قطر «لا يعني عدم المبالاة»، كما أنها لا تسلك طريق الاصطفاف مع أي طرف ضد طرف آخر، بل تسعى إلى المساعدة في حل الأزمة، وتؤمن بمسؤوليتها في العمل على رأب الصدع وتقريب وجهات النظر، والاستماع إلى الجميع والمساعدة على تجاوز هذا الوضع.
وقال إن موقف المغرب من هذه الأزمة ينبني على منطلقات واضحة، أساسها العلاقة الشخصية القوية التي تربط الملك محمد السادس بكافة قادة الخليج، والعلاقة الاستراتيجية القوية للمغرب مع بلدان المنطقة ككل، ومن جهة ثالثة قناعة الملك بأن العالم العربي محتاج إلى بيت خليجي متكامل، باعتبار أن هذا البيت كان بمثابة نقطة الضوء الوحيدة في ظلام العالم العربي». وأكد أن علاقات المغرب مع دول المنطقة ليست علاقات دبلوماسية فقط، كما أنها ليست علاقات مرتبطة بمراحل معينة، وإنما هي علاقات استراتيجية تستند إلى آليات وأدوات للعمل، وهو ما يخول للمغرب أن يقوم بدور أساسي إيجابي وبناء في التقريب بين وجهات نظر الأطراف.

سبب استثناء المغرب من جولة بن سلمان

وكشف بوريطة ولأول مرة عن سبب استثناء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للمغرب من جولته المغاربية التي قام بها منذ شهرين وشملت كلاً من تونس والجزائر وموريتانيا، مروراً بالأجواء المغربية. وقال بوريطة إن المغرب كان من ضمن جولة ولي العهد السعودي للمنطقة، غير أنه كانت هناك ترتيبات، كما هو الحال بالنسبة لزيارات كل قادة الخليج، مؤكداً أن المغرب يرحب بالجميع، وكل الزيارات تتم وفق قنوات توافق. وقال: «زيارة بن سلمان للمغرب كانت ضمن برنامج زياراته للمنطقة، ولكن هناك ترتيبات وتوافقات حول التواريخ، وأيضاً الطموح الذي نريده من هذه الزيارة. والزيارات ترتب، وكل قادة مجلس التعاون الخليجي نرحب بهم ونستعد لزياراتهم، ولا يجب اختزال العلاقات بين البلدين في الزيارات»، مشدداً على أن الضامن لمتانة العلاقات بين السعودية والمغرب، هو العلاقات الأخوية القوية الموجودة بين الأسرة الملكية بالمغرب والأسرة الملكية في السعودية.
وعن الموقف من الأزمة اليمنية والمشاركة في التحالف العربي، ذكر بوريطة بأن المغرب شارك في أنشطة التحالف، غير أن التطورات التي حصلت على مستوى الوضع والجوانب الإنسانية والسياسية، دفعته لتقييم هذه التطورات وعمد على إثر ذلك إلى «تطوير أو تغيير شكل ومضمون مشاركته». وأكد أن المغرب لم يشارك في آخر المناورات العسكرية التي شاركت فيها دول الخليج والمنطقة، كما أنه لم يشارك في عدد من الاجتماعات الوزارية لدول التحالف.
وغاب المغرب للمرة الثانية على التوالي، بداية شهر كانون الثاني / يناير الجاري، عن مناورات «الموج الأحمر»، في السعودية، في وقت شاركت الدول العربية الست المنخرطة في التحالف الذي يشن الحرب على اليمن.

دعم الشرعية في اليمن

وأكد المسؤول المغربي أن من ثوابت الموقف المغربي دعم الشرعية في اليمن ودعم الخطة الخليجية في هذ الشأن، وفي الوقت نفسه الوقوف إلى جانب الدول الخليجية درءاً لكل ما قد يهدد أمنها وسيادتها، وعبر عن القلق الكبير إزاء الجوانب الإنسانية، لأن من ضمن ما يحز في النفس أن يكون اليمن في معاناة إنسانية هي الأسوأ في العالم، بحسب تقييم الأمم المتحدة، معرباً عن الأمل في أن يأخذ مسار ستوكهولم الفرصة وأن يحظى الملف الإنساني باهتمام أكبر، وأن تحفظ لليمن وحدته الترابية.
وكشف وزير الخارجية المغربي خلفيات قطع العلاقات مع إيران، بعد رصد الرباط لـ»مشاركة حزب الله اللبناني في تدريب عناصر جبهة البوليساريو»، وقال إن «علاقتنا مع إيران منذ مدة متذبذبة للأسف، وكل مرة نمر بأزمة، وبعد توافقات وتفاهمات حول كيفية تقوية علاقتنا والحفاظ على الاحترام المتبادل، تظهر أمور تمس بتلك التفاهمات ومصالح المغرب». وأوضح أن المغرب قطع علاقته بإيران عام 2018 «عن قناعة»، لأن سياسة الملك مبنية على الاستقلال، والدليل اختياره سياسة الحياد في الأزمة الخليجية، وأن مشاكل الرباط مع طهران «ثنائية بسبب أمور تمس قضية المغرب الأولى وهي الصحراء، وغير مرتبطة بأزمات إيران مع دول أخرى».
وأوضح بوريطة أن الأزمة مع إيران بدأت عام 2009 «انطلاقاً من تهديداتها ضد البحرين التي اعتبرها المغرب في إطار علاقته الخاصة مع دول الخليج، خطاً أحمر، وبناء على ذلك قطع علاقته مع طهران، لافتاً إلى أن العلاقات عادت في 2014 بناء على تفاهمات ونقاش وقراءة للماضي و»للأسف بعد ذلك لاحظنا أن هناك أموراً تمس بمصالحنا وقضايا حساسة للمغاربة، وخاصة قضية الصحراء»، لذلك فإن المغرب يتفهم مواقف وقلق السعودية والإمارات والبحرين مما تقوم به إيران من تدخلات في الشأن العربي، ويشاطرهم الرأي في كثير من الأمور.
وأكد أن التوتر الأخير بين البلدين بدأ بـ»الدعم الإعلامي من خلال حزب الله ودعوته أفراداً من البوليساريو إلى اجتماعاته بلبنان، وبعد إلقاء المغرب القبض على شخص مهم من الحزب وتسليمه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ثم المرور إلى مرحلة أخرى عبر تقديم دعم لوجيستي، قبل أن يصلوا إلى تدريبات عسكرية وزيارة أطر أمنية لحزب الله بتنسيق مع سفارة إيران بالجزائر، وذلك بمواعيد وأسماء وتواريخ وأماكن». وقال إن زيارته إلى طهران قبل إعلان المغرب قطع علاقاته معها، كان «بمنطلق الاحترام وثقة المغرب فيما لديه من معطيات، وحتى لا يُساء فهم قرارنا»، وأجوبة إيران لم تكن واضحة، «وإلى حد الآن لم نسمع منهم أي نفي لوجود علاقة لهم مع الجبهة أو إعلانهم عدم الاعترف بها، ولم نسمع منهم أن الجبهة جماعة مسلحة وأنهم مع سيادة المغرب على صحرائه»، وأن إيجابات المسؤولين الإيرانيين عن تساؤلات المغرب حينها «لم تكن في الصميم»، موضحاً أن إيران اعتبرت أن حزب الله لا علاقة له بالبوليساريو، وما يقوم به أفراد بسفارتها في الجزائر «ليسوا ديبلوماسيين بل هم تابعون لتنظيمات معينة، وكل ما كانوا يقولون لنا هو: أعطونا أدلة حول ما تقولون».
وقال بورطة حول شروط الرباط إعادة العلاقة بين البلدين، إن المغرب ينطلق من منطلق المصداقية في علاقته بالدول، و»إذا تم الأخذ بتفاهمات فيجب أن تطبق، وإذا تم طي صفحة فيجب طيها فعلاً، وإلى حد الآن لم نسمع موقفاً واضحاً عن علاقة إيران بالجبهة».

التزام ثابت ودائم بقضية فلسطين

وأكد وزير الشؤون الخارجية المغربي أن موقف بلاده تجاه القضية الفلسطينية ثابت وحاضر في كل التحركات الدبلوماسية للملك وللدبلوماسية المغربية، وذكر بالخطوات التي اتخذها المغرب عندما قررت الولايات المتحدة الأمريكية نقل سفارتها في تل أبيب إلى القدس، وأكد أن المغرب تحرك محذراً من الخطوة الأمريكية، من خلال استدعاء القائم بأعمال السفارة الأمريكية، وكذلك من خلال رسالة الملك إلى الرئيس الأمريكي.
وقال إن الدفاع المغربي عن القضية الفلسطينية لا يتم فقط بالبيانات والاجتماعات، ولكن بالعمل الميداني. واستحضر ما تقوم به وكالة بيت مال القدس، التابعة للجنة القدس الإسلامية التي يرأسها العاهل المغربي، من عمل يومي سواء من حيث بناء المدارس للمقدسيين أو توفير العيش الكريم يومياً لـ 2500 أسرة مقدسية، أو كفالة 150 يتيماً مقدسياً، أو في التكفل بتغطية مصارف عطلة استجمام في المغرب لــ 50 طفلاً مقدسياً، أو في العمل على ترميم بيت المغرب الواقع على بعد أمتار من المسجد الأقصى المبارك ليكون مفتوحاً أمام المقدسيين، وهي نتاج عمل ميداني يومي تقوم به الوكالة بتمويل مغربي صرف.
وفي الشأن السوري، أكد ناصر بوريطة أن المغرب لم يقطع علاقاته الدبلوماسية مع دمشق، وهو بهذا المعنى «ليس ضمن منطق إعادة العلاقات مع هذا البلد أو إعادة فتح السفارة»، وقال إن هناك تغيرات طرأت على أرض الواقع في ما يخص الوضع السوري ينبغي أخذها بعين الاعتبار، بقدر الحاجة والضرورة الماسة إلى وجود دور وتنسيق عربيين قبل اتخاذ أي قرار، مع ربطه بالأفق والكيفية التي سيساعد فيها على حلحلة الوضع القائم.
وحول القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، في دورتها الرابعة التي استضافتها بيروت مؤخراً، وترأس فيها وفد بلاده، قال وزير الخارجية المغربي إن السؤال الأساسي يبقى حول انتظارات العرب وما يريدونه من هذه القمة، وحول ما إذا كانت الجوانب الاجتماعية والاقتصادية تمثل اليوم أساساً لما هو منتظر من النظام العربي، أم أنها من قبيل المشاكل أو القضايا الهامشية.
وقال رئيس الدبلوماسية المغربية إن العلاقات المغربية الإفريقية تندرج في إطار رؤية الملك المشجعة على «تنويع الشركات وتقوية ما لدينا والانفتاح على فضاءات أخرى»، بأن إفريقيا شكلت منذ تولي جلالته العرش أولوية بالنسبة للمغرب وذكر بأن «هذا النموذج المغربي مع إفريقيا هو نتاج مسار طويل في تطوير العلاقات»، وهي لا تنبني على عملية اصطفاء «هذا بدل الآخر»، وإنما تمثل أفق المغرب وتطلعاته إلى ربط الشراكات مع الجميع، فهو «يريد في نفس الوقت مغرباً عربياً واتحادًا إفريقياً ومنطقة اقتصادية عربية وعلاقات قوية مع الاتحاد الأوروبي وشراكة مع روسيا ومع الصين». وأكد وزيرالخارجية المغربي، في حواره مع قناة الجزيرة، أن مشاكل اتحاد المغرب العربي الذي يربط بلاده مع ليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا منذ 1989 ويعرف جموداً منذ 1995، مرتهنة بما تعرفه العلاقات الثنائية بين الجزائر والمغرب من توتر، فلا وجود لاندماج إقليمي بدون علاقات ثنائية أو في ظل حدود مغلقة.

العلاقة مع الجزائر

وقال بوريطة إن الملك محمد السادس دعا الجزائر للدخول في حوار مباشر، وأن سياسة اليد الممدودة هذه جاءت من قناعة شخصية للملك بـ»أن الشعبين المغربي والجزائري، لديهما إرادة صادقة في فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية»، والملك اقترح من هذا المنظور «إطاراً مرناً تختار الجزائر منه المستوى والموضوع وفقرات العقد»، على أن الأساس هو أن «يكون هذا الفضاء مجالاً للحوار الثنائي»، تعالج ضمنه المشاكل دون الحاجة إلى وسطاء.
وعبر الوزير بوريطة عن الأسف لكون دول المغرب العربي أضاعت فرصاً كثيرة، «فبعد 35 اجتماعاً لوزراء الخارجية و100 اجتماع للجان التقنية لم يتحقق شيء، بل إن المغرب العربي اليوم أضعف منطقة على مستوى الاندماج الاقتصادي، تفقد فيه سنوياً كل دولة من دوله، نتيجة لهذا الوضع، 2 في المائة من نسبة النمو، وتخسر على مستوى تطور الدخل الفردي نسبة 34 في المائة».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية