لم يفلح مايك بومبيو في العثور على بوّابة واحدة، أو حتى كوّة ضيّقة، ينفذ من خلالها إلى سجلات أوائل التاريخ، فكان أن اخترع لنفسه هذا المنفذ: أنه أوّل وزير خارجية أمريكي يزور مستوطنة إسرائيلية، غير شرعية في عرف القانون الدولي وكذلك وفقاً للرأي القانوني الذي أبدته الخارجية الأمريكية ذاتها في عام 1978، مشيدة على أراض فلسطينية محتلة، عنصرية بالضرورة.
فضيلة مستوطنة بساغوت، مع ذلك، أنها تصنّع طرازاً من النبيذ الأحمر أطلق عليه المستوطنون اسم بومبيو، تذوّقه صاحب التسمية؛ لكنّ الانتشاء النبيذي لم يكن وراء بذاءات المتذوِّق اللاحقة، حول اعتبار المستوطنات والجولان السوري المحتل أرضاً إسرائيلية، أو إضفاء الشرعية على منتجات الاستيطان المختلفة على نقيض القرارات الدولية المختلفة، أو الوعيد بتصنيف حركة مقاطعة دولة الاحتلال في خانة العداء للسامية.
والأيام العشرة التي صرفها بومبيو في فرنسا وتركيا وجورجيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي والإمارات وقطر والسعودية لم تكن من قبيل السياحة الأخيرة، صحبة السيدة بومبيو، على حساب الخارجية الأمريكية، ومن باب وقفة وداع على أطلال تحصيل حاصل في السياسة الخارجية كان أحمق النهج مغامراً ومتهوراً وخاوي الوفاض، فحسب. بل توجّب كذلك أن تكون الجولة أشبه بمحاولة بطة عرجاء التحليق في سبع سماءات، ما وراء المحيط، ومن بطريركية هنا إلى مصنع نبيذ استيطاني هناك، ومن وقفة بلا طعم أو لون في قصر الإليزيه إلى أخرى في أبو ظبي والرياض قد يكون محتواها الأهمّ تقبّل العزاء في خسران رئاسة دونالد ترامب.
و”البطة العرجاء”، كما هو معروف، تعبير شاع منذ أمد طويل في الولايات المتحدة، يُحسن حقاً وصف حال الإدارة الأمريكية خلال الأسابيع التي تفصل بين الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) صبيحة إعلان الانتخابات الرئاسية، والعشرين من كانون الثاني (يناير) حين يتسلم الرئيس الجديد دفّة الحكم. ترامب هو البطة الأمّ بالطبع، وصغاره من البطّ تعجّ بهم مكاتب البيت الأبيض والوزارات المختلفة؛ حيث يكون الأبرز في القطيع أمثال وزير العدل على النطاق الداخلي (وفي هذا يتبارى وليام بار مع بومبيو في مقدار الخنوع أمام ترامب)؛ أو وزير الدفاع (وقد أراحه ترامب سريعاً، فأطاح به)؛ أو وزير الخارجية (الذي فاز بالضربة القاضية على جميع أتباع الرئيس، حين استبشر بانتقال سلس نحو إدارة ترامب الثانية).
ولا يظننّ أحد أنّ “بطبطة” بومبيو (من صوت البطّ، غنيّ عن القول!)، في فلسطين المحتلة وأبو ظبي والرياض على نحو خاصّ، كانت محض مزامير أخيرة في الإعراب عن ولائه لسيّده الموشك على الرحيل، فقط؛ بل ثمة أجندة أخرى ذاتية وشخصية، لعلها أشدّ أهمية وأوضح مغزى: أنّ رجل الأعمال، النائب السابق عن ولاية كانساس، عضو “حزب الشاي” اليميني المحافظ، مدير وكالة المخابرات المركزية السابق، وزير الخارجية الحالي… لا يزمع مغادة مبنى الخارجية إلى سلّة مهملات التاريخ، بل هو عاقد العزم على ترشيح نفسه لبطاقة الحزب الجمهوري في رئاسيات 2024، ربما في وجه سيّده الراهن على وجه التحديد!
وهو في هذا المسعى يقتدي بمعلّمه ترامب، فلا يغازل فريقاً شعبوياً في الولايات المتحدة بقدر ما يفعل مع المجموعات الإنجيلية، سواء عبر التيارات المسيحية الصهيونية الأمريكية أو اعتماداً على مجموعات الضغط الإسرائيلية الموالية لحزب الليكود واليمين المتدين الإسرائيلي. ولم يكن غريباً أنّ بومبيو حرص على زيارة “مغطس” تعميد المسيح، قرب نهر الأردن؛ كما تلقى بركات الزعيم الأمريكي الإنجيلي بوب فاندر بلاتس، المدير التنفيذي لـ”قمّة زعامة العائلة”، الذي سبق له أن زار مستوطنة بساغوت وتذوّق النبيذ ذاته.
الأهمّ من هذا وذاك أنّ بومبيو لا يبطبط خارج سرب شعبي وشعبوي أمريكي حاشد، متنوّع المشارب والطبقات والديانات والأعراق للعلم؛ تجلت تعبيراته صريحة في 71 مليون ناخب حلموا بولاية ترامب الثانية، ويتطلعون اليوم إلى خير الخَلَف!
اخاطبك يا بومبيو الوقح واذكرك انت وكل اتباع رئيسك القذر القابع في بيته الاسود المتباكي على اطلاله بعدما افل نجمه جزاء ما فعلته تغريداته وقراراته وعنجهيته وتكبره بأنه لا كبير الا الله ما حصدتموه من فشل واذلال واضح يعتبر استجابة من المولى عز وجل لدعاء الثكالى واليتامى من ابناء شعوبنا المنكوبة أولا بزعاماتها المستبدة وثانيا بطغيان امريكا وعربدتها ومخالفتها الصريحة لكل الأعراف الدولية وانتقاما لأرواح الضحايا في العراق وسوريا وفلسطين واليمن وليبيا ومهما كتبت اننا او غيري فلن تعبر تعليقاتنا عما يجيش في صدورنا من غليان وكره لاستبداد أمريكا واجرام ترامب وحبيبه المدلل بومبيو فكلاهما وجهان لعملة واحدة اسمها العنصرية
عندما يحمل أكثر من متابع للأحداث نفس الانطباع عن شخص ما فاعلم أنه انطباع صحيح مائة في المائة. ثوب وزارة الخارجية واسع جدا على بومبيو إلى الدرجة التي أثارت سخرية بايدن، و لكن مما يثير السخرية أكثر هو طموح بومبيو إلى الرئاسة و لعابه الذي يسيل عليها، هذا الطموح الذي لم تخطئه العين الثاقبة للأستاذ الحديدي حفظه الله كما لم تخطئه عيوننا الكليلة.