تبلور خطة تطويق طهران عبر خلق التكتل العسكري-الاقتصادي
الانطباع لدى متابعين في واشنطن أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى المنطقة كانت ناجحة. الهدف إزالة العقبات الماثلة على طريق تنفيذ الرؤية الاستراتيجية الأمريكية الشرق أوسطية، ومرتكزها إيران وإسرائيل. لا خلاف على أن إعلان الإمارات التطبيع مع إسرائيل يصبّ في مصلحة المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب في وجه منافسه الديمقراطي جو بايدن، وقد حقق غرضه. في رأي هؤلاء أن حض دولة ثانية أو ثالثة للالتحاق بأبو ظبي في إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل قبل الانتخابات الرئاسية مفيد، لكن الناخب الأمريكي وصلته الرسالة من “إعلان الاتفاق الإبراهيمي” الذي اتّكأ عليه ترامب ليُقدّم نفسه “رجل سلام” في خطاب قبول إعادة ترشيح الحزب الجمهوري لولاية ثانية.
مشهدية التوقيع لها وقعها الإيجابي، إنما حساباتها مختلفة. الضروري الآن هو الدفع في سياسة إعادة الجنود إلى الديار، إيفاءً بتعهدات حملته الأولى، بوصفه عنصراً مؤثراً على الناخب الأمريكي، والمهم أيضاً تبلور خطة تطويق طهران عبر خلق التكتل العسكري – الاقتصادي القادر على مواجهة التهديد الإيراني في المنطقة. والخطة هي الترجمة العملية لـ”الناتو العربي” الذي تطالب به إدارة ترامب، وتعوّل على صوغه علاقة تحالف متراصة مع تل أبيب يُفترض أن يكون الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي قد شق الطريق العلنية إليه.
ويكشف مطلعون عرب أن “الاتفاق الإبراهيمي” جاء في سياق اتفاق استراتيجي شامل وموسّع ببنود تتخطى العشرين، صيغ بدقة بين الأمريكيين والخليجيين. وقد سمحت جرأة الإمارات في إحداث اختراق على مستوى عملية السلام. قَدَّم إعلان التطبيع السلام خطوة إلى الأمام، وأُرفقت الخطوة الإماراتية بتأكيد عربي قادته السعودية بإعلانها التمسّك بالمبادرة العربية للسلام المنبثقة عن قمة بيروت في 2003، والتي تنص على قيام دولة فلسطينية مستقلة مقابل التطبيع الكامل مع إسرائيل، بمعنى تطبيق معادلة الأرض مقابل السلام.
لن يكون هناك استعجال في الانضمام إلى ركب الإمارات، سواء من البحرين أو سلطنة عُمان أو السودان وحتى المغرب. التطبيع العربي الشامل حاصل في نهاية المطاف، لكن خطاه العلنية ستكون بطيئة بالنسبة إلى الآخرين. ستتكفل الإمارات بـ”إجراءات بناء الثقة”، بالأمس أمرت بإلغاء قانون مقاطعة إسرائيل، وغداً ستستقبل أول وفد رسمي في رحلة مباشرة للمرة الأولى لطيران العال. وسيكون جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره وكذلك مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين في عداد الوفد. وحيثما وُجِد كوشنر يكون البحث متعلقاً بخطته للسلام – ما يعرف بصفقة القرن.
ما يُشير إليه مطلعون عرب أن الاتفاق الاستراتيجي يتناول الملفات الساخنة والعالقة نظراً إلى تشابكها وتداخلها بعضها ببعض. الأزمة الليبية حاضرة بقوة على الطاولة، وبحثها بومبيو في الإمارات، وكذلك حاضر الدور التركي الماضي في بث “الإسلام السياسي”. لا بدّ من حلول متوازية في الإقليم يأتي الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي في إطارها.
سيخفت موضوع صفقة طائرات الـ”أف 35″ كسلاح متقدّم تعارض إسرائيل بأن تحصل عليه الإمارات. التعويل هو على أن الاتفاق الاستراتيجي بكل مندرجاته تمَّ مع أمريكا، المعنية بأن تفي بتعهداتها الضامنة. لكن شمولية الاتفاق وتشعبه وتعقيداته لا تشي بقرب إنجازه، وإن كانت زيارة بومبيو ارتكزت في جانب منها على حلحلة التعقيدات الآيلة إلى وضعه موضع التنفيذ، ومن ضمنها الوحدة الخليجية التي يؤكد عليها الأمريكيون شرطاً للنجاح في مواجهة إيران، حيث تخوض واشنطن راهناً معركة قاسية ومفتوحة مع الأمم المتحدة لتجديد الحظر على بيع الأسلحة لهذا البلد الممعن في سياسة تمزيق المنطقة، وهي معركة يتّحد فيها العرب وإسرائيل.
تشابك الملفات يحتاج وقتاً للتفكيك، ومن الصعب أن تكون لإدارة ترامب القدرة على إنجازها قبل الانتخابات الأمريكية. ستسير بين نقاطها، وبما يُعزّز فرص الرئيس المرشح. فـ”الكباش” الحامي بين “البيت الأبيض” ومجلس الأمن يرفع منسوب الخطر، خصوصاً في ظل السلاح الذي شهرته الإدارة الأمريكية بالاحتكام إلى آلية “سناباك” الموجودة في الاتفاق النووي والتي من شأنها أن تُعيد تطبيق سلسة من العقوبات الدولية على إيران، من ضمنها حظر الأسلحة. فهذه المعركة لها تداعياتها على الحملة الانتخابية الرئاسية، غير أنها ستفتح الشرق الأوسط على مزيد من الصراع، إذا ذهبت الصين وروسيا إلى تعزيز تحالفاتهما العسكرية مع طهران التي لديها أذرعها الميليشياوية المزعزعة للاستقرار في المنطقة. ولن يكون في يد واشنطن خلال مرحلة الانتظار لتبيان نتائج المواجهة الأممية مع أمريكا، والتي التحق بها الأوروبيون، سوى رفع الصوت للحلفاء بالانضمام بفعالية إلى حملة الضغط الأقصى على إيران.