عرفت فترة السبعينيات، من القرن الماضي، في الوطن العربي ظاهرة «البيانات» التي كان يصدرها مثقفون حول إحدى القضايا التي تشغل بال النخبة الثقافية العربية. تمحورت بعض هذه البيانات حول الشعر والمسرح والسياسة، وجاءت كلها لتكون تعبيرا عن طموح نحو تشكيل رؤية جديدة، من جهة، وانخراط مجموعة من المثقفين في الالتفاف حولها، والتوقيع عليها للدلالة على أهمية تلك الرؤية الجديدة والاتفاق على المساهمة في الدفاع عنها، والعمل على بلورتها وتطويرها لتتحول إلى واقع، من جهة ثانية. كان يكمن في خلفية بروز تلك الظاهرة «البيان الشيوعي» الذي جاء لتقديم رؤية جديدة للعالم بهدف العمل على تغييره بدل تفسيره. كان حماس العمل الجماعي، وطموح المشاركة في التغيير يمثل تصورا مشتركا بين أجيال من المثقفين. وتلاشى بعد ذلك هذا الطموح وذاك الحماس، فاختفت مثل هذه الظواهر، وسادت روح التشاؤم والتراجع.
لكن المجتمعات المتطورة لأنها تنهض على أساس مراكمة الخبرات والتجارب لا يمكن إلا أن تبرز فيها ظاهرة البيانات، أو ما يتصل بها، كلما بدت ضرورة ذلك مناسبة للعمل على الاشتراك في تأسيس رؤية جديدة للعمل تتلاءم مع ما يفرضه واقع التحول. نجد دليلا على ذلك في «بيان الإنسانيات الرقمية» الذي برز على إثر اجتماع مجموعة من الباحثين في باريس بتاريخ 18 و19 مايو/أيار 2010، لمناقشة واقع العلوم الاجتماعية والإنسانية، والآداب والفنون، وما آل إليه مع التطورات التي فرضتها الرقميات. شارك في هذا اللقاء باحثون ومختصون في الدراسات الإنسانية والاجتماعية والأدبية والفنية، علاوة على المهتمين بالمعلوميات والدراسات الرقمية. وبعد نقاشات موسعة، والاستفادة من تجارب سابقة في المضمار نفسه اتفق الباحثون على توقيع بيان اتسع لـ260 موقعا من فرنسا بصورة أساسية، بالإضافة إلى باحثين ومختصين من بريطانيا وبلجيكا وكندا وإيطاليا وألمانيا واليونان، كما شاركت في التوقيع على البيان والموافقة على ما يتضمنه عشر مؤسسات وطنية ودولية تعنى بشؤون العلوم الاجتماعية والإنسانية ومجلات إلكترونية تسهم في تطوير الثقافة والبحث العلمي.
صارت كلياتنا ومعاهدنا تضم مختبرات ومراكز في نطاق ما يعرف بالآداب والعلوم الإنسانية، لكنها بلا طموح نحو تشكيل رؤية جديدة للبحث العلمي، ولا إيمان ببيانات العمل الجماعي.
جاء البيان في خمسة محاور تتجسد من خلال أربعة عشر عنصرا. في السياق، وهو المحور الأول، تم تحديد تاريخ اللقاء ومكانه، وكيف كان المعسكر مناسبة للتفكير وتخيل ما يمكن أن تكون عليه الإنسانيات الرقمية، مع الدعوة إلى الانخراط في التجربة من لدن المجتمع العلمي والمهتمين بالمشاركة في خلق ونشر وتقويم وتطوير المعارف في صلتها بالرقميات. أما المحور الثاني، وجاء تحت عنوان «تعريف»، فقد انطلق من كون المنعطف الرقمي يدفع في اتجاه تغيير الأسئلة حول شروط إنتاج المعارف ونشرها، وأن «الإنسانيات الرقمية» تضم مجموع العلوم الإنسانية والاجتماعية والآداب والفنون، وهي تستفيد من مختلف الأدبيات التي تحققت سابقا في مختلف هذه العلوم، واضعة إياها في اتجاه التفكير والعمل على التطوير في آفاق ما تقدمه الرقميات. إن الإنسانيات الرقمية وفق هذا التحديد تنهض على أساس تعدد الاختصاصات، وتعتمد مناهج وطرائق استكشافية خاصة بهذه العلوم.
في المحور الثالث يركز البيان على الوضع الذي باتت تعرفه الدراسات الاجتماعية والإنسانية في علاقتها بالرقميات منذ نصف قرن، وتقف على المنجزات التي تحققت على مستوى تشكيل الجماعات، وبروز المراكز والمختبرات التي تهتم بالوقوف على إكراهات الرقميات، والأسئلة المتعلقة بتجديد المناهج، وفق ما بات يدفع الجميع إلى تأكيد ضرورة الاتفاق على أهمية الإنسانيات الرقمية وضرورتها. في ضوء رصد ما طرأ يأتي المحور الرابع بمثابة تصريح على توجه أصحاب البيان إلى تجميع مختلف المهتمين بتطوير الإنسانيات الرقمية، وانفتاح بعضهم على بعض، بهدف تطوير المعرفة العلمية في صلتها بالرقميات، في مختلف الاختصاصات الاجتماعية والإنسانية، مع الدعوة إلى إدماج الثقافة الرقمية في تعريف الثقافة العامة للقرن الحادي والعشرين.
وتضمن المحور الأخير «توجهات» ستة عناصر تتبأر على قضايا تتصل بالإنسانيات الرقمية من خلال الدعوة إلى الوصول المفتوح للمعلومات والبيانات الموثقة والمطورة تقنيا، مع نشر وتوزيع حر للمناهج ومختلف جوانب البحث العلمي. وذلك بهدف العمل على إدماج الإنسانيات الرقمية في الدروس والأبحاث التي تقدم لطلاب العلوم الاجتماعية والإنسانية والآداب والفنون، والانتهاء بتقديم شهادات معتمدة ذات بعد يتصل بالبحث أو التكوين المهني. من بين التوجهات التي يركز عليها البيان خلق لغة اصطلاحية موحدة، وتطوير الاختصاصات المختلفة، وجعلها قابلة للتداخل والتعدد. ولا يمكن أن تتحقق كل هذه الأهداف بدون خلق بنية تحتية رقمية تنبني على مقاربات ومناهج أكاديمية وثقافية عامة مشتركة. تطورت منذ تاريخ التأسيس تجربة الإنسانيات الرقمية في فرنسا وغيرها من الدول، وصارت الإنسانيات الرقمية واقعا في العديد من الجامعات العالمية، ويبدو ذلك من خلال إصدار الكثير من الكتب والأبحاث التي تدور في فلك هذا الاختصاص. فمتى يمكننا أن نتحدث عن «إنسانيات رقمية» في الفضاء الثقافي والأكاديمي العربي؟ لقد صارت كلياتنا ومعاهدنا تضم مختبرات ومراكز في نطاق ما يعرف بالآداب والعلوم الإنسانية، لكنها بلا طموح نحو تشكيل رؤية جديدة للبحث العلمي، ولا إيمان ببيانات العمل الجماعي.
٭ كاتب مغربي
يا د سعيد يقطين اسمح لي الاختلاف معك، تعليقا على ما ورد لك تحت عنوان (بيان الإنسانيات الرقمية) لأن أول لغة للتدوين، وأول نص قانوني مدون، وأول علم للغة تم تدوينه من أجل جمع ألسنة العرب لتدوين لغة القرآن،
كان عند أهل ما بين دجلة والنيل (أي تشمل تركيا وأثيوبيا) أي لم تكن بيان في أوربا،
ولكي تستطيع إقامة إقتصاد إليكتروني في أجواء العولمة،
يجب وجود الأشياء الثلاثة التالية في موضوع الأتمتة:
– عملة إليكترونية.
– هوية إليكترونية.
– تدوين/توثيق إليكتروني.
وهذه بكل وضوح تعني إلغاء إقتصاد المال أولاً (الربوي والتأمين عليه، كثقافة الشيكات المصرفية)، الذي قامت عليه دولة الحداثة (الأوربية)، قبل عام 1945.
ولذلك تجد أن أصحاب (السترات الصفراء) ظهرت حتى في دولة الكيبوتس ( للحلم الماركسي، واللينيني/الستاليني/الديغولي وليس فقط فرنسا وبقية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة).
لأن أهل فلسفة الصراع/الحرب (يحتاج إلى الشيطنة) والبحث عن عدو، داخل أو خارج دولة الحداثة.
ولكن أمريكا (دول مجلس التعاون) تختلف عن أوربا (الاتحاد الأوروبي والسوفييتي والصين الشعبية) في فهمها للتجارة، وفي مفهومها للدولة، وفي مفهومها للمواطن الصالح، ومفهومها لسبب فرض أي ضريبة وأي رسوم وأي جمارك.
ودليلي على ذلك هي من طرحت العولمة من خلال مشروع مارشال عام (1945)، وهي من طرحت الإنترنت (الشّابِكة) لربط أسواق الأسهم للمنتجات حول العالم (1992) فأصبحت العولمة والإقتصاد الإليكتروني.
خلط الحابل بالنابل سيؤدي إلى ضبابية لغوية في مسألة الفهم، سيجعلك لن تفهم سبب فشل استفتاء الأكراد لفصلهم عن العراق ديمقراطيا في عام 2017،
بينما نجح استفتاء بريكست في بريطانيا في 2016 للعمل على تفتيت الإتحاد الأوربي، ولكن هل سينجح، كما تفتت الاتحاد السوفييتي قبل ذلك، الله أعلم.?
*ولذلك من وجهة نظري الموضوع ليس تنازل عن حكم آل البيت الفلاني، لكي يستلم آل البيت العلاني، بداية من دول أهل ما بين دجلة والنيل (أي تشمل تركيا وأثيوبيا) الملكية أو الجمهورية*
والإشكالية ليست في انتخاب فلان أو علان ديمقراطيا.
الإشكالية في النظام البيروقراطي، الذي يجعل كل من يجلس على الكرسي فوق المحاسبة القانونية في عام 2018، بداية من الرئيس أو الملك.
والدليل دلوعة أمه (دونالد ترامب) نفسه في أمريكا، فاز بالانتخابات وهو أكبر فاسد، في كل المجالات، بداية من عدم دفع ضرائب لمدة 20 عام حتى الآن.?
ولذلك من وجهة نظري أي دولة تريد أن تضع رجلها في الطريق الصحيح، وخطو أول خطوة في رحلة الألف ميل للإصلاح، تبدأ من خلال تغيير مفهوم اقتصاد المال أولا، إلى مفهوم اقتصاد أتمتة المنتج أولا (أم الشركات (مشروع صالح التايواني)).
فلغة الإنتاج والمنتجات التي يحتاجها السوق في التطوير، وليس الإنتاج لأجل الإنتاج بحجة التغيير، هي السبيل لإنقاذ دولنا من الإفلاس الأخلاقي قبل المالي.?