لندن ـ “القدس العربي”:
تساءلت مجلة “بوليتيكو” إن كان للرئيس الأمريكي جو بايدن استراتيجية تجاه إيران، وأجابت ألا أحد في إدارته يؤمن بأن هذه الإستراتيجية موجودة.
ولعل الإستراتيجية الوحيدة التي يمكن التحدث عنها هي إبعاد ملف التحدي الإيراني عن مكتبه.
وفي التقرير الذي أعدته ناحال توسي، قالت “عندما سألت مسؤولا أمريكيا عن استراتيجية جو بايدن لإيران، قوبلت مباشرة بضحك، ثم قال المسؤول: تعرفين الكثير من الناس داخل الإدارة يسألون نفس السؤال، أحيانا سألوه في اليوم الاول وأحيانا بعد ستة أشهر”. و “لدي جواب لهم: لا توجد استراتيجية إيرانية لدى بايدن”.
وبحسبها فإن أراد أن ينهي الفوضى في الشرق الأوسط فيجب عليه التقدم بواحدة. فالنظام الإسلامي في إيران هو في جذر الكثير من مشاكل وعدم استقرار المنطقة ويمثل تهديدا حقيقيا على مصالح الولايات المتحدة. وتقترب إيران من الحصول على القنبلة النووية، وتنشر جماعاتها الوكيلة الفوضى خارج حدودها، وداست على المعارضة الداخلية، وكما كشفت الهجمات المباشرة ضد إسرائيل فقد تطور برنامج الصواريخ الباليستية لديها وأصبح قويا.
وفي معظم الوقت كان الهدف الأول لبايدن ومساعديه ليس حل اللغز الإيراني، بل إبعاده عن مكتب الرئيس. وقال مسؤول أمريكي ثان “الإستراتيجية هي ترك الأمور تغلي على نار هادئة، سواء كانت نووية، إقليمية أو أي شيء آخر. وكان هذا هو النهج ولبعض الوقت”. وهناك خلاف بين الناس في واشنطن بشأن تعريف الإستراتيجية، حيث استخدمها بعضهم بشكل عام. وعادة ما يتذمر البعض من الحديث عن الوثائق التي تنسب لصناع السياسة باعتبارها استراتيجية وهي ليست استراتيجية في الواقع.
عندما سألت مسؤولا أمريكيا عن استراتيجية جو بايدن لإيران، قوبلت مباشرة بضحك، ثم قال المسؤول: تعرفين الكثير من الناس داخل الإدارة يسألون نفس السؤال
ويظل هذا حديث مجرد يفشل في التصدي لتحديات السياسة الخارجية. وفي النهاية فإن لم يكن الهدف حل المشكلة فلا توجد هناك استراتيجية.
وعندما يتحدث صناع السياسة عن “احتواء” و”خفض التوتر” و “ردع” و”إدارة مخاطر” لوصف نهج بايدن من إيران، فإنهم يتحدثون عن تكتيكات لا استراتيجيات. ويبدو أن الرئيس لديه اعتقاد بأن إيران تمثل مشكلة، لكن ليست لديه خطة لحلها.
وأشارت الكاتبة إلى أن باراك أوباما حاول حل المشكلة الإيرانية ووقف برنامجها النووي. وكان لدى إدارته طريقة لتحقيق الهدف من خلال الربط بين العقوبات والدبلوماسية، وهي استراتيجية ورثتها على ما يبدو من إدارة جورج دبليو بوش. ونجحت الإستراتيجية وولدت الاتفاقية النووية.
وبحسبها لاحظ مراقبون أن الصفقة لم تكن جيدة بشكل كاف وتساءلوا قائلين إن هدف أوباما الحقيقي لم يكن حل المشكلة بل التوصل لتقارب مع إيران، عدوة أمريكا. وربما كان أوباما يأمل بعلاقات جيدة مع إيران، لكنه كان مجرد أمل وليس استراتيجية.
ثم جاء دونالد ترامب وقتل استراتيجية إدارة أوباما والأمل معها، عندما تخلى عن الاتفاقية النووية. لكن ترامب، وعلى خلاف بايدن كانت لديه استراتيجيته وهي تغيير سلوك النظام الإيراني وليس النظام نفسه، مع أن ما طلبته إدارة ترامب لتغيير السلوك كانت جذرية وتصل إلى حد المطالبة بتغيير النظام.
ولحل مشكلة إيران ولو نظريا، تبنى ترامب سياسة “أقصى ضغط” وتشديد العقوبات والمقاطعة على طهران. وفشل ترامب في تحقيق استراتيجيته.
وأشارت الكاتبة إلى أنه عندما تولى بايدن المنصب كانت لديه خطة نصف مطبوخة لإحياء المفاوضات النووية بدون استراتيجية. ووضع شروطا صعبة، مثل موافقة إيران على صفقة أكثر تشددا، وتأخر بايدن في محادثات إحياء الصفقة النووية حتى وصول الحكومة المتشددة التي جاءت بطلباتها الخاصة. ونظرا لفشل إدارة بايدن بتحقيق هدف إحياء الإتفاقية النووية، فإنها لجأت لتحقيق بعض الانتصارات، مثل تبادل الأسرى مع طهران، واقتضى هذا التبادل تقديم تنازلات أطلق الجمهوريون عليها “فدية”.
ثم دعمت الإدارة لفظيا وتكنولوجيا حركة الاحتجاج الإيرانية التي لم تعمر طويلا. وطوال المحاولات، حافظت الإدارة على العقوبات التي فرضها ترامب على إيران بعد خروجه من المعاهدة النووية.
ولكن العقوبات لم تنجح، لأسباب خارجة عن سيطرة الإدارة أو لأنها لم تملك الإرادة لفرضها، كما ولم تضر كثيرا بالإقتصاد الإيراني أو تدفع النظام لتغيير سلوكه.
وبنظرة فاحصة لسياسات بايدن من إيران، فهو وإدارته لم يطالبا بتغيير النظام، ولا حتى ترامب. وعلى خلاف الأخير لم تدع إدارة بايدن أنها تريد تغيير سلوك النظام، وهناك البعض في داخل الإدارة مثل مستشار الأمن القومي يتحدثون عن “ردع” أو “مواجهة” إيران. كل هذا يعني أن هناك محاولة لإدارة المشكلة وليس حلها. وربما توصلت إدارة بايدن إلى أنه لا توجد طريقة واقعية لحل المشكلة وأن إيران باتت مشكلة مستعصية. وأصبح موضوع إيران ساما بدرجة كبيرة في واشنطن مثل الهجرة، حيث تؤدي الدعوة للتعامل معه إلى توبيخ.
وهناك تحد آخر، وهو أن روسيا والصين اللتين تعاونتا مع واشنطن في إيران، تساعدان إيران الآن على تجنب العقوبات، بسبب توتر علاقاتهما مع الولايات المتحدة. وربما لا تزال إدارة بايدن تبحث عن عامل مؤثر يغير المعادلة الإيرانية. ولهذا السبب حاول بايدن ومساعدوه استغلال هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر لتحقيق رؤيتها حول شرق اوسطي متكامل.
وهذه هي استراتيجية في حد ذاتها، ومشكلتها أنها تحاول رأب الخلافات بين إسرائيل والدول العربية من خلال ترتيبات اقتصادية ودبلوماسية وأمنية. وكان التعاون الجوي المشترك لتدمير المسيرات والصواريخ الإيرانية مثالا عن هذا التكامل.
وتقول الكاتبة إن واشنطن تأمل بتحقيق تطبيع سعودي- إسرائيلي ومعاهدة أمنية أمريكية- سعودية وموافقة إسرائيل على هدف الدولة الفلسطينية. وكل هذه الطموحات تعتمد على بعضها البعض وربما احتاج الأشخاص الذين يدفعون بها لشراء ورقة يانصيب.
النظام في إيران في جذر الكثير من مشاكل وعدم استقرار المنطقة ويمثل تهديدا حقيقيا على مصالح أمريكا. وتقترب طهران من الحصول على القنبلة النووية، وتنشر جماعاتها الوكيلة الفوضي
وأشارت إلى أن المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي، أدريان واتسون قالت: “نحن لا نمارس السياسة من خلال الملصقات الواقية، بل نركز على تقليص قدرات إيران وتقوية قدرات شركائنا وحلفائنا”.
وبحسب الكاتبة فربما اعتبر الواحد التكامل الإقليمي استراتيجية لأنه يضع السعودية وإسرائيل في صف واحد للضغط على إسرائيل، لكن ليس هذا هو الحال، فالشرق الأوسط متشرذم ومعقد لكي تحاول الولايات المتحدة بناء استراتيجية تكامل قد تنجح يوما وتؤدي إلى تغيير جذري في إيران. فقد أعادت السعودية علاقاتها مع إيران في وقت حاولت فيه البحث عن علاقة مع إسرائيل. فالغضب العربي ضد إيران لن يتفوق على الغضب من إسرائيل بسبب حرب غزة.
وتختم بالقول ربما شهدت الجمهورية الإسلامية انتقالا في السلطة، فالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في الثمانينات من العمر ومريض. وربما وجد بايدن فتحة هناك، فتغير القيادة هي لحظة خطيرة في الديكتاتوريات،هذا إن كان لدى بايدن استراتيجية.