القاهرة ـ «القدس العربي»: من كان يصدق أن مقاومة غير منظمة، لا تمتلك عتادا ولا مؤونة، يكون لها السبق في كسر الحلم الأمريكي، بإرساء دعائم ذراعها المتمثلة في الكيان، لاستمرار استنزاف العالم العربي. لا يمر يوم دون أن يكشف عن فضل اليد المباركة للمقاومة على العالمين العربي والإسلامي، مع عجز واضح من تلك البلدان في مدّ يد العون ولو بالفتات لميلوني جائع لا يستقبلون سوى مئات القنابل ذوات الألفي رطل، بتوقيع أمريكي وتواطؤ من الجميع دون استثناء.
على المستوي المحلي تقلصت آمال مصر الشعبية عند أملين فقط، أن تنتهي الموجة الحارة وهذا أمل معلق في السماء، وأن يتوقف انقطاع التيار الكهربائي، وهو وعد طالما أخلفته الحكومة، حتى في موسم الامتحانات، وقد تضاربت الأخبار بشأن عزم مجلس الوزراء، وقف توزيع الأحمال مؤقتا، ما فسره معارضون للسلطة باعتباره محاولة من الحكومة المشكلة حديثا، لتبديد الغضب المتنامي في صدور الأغلبية.. وواصلت الحكومة إطلاق الوعود مؤكدة عزمها تحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة، وتطوير سوق البترول والغاز، من خلال تشجيع القطاع الخاص، حسب وثيقة عن خطة عمل الحكومة حتى عام 2026-2027. تهدف الحكومة لترشيد الطاقة في كل القطاعات بنسبة 18٪ بحلول عام 2035، عبر التركيز على تنفيذ برنامج تحسين كفاءة استخدام الطاقة في مختلف القطاعات. وتسعى الحكومة المصرية، حسب الوثيقة، إلى استكمال مشروع خفض انبعاثات قطاع البترول والغاز المصري، من الغازات الدفيئة، والتوسع في تنفيذ مشروعات وقف حرق غاز الشعلة في إطار انضمام قطاع البترول المصري، لمبادرة البنك الدولي لوقف الحرق الروتيني لغاز الشعلة. وتهدف مصر لأن تصبح مركزا إقليميا في تداول وتصدير الغاز والطاقة في منطقة شرق المتوسط.. وفي محاولة لصرف الأبصار عن الأزمات الكبرى التي تعاني منها الأغلبية تواصل الهجوم على وزير التعليم الجديد المشكوك في حقيقة المؤهل الحاصل عليه، واتهمت لميس الحديدي الحكومة بالتستر على الحقيقة قائلة: رئيس الوزراء صرّح بأن الأهم أن الوزير حاصل على مؤهل جامعي، ولكن هناك شكوك أيضا ترددت -أنا غير واثقة منها- حول المؤهل الجامعي، وأنه من دولة أوروبية شرقية، ولم يتم هذا المؤهل الجامعي أصلا وأنه كان لدراسة الطب ولم يكمل. وتابعت: نحن أمام مشكلة عندما يتردد ذلك حول وزير التربية والتعليم، ما هي الرسالة التي نقدمها للشباب وأصحاب المؤهلات العليا في هذه الحالة، وأصحاب مبدأ من جد وجد، ماذا نريد أن نقول ما هي الرسالة، أي شكوك حول مؤهلات الوزير يجب أن نقف أمامها إذا كنا نريد ثقة الناس.
وقال السفير أحمد أبوزيد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية والهجرة إن “قصف مدرسة العودة في خان يونس؛ انتهاك سافر جديد لأحكام القانون الدولي الإنساني، وجريمة تُضاف إلى سجل حافل من انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني”. وأكد متحدث الخارجية ضرورة اتخاذ وقف دولي موحد؛ يوفر الحماية للشعب الفلسطيني.
مأزق اليوم الثاني
يفرضون علينا الانشغال باليوم التالي في غزة، ودورنا فيه كعرب مختارين بدقة وعناية. وبالفعل وفق ما لاحظ جميل مطر في “الشروق”، انشغلنا كما أرادوا لنا أن ننشغل. ينسون وبعضنا نسي أن إسرائيل والصهيونية العالمية ويهودا وأطرافا آخرين غير العرب وقضايا أخرى وتطورات وقعت وواقع استجد لن يكتمل اليوم التالي إلا بهم وبها وبه. اخترت اليوم أن أعرض في السطور التالية لمحات سريعة عن بعض أهم الآثار التي نتجت عن حرب غزة وعناصر أخرى ساهمت وتسهم بالقدر الأوفر في صنع الصورة المتوقعة، خاصة لإسرائيل والصهيونية العالمية في اليوم التالي لحرب فلسطين، أو حرب غزة كما يحلو للبعض تسميتها. أولا: القطب الأعظم يواصل انحداره النسبي والمطلق متأثرا بمأساة حرب غزة ومخلفا في مسيرته المترددة والخاطئة أوضاعا دولية وإقليمية. اتسمت بعض هذه الأوضاع بدرجات عالية من العنف والتشرذم، وارتفقت بوضع في البنى الداخلية تميزه درجة أعلى من الضعف والتهالك. أعنى بصفة خاصة ظاهرة انكشاف حال تخبط النخبة الحاكمة، نتيجة ترهل أو شيخوخة قياداتها، ونتيجة، وهو ما يهمنا في مناقشة القضية الشاغلة لنا، انكشاف حال خضوع النخب الأساسية في أمريكا لهيمنة أقلية صهيونية تدير وتسيطر على قطاعات مهمة في اقتصاد الدولة وتوجهاتها الدولية، واستراتيجياتها العسكرية في الشرق الأوسط تحديدا. هذا الانكشاف على حيائه وتردده كان الأهم في تاريخ طويل من العلاقة بين أعضاء الكونغرس وقادة الحزبين من جهة، ومندوبي الصهيونية العالمية من جهة أخرى. ثانيا: حدث هذا الانكشاف تحت وقع سلسلة صدمات أصابت الأقلية اليهودية في أمريكا، كما في دول غربية أخرى، كرد فعل مباشر لحرب الإبادة التي شنها الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة. انقسم اليهود الأمريكيون كما لم ينقسموا من قبل، وتضررت سمعة إسرائيل كما لم تتضرر من قبل، وجرى الحديث عن جيل جديد من شباب تمرد للمرة الأولى على هيمنة القيادة الصهيونية الضابطة منذ نشأتها لنبض وتوجهات شباب اليهود في العالم الغربي.
بيد مباركة
بعد تسعة شهور من حرب دامية ضد شعب أعزل من كل سلاح فعال باستثناء مقاومة مخلصة وصادقة، انهارت نظرية تحولت بفعل قوى إعلامية صهيونية وغربية إلى أسطورة. انهارت أسطورة التفوق الهائل في قدرات الردع العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي. سقطت الأسطورة حسب جميل مطر مع سقوط كثير من جنود إسرائيل وضباطها، ومع توقف عجلات الإنتاج في عديد المواقع الإسرائيلية، خاصة في قطاع الإلكترونيات في الجليل الأعلى، ومع زيادة معدلات الهجرة من إسرائيل إلى خارجها، ومع انفراط وحدة نخبتها السياسية الحاكمة، ومع انشقاقات عسكرية غير مألوفة، ومع ثورة غير مكتومة من جانب الحريديم ضد جيش الصهيونية الحاكمة، ومع هيمنة عاجلة و«مؤدلجة» من جانب المستوطنين وقياداتهم ضد مكونات «الدولة»، وغيرها من الدول المجاورة، ومع فساد طبق الآفاق وفاسدين تحميهم براثن الصهيونية العالمية، التي تضمن ولاء قادة كبار في حكومات وبرلمانات دول الغرب وخارجه؛ من خلال أدواتها، خاصة المال والتهديد بالتشهير والإعلام. وتشوهت سمعة الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، السمعة التي تاجرت بها إسرائيل لتحصل على مواقع ومزايا تخفي بها أعمالها المستمرة في تجاوز القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. هذه الديمقراطية مهددة فعليا بوجود رئيس حكومة متهم بالفساد وبشن وتصعيد حرب ضد الفلسطينيين للبقاء حرا وبعيدا عن السجن، ومهددة بالفناء بفضل تسلل جماعات شديدة التطرف، مؤمنة بأساليب تراثية في محاربة خصومها، ومحملة بخبرات نازية، ومدججة بكراهية دينية وعنصرية للفلسطينيين. ماذا هم فاعلون وأمر فعلتهم غائر بالظلم ووحشية الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها في حق الفلسطينيين، غائر أيضا بالآثار غير المباشرة لما ارتكبوا متواطئين أو متآمرين أو مغرورين بعظمة الغرب، والزعم بعلوية قيم وقواعد وأعراف منتقاة بعناية. لديّ انطباعات عدة عما يمكن أن يكون رهن البحث والدراسة في مواقع دولية وإقليمية عديدة بهدف تجاوز الصعوبات التي تواجهها الصهيونية العالمية وإسرائيل خاصة، ووقف توسع الآثار التي خلفتها حرب غزة.
أزمته مركبة
وحسب جلال عارف في “الأخبار”، الاهتمام الحقيقي لنتنياهو هو الحفاظ على حكومته، ولو كان الثمن أن يعود المزيد من جنود الجيش الإسرائيلي في نعوش، أو يقتل الرهائن بقنابل الطائرات الإسرائيلية، أو يتعرض وجود إسرائيل نفسه للخطر.. هذا ما تقوله المعارضة الإسرائيلية، وأغلبية شعب إسرائيل ومظاهرات الغاضبين التي تتصاعد كل يوم. وما يؤكده نتنياهو نفسه بإصراره على قطع الطريق على كل محاولات إنهاء الحرب، بما فيها ما تم بناؤه على مقترحات جاءت من إسرائيل وبموافقة نتنياهو نفسه. يفعل نتنياهو كل شيء لإرضاء شركائه في الحكومة من زعماء عصابات الإرهاب. ولا يرى أمانا له من السقوط إلا في حماية التحالف اليميني وأغلبيته البرلمانية، ويرفض كل عروض المعارضين لتأمين استمراره في الحكم، ليتخلى عن تحالفه مع بن غفير وسموتريتش، وينهي الحرب التي أصبحت تهدد إسرائيل بكل المخاطر. والآن.. يتعرض تحالف نتنياهو للتصدع. الخلافات بين زعماء عصابات الإرهاب تضرب الحكومة وتفرض على نتنياهو أن يسحب كل مشروعات القوانين التي قدمتها الحكومة للبرلمان «الكنيست»، خوفا من التصويت ضدها من بعض أحزاب الحكومة، وهو ما يؤدى لسقوطها، الأزمة الآن داخل تحالف التطرف. الإرهابي بن غفير يرفض مشروع قانون توظيف «الحاخامات» بمزايا كبيرة، بينما يصر حزب «شاس» الديني على أن تمرير القانون شرط لبقائه في الحكومة. اضطر نتنياهو لسحب مشروع القانون «وكل القوانين المقترحة من الحكومة»، وبدا واضحا أن التعايش داخل الحكومة بين العصابات المتصارعة أصبح صعبا. هل بدأت قبضة نتنياهو تضعف بعد السيطرة الكاملة على الحكومة؟ أم أن نمو تيار التشدد الديني من ناحية وتيار اليمين الصهيوني التوسعي من ناحية أخرى يصعد بالصراع بينهما إلى المقدمة؟ في كل الأحوال سيقاتل نتنياهو حتى النهاية للحفاظ على حكومته، حتى لو كان المقابل مزيدا من التشدد في استمرار الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وحتى لو ارتفعت حدة الصدام مع المؤسسة العسكرية ومع وزير دفاعه غالانت، الذي يتهمه نتنياهو بالتنسيق مع المعارضة ضده. سقوط حكومة نتنياهو ما زال مؤجلا، لكن التصدع داخلها بدأ. والأزمة لم تعد فقط أزمة حكم، بل أزمة إسرائيل ومصيرها الذي أصبح رهينة للصراع بين إرهاب.. وإرهاب آخر.
ارفعوا أيديكم
في سبعينيات القرن الماضي وفي عام 76 تحديدا وعلى وقع التدخل الخارجي والعربي بشكل أخص في لبنان راح الرئيس المصري الراحل أنور السادات يطلق مقولته الشهيرة التي اصبحت شعارا بعد ذلك وهي «ارفعوا أيديكم عن لبنان». كان السادات يقصد النظام السوري، الذي كان على خلاف مع رئيسه آنذاك حافظ الأسد، وكانت دعوته بمثابة نداء عام لكى يخرج ذلك البلد من دائرة الاستقطابات والنزاعات التي تلحق به أشد الضرر. على المنوال ذاته، فإن قضية فلسطين ربما وفقا للدكتور مصطفى عبد الرازق في “الوفد”، تكون أحوج ما تكون إلى مثل هذا الشعار وسادات آخر ليدعو إلى أن يرفع العرب أيديهم عن فلسطين. صحيح أن الوضع مختلف وطبيعة الأزمة اللبنانية تختلف كثيرا عن نظيرتها الفلسطينية، ولكن الجوهر واحد. فلسطين ومنذ نشأة أزمتها في نهاية أربعينيات القرن الماضي في حاجة إلى وقوف العرب معها، وهو أمر لا يمكن نكران حدوثه وبأشكال وطرق شتى، غير أنه مع تبدل الأحوال والأوضاع وتحول القضية إلى رمز قومي عربي اختلط الكثير من الأوراق بشأن طريقة التعامل معها، فلا العرب عادوا قادرين على الوقوف بجانبها بالشكل الواجب، ولا هم قادرون على نسيانها، فأصبحت كقميص عثمان.. الكثير يرفعه ولأجل رؤيته لمصلحته الخاصة، على نحو يشير إليه البعض بنوع من التجاوز باعتباره اتجارا بالقضية الفلسطينية. ربما كانت أحداث طوفان الأقصى كاشفة عن ضعف المساندة العربية للقضية الفلسطينية، رغم أن الأمر ليس وليد يوم وليلة، ولكن المشكلة أن أضعف المواقف في التعاطي مع تطورات تلك العملية وما تبعها من حرب إسرائيلية شرسة على غزة ترتقى إلى حد كونها نكبة ثانية، كانت المواقف العربية. كان ذلك على كل المستويات. إلى هنا والأمر قد يبدو مستساغا أو مقبولا باعتبار أن الضعيف لا ينتظر منه الكثير. غير أن المشكلة أن بعضنا لم يحاول التعامل مع المنكر الإسرائيلي بمنطوق الحديث النبوي، بالسعي لتغييره، سواء باليد أو باللسان أو حتى بالقلب حيث تحول هذا البعض إلى عبء على القضية.
عبء عليهم
ربما كانت تدخلات من يحدثنا عنهم الدكتور مصطفى عبد الرازق سببا في سوء الموقف الفلسطيني، أو في إضعافه، سواء كان الأمر يخص أولئك القابعين تحت نار القصف في غزة، أو أولئك الذين يمسكون بالشق السياسي منها. المشكلة أن موقف بعض هؤلاء في النهاية ربما كان يصب في صالح موقف العدو الإسرائيلي، وتحسين وضعه بل وتحسين سمعته. طبعا بعض المواقف ربما تنطلق من حسن نية وإن كان من عدم الكياسة محاولة الإشارة إلى أنها كلها تعكس حسن النية، الأمثلة كثيرة ومن الصعب حصرها ولكن قد يبدو مثلا من المشاهد الغريبة، تلك التي تحاول فيها إسرائيل جر دول عربية للقيام بدور الشرطي نيابة عنها في غزة في ترتيبات ما بعد الحرب، وهو ما يؤكده الحديث عن مساعٍ أمريكية لإنشاء قوة قوامها الدول العربية، لتعمل جنبا إلى جنب مع ضباط فلسطينيين محليين لإدارة الأوضاع في غزة، وهو ما يمثل رفعا للحرج والانتقادات الدولية لإسرائيل، بفرض هيمنتها على القطاع، وفي الوقت نفسه تخفيف عبء التكلفة الباهظة التي قد تتحملها الدولة العبرية جراء بقائها في غزة، وهو ما يضمن أيضا أن تسير الأمور وفق تصور تل أبيب لمستقبل غزة، دعك بالطبع من أطروحات من أن ذلك يمهد لقيام دولة فلسطينية في ظل التعنت الإسرائيلي. ربما يكشف ذلك عن تداعيات سلبية لبعض المواقف العربية، وأنها تشكل عبئا على القضية الفلسطينية بدلا من أن تكون مدخلا لحلها، ما يجعلنا نعيد التأكيد على مقولة «ارفعوا أيديكم عن فلسطين».
نهايتها تقترب
الوضع الداخلي في إسرائيل – منذ أكثر من (9) أشهر – يدعونا للسؤال: ماذا يحدث في إسرائيل؟ هل ما يحدث هو «اضطرابات داخلية» حقيقية، أم ما يحدث هو حالة «احتراب داخلي» مُكتملة الأركان؟ الثابت من وجهة نظر بلال الدوي في “الوطن”، أن المجتمع الإسرائيلي يعاني من انشقاقات واضحة بين جميع المؤسسات، ومنها رئاسة الوزراء والكنيست ووزارة الدفاع والأحزاب، أغلبية الرأي العام تطالب بضرورة إتمام صفقة تبادل الأسرى وإعادة المحتجزين ووقف إطلاق النار، المظاهرات تنتشر في تل أبيب والقدس وأمام الكنيست وأمام مقر مجلس الوزراء، توسعت المظاهرات واتجهت إلى منازل (18) وزيرا ومسؤولا في حزب الليكود، قبل أيام كانت أكبر مظاهرة شهدتها إسرائيل ووصل عدد المتظاهرين فيها لحوالي (200) ألف متظاهر، قيادات سياسية معارضة لبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء شاركوا في المظاهرات.. منذ بداية المظاهرات تدرجت المطالب، وبعد أن كانت «أعيدوا المحتجزين الآن» وصلت إلى «أنقذوا المحتجزين»، ثم «صفقة الآن»، ثم «المطالبة بانتخابات مبكرة»، ثم «إسقاط نتنياهو ضروري».. كل هذا يجعلنا نقول: هناك «اضطراب داخلي» في إسرائيل لأن الوضع مشتعل وغير مستقر. قيادات عسكرية سابقة – تولوا مناصب وزارية واستقالوا – يطالبون بضرورة إتمام الصفقة مع حركة حماس لإخراج الرهائن، ومنهم بينى غانتس وآيزنكوت، لدرجة أن بعض قادة الجيش الإسرائيلي أكدوا أن الجيش الإسرائيلي أُنهِك في الحرب على قطاع غزة، والموساد الإسرائيلي أكد في بيان رسمي أنه يؤيد الصفقة، ومسؤول ملف الأسرى في الجيش الإسرائيلي نيتسان آلون، دعا أهالي وعائلات الأسرى للتظاهر للضغط على نتنياهو لقبول الصفقة مع حركة حماس، والمعارضة في الكنيست الإسرائيلي تطالب بإتمام الصفقة وانتخابات مبكرة.
مسألة وقت
مضى بلال الدوي ملقيا التغيرات الكبيرة التي تؤكد تدهور أوضاع الكيان : رؤساء وزراء إسرائيليون سابقون يطالبون بضرورة إتمام الصفقة ومنهم نفتالي بينيت وإيهود باراك وأولمرت، الذي دعا إلى نزول مليون إسرائيلي في الشوارع وتنظيم مظاهرة ضد عدم موافقة نتنياهو على الصفقة.. كل هذا يجعلنا نُغير من وصفنا للوضع الداخلي في إسرائيل لنقول إنه تحول من (اضطراب داخلي) إلى (احتراب داخلي)، فالانشقاقات تضرب إسرائيل، والجيش يعاني من قلة التسليح، وبعض قادته قدموا استقالاتهم وانضموا للمظاهرات، وهناك هجوم دولي على إسرائيل من أقرب حلفائها، وهناك تصعيد من جانب عدد من المنظمات الدولية ضد النهج الإسرائيلي ورفض تام للتجاوزات والاعتداءات والمجازر اليومية التي يرتكبها نتنياهو وجيشه وحكومته. إطالة أمد المواجهات مع حركة حماس ساعد على زيادة نزيف الاقتصاد الإسرائيلي، فالمصانع توقفت في مدن كثيرة، ومنها مدينة عسقلان، عدد كبير هاجروا من إسرائيل ووصل عددهم إلى (500) ألف وعادوا لبلادهم، المجتمع الإسرائيلي على مقربة من التفكك، والانشقاقات تضرب الهيئات والمؤسسات الحكومية، جنود إسرائيليون رفضوا العودة للجيش وهربوا للخارج، البطالة تضرب المجتمع وزادت بنسبة غير مسبوقة، وزاد عدد الطلبات التي قدمها الشباب الإسرائيلي للحكومة من أجل الحصول على (إعانة بطالة)، الإنفاق المالي للحكومة زاد بدرجة لم يسبق لها مثيل، تم سحب مليارات الدولارات من الاحتياطي النقدي، الخبراء الاقتصاديون الإسرائيليون يقولون: ستظل إسرائيل طيلة الـ(20) عاما المقبلة وضعها الاقتصادي صعب لتعويض الأضرار الناتجة عن الحرب في قطاع غزة التي أنهت شهرها التاسع.
عار الوفد
هل يُدرِك أصحاب القرار في حزب الوفد حقا الخطورة المُرَكَّبَة لشيوع شريط فيديو لثلاثة من أعضاء حزب الوفد، وهم يتفقون معا على تهريب قطعة آثار إلى خارج البلاد في مقر الحزب؟ يمضي أحمد عبد التواب في أسئلته الكاشفة في “الأهرام”: وهل يعي مسؤولو الحزب، أن الواقعة بهذا الوضوح، هي أخطر من أن يتلكأوا في حسمها، ليس فقط حرصا على سمعة الحزب، ولكن أيضا لإبداء الاهتمام اللائق بالمشاركة مع علماء الآثار المصريين وجموع المثقفين والجماهير، في التعامل مع تراث مصر، وفي الحوار العام الدائر منذ سنوات عما صار إجماعا بوجوب التصدي بكل قوة لظاهرة تهريب الآثار، التي تفشت بأكثر مما يحتمل الضمير العام، وهو ما يتسع الاهتمام به في طول البلاد وعرضها، بما يزيد كثيرا عن دائرة متابعي الحزب؟ ثم إن هناك مفارَقات مهمة ينبغي ألا تغيب عن مسؤولي الحزب، وكأن مُخرِج الفيديو تعمّدها، فالمتواطئون على التهريب يجتمعون في الغرفة المخصصة لاجتماعات أعلى تشكيل في الحزب، وخلفهم صورة سعد زغلول الزعيم التاريخي للحزب وقائد ثورة 1919، ثم إنهم يتحدثون باطمئنان وكأنهم يمارسون عملا معتادا. ينبغى ألا تكون أول الأخبار عن الحزب، بعد تفشى هذا الفيديو الخطير، عن الاهتمام بمعرفة من سمح لهؤلاء بالاجتماع في هذه الغرفة الخاصة، ولا أن يقال إنه يجب أولا إجراء تحقيق داخل الحزب وسماع دفاعهم عن أنفسهم، ولا أن تُكَلَّف بالتحقيق لجنة حزبية مكونة من جيش من أعضاء الحزب، لو سأل كلٌ منهم سؤالا واحدا لامتدت اللجنة في التحقيق لعدة أشهر؟ ولا ألا يُولَى اهتمام كبير بما يتردد عن أن أبطال فيديو التهريب مقربون من قيادات الحزب، وأنه لن يمسهم شيء وهناك تعجب آخر يخرج به متابع الخبر الخطير بأن أهم ما يدور في الحزب الآن هو استغلال الفضيحة في تصفية خلافات حزبية داخلية هذه القضية ليست أمرا وفديا داخليا فقط، بل إن ما يخصّ الحزب هو الجزء الجانبي في الموضوع، لأنها قضية وطنية بالأساس، ولأن هناك رأيا عاما مهتما ويريد أن يرى عاجلا جدية في التعامل، وكان يجب إسراع مسؤولي الحزب باللجوء للنائب العام، أو أن تتحرك لذلك جهات أخرى بدل الحزب.
بين الشعب والحكومة
استمعت دينا عبد الكريم في “المصري اليوم” بإنصات إلى بيان الحكومة من مقعدها الذي تتشرف بالانتماء إليه وسط نواب الشعب، وقدر ما أعجبتها الصياغة والمحاور التي دارت حول النقاط الأكثر اتفاقا مثل، استراتيجية مصر 2030 ومخرجات الحوار الوطني وجودة التعليم وبناء الإنسان، والمحور الاقتصادي، وكلها نقاط مهمة لكن طرحها اليوم، يدعونا أن نتوقف عند مناقشة ما تسميه «فجوة الصياغة»، مهما أيقنا من حسن النيات وسلامة القصد.. نعم، الأحلام تبدو منطقية ونتفق أننا على خط واحد من كل تلك الأمور، لكن تكرار الدكتور مدبولي لكلمات مثل: «سنستمر وسنواصل وسنقوم وسنستكمل وسنتوسع وسنعمل ونؤكد» – وهي كلمات أنقلها نصا – يجعلني أدرك أن هناك «فجوة صياغة» مهمة ويجب أن يتم رصدها والتعامل بجدية معها. إن التعامل، وبشكل يومي، مع مطالب الناس، ومشكلاتهم وإحباطاتهم وأحلامهم، يلزمنا أن نصحح كل يوم عشرات المعلومات الخاطئة عن الحكومة، ونطمئن أن استطعنا ونتفاعل كلما تمكنا ونساعد متى استطعنا. وكل هذا التفاعل يضع علينا مسؤولية أن نكون أيضا قنوات اتصال بصفتنا جزءا من هذا الشعب، وقنوات اتصال بينه وبين الحكومة، نحن أمام بيان حالة جديد يجب أن يصل للحكومة وأن تستخدمه في مخاطبتها للناس، بل قبلا في وضع خططها واستراتيجياتها، ولا أجد أفضل من اقتباس ما كتبه قائد رأي ذو خبرة: «ليكن التواصل بين الحكومة والرأي العام فرض عين والتعاون المجتمعي معها فريضة»، لأن أصل التواصل الاستماع، وقمة التعاون الوضوح.
ليتها تصدق
بيان الحكومة شجع دينا عبد الكريم للرد عليه بلسان المواطن: يتقدم الشعب المصري إلى الحكومة الجديدة بخالص التهنئة وتمنيات التوفيق. أما بعد.. يشكر المواطن المصري الحكومة على بيانها المطول ويتعاون معها برد مختصر وسريع وناجز، يضمن للحكومة أسمى درجات التوفيق وأقصى درجات التعاون الشعبي والتأييد، يتلخص البيان في المحاور التالية:1- التعليم: المبدأ (إتاحة حد أدنى من التعليم الجيد يضمن خروج مواطنين قادرين على المشاركة في البناء، فالمتعلم مشغول بالعمل والمشغول بعمل لا وقت لديه لافتعال الأزمات). مدرسة قريبة من المنزل يدخلها الطالب دون عناء، فصولها كافية، ومدرسوها أكفاء. مدرس راتبه مناسب، وأسلوب واضح لقياس النتائج، وتقييم دوري لجودة التعليم. نماذج تربوية تليق بنا وتخرج مبني على قدرات وتحصيل، لا درجات وغش جماعي. 2- الصحة: المبدأ (الوقاية توفر على الدولة مليارات من فاتورة العلاج واحترام الطبيب جزء من وقاية المجتمع من جل أمراضه). وقاية أكثر ورقابة على المواد الغذائية. مستشفيات أكثر وأطباء يعملون في ظروف آدمية تحترم إمكاناتهم وتمكنهم من التطور. سرعة في إنجاز ملف التأمين الصحي الشامل، دون معوقات ودون تخبط. 3- الاقتصاد: المبدأ (الشعب هو من يصنع الاقتصاد وناتج الاقتصاد الكلي هو حصيلة نجاحات القطاع الخاص، فلتتوقف الحكومة عن اعتبار نفسها مصدر الدخل القومي، وتعود إلى دورها في تسهيل مهمة الناس وإسراع عجلة أعمالهم، وتحتفظ بحقها في ضرائب عادلة مقابل خدمات وبنية تحتية جاذبة). مسارات واضحة وأولويات معلنة. رسوم أقل وخدمات أفضل.. ولتدرك الحكومة أن المغالاة تسبب النفور وتفتح أبواب الفساد. تسهيلات حقيقية لقطاع التكنولوجيا وفتح مساحات تسهيل حقيقية للشركات التي تدر دخلا دولاريا، ومقاومة الرغبة في التعطيل والتعقيد التي أخرجت ملايين من الدولارات على مدار العام الماضي. توطين الصناعة بتسهيلات حقيقية وخطط ناجزة.
ألف باء السياسة
سؤال صادم للبعض، لكنه عادي جدا لمن يعرف ألف باء السياسة، لأنه من أبسط حقوقي السياسية أن أختلف مع من أشاء، ومن أبسط حقوقي السياسية حسب سعيد صابر في “المشهد”: أن أختلف مع رأس الدولة نفسه وهذا مكفول دستوريا.. نعود إلى سؤالنا فأجيبكم، يرحل الرئيس حينما تسقط كل المرجعيات في دائرة الفساد والتربح والرشوة.. يرحل الرئيس حينما يغيب العدل والقانون وتصبح أحكام القضاء بلا فائدة وغير قابلة للتنفيذ، فتشيع الفوضى والبلطجة ويعم منطق القوة والغلبة، يرحل الرئيس حينما تعلن الدولة عجزها عن الاصلاح الاقتصادي والسياسي وتختار القمع وإسكات المعارضين طريقا، ظنا منها أن الأمر سيدوم لها وهذا عكس أحكام التاريخ وحركته، يرحل الرئيس حينما تعجز الدولة عن توفير الدواء للمواطن وهذا من أبسط حقوقه، ناهيك عن انهيار التعليم. وهنا أطرح سؤالا ما دور الدولة إذن إذا كان أهم مقوماتها وهما الصحة والتعليم قد أصبحا خارج الخدمة، وتحولت الدولة إلى مجرد جابي ضرائب متوحش أرهق الجميع وكأنهم أعادونا إلى عصور المماليك، فلا خدمة بلا مقابل، وكل شيء باهظ الثمن ويفوق قدرة الناس واحتمالهم، والأخطر أن تتحول كل مؤسسات الدولة إلى ظهير سياسي للرئيس، مع أنها ملك للشعب ولم تعمل لأجله وترعى مصالحه وأصبح الشعب كاليتيم على موائد اللئام، حتى نوابه باعوه من أجل مصالحهم، وكسب رضا المؤسسة الحاكمة. أعلم أن جرأتي مؤلمة، لكن كان لا بد من تناول الأمر، لأن الأمر خطير والأخطر كيف نفض هذه الشراكة الخاسرة دون أن نهدم الوطن؟ ولماذا يكون التغيير دمويا وندفع ثمنه المزيد من الخراب والتقهقر؟ آن الأوان أن نتحلى بالشجاعة والإنصاف ونعلى مصلحة الوطن فوق شهوة الحكم والكراسي وأن نترك للشعب أن يقول كلمته عبر انتقال سلمي للسلطة وبشكل مدني ووفق قواعد الديمقراطية المتعارف عليها، وإلا فكل البدائل تنذر بكوارث لا قبل لنا بها.
السودان يناديكم
يواجه السودان الشقيق حربا إعلامية ممنهجة من الغرب، وبعض الدول باستهداف الجيش السوداني. وصل الأمر إلى الادعاء بأن قائد الجيش السوداني الفريق البرهان تعرض لمحاولة اغتيال واحتجاز من قبل قوات الدعم السريع، أثناء قيامه بإحدى الجولات على تخوم بعض مناطق القتال في السودان. والحقيقة التي انتهى عندها ياسر شورى في “الوفد” أن الجيش السوداني يعاني من قلة الدعم الدولي ولا يجد دولا عربية تدعمه مباشرة، مثل الدعم الذي تتلقاه قوات الدعم السريع من عدة دول. مأساة السودان من الواضح أنها ستطول، بسبب تشابك مصالح عدة دول تحاول السيطرة من خلال قوات الدعم السريع. مجلس الأمن الدولي والدول الغربية تحاول إخراج تلك القوات من خانة القوات المتمردة، وتحويلها إلى طرف في صراع مع الجيش الشرعي السوداني. الدور المصري المتوازن في السودان هو الدور الحقيقي الذي يؤكد الحفاظ على السودان موحدا، ويدعو جميع الأطراف إلى وقف التصعيد والعودة لمفاوضات تحافظ على السودان وشعبه، دخول أطراف عدة إلى المعادلة السودانية يزيد من تعقيد المشكلة يوما بعد يوم، وتحاول هذه الأطراف قلب المعادلة لصالح قوات الدعم السريع المكروهة شعبيا، ثروات السودان وموقعه الجغرافي، تحولت من نعمة إلى نقمة بسبب هذا الصراع المميت الذي يتم على أراضيه. الحرب الجديدة على السودان حرب إعلامية مدعومة من وسائل إعلام أمريكية، وموجهة بشكل مباشر ضد الجيش السوداني. ماذا يفعل السودان في مواجهة تلك الحرب الإعلامية، دون أي إمكانيات وفي الوقت نفسه تواصل قوات الدعم السريع طريقها لحسم الصراع لصالحها؟
منفتح بحساب
يريد سليمان جودة في “المصري اليوم”، أن يصدق أن مسعود بزشكيان منفتح على العالم، ولكنه يجد أمامه ما يدعوه إلى الانتظار بعض الوقت. كان بزشكيان قد جرى انتخابه رئيسا لإيران في جولة الإعادة بينه وبين المرشح المتشدد سعيد جليلي، الذي كان أقرب إلى الفوز بحكم أن مزاجه السياسي من نوع المزاج السياسي المحافظ لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي. وكان الظن أن السباق الرئاسي إذا كان بين مرشح منفتح مثل بزشكيان، وآخر متشدد مثل جليلي، فمن الطبيعي قياسا على ما فات من استحقاقات رئاسية أن يفوز الثاني، ولكن المفاجأة، كانت في فوز الأول المنفتح. والسؤال هو: إذا كان المرشح الفائز لا يتوقف عن الحديث عن انفتاحه على العالم، ولا عن انفتاحه داخليا بإبداء رغبته في تخفيف تطبيق الحجاب على الإيرانيات، فماذا بالضبط يدعونا إلى التمهل والانتظار؟ تدعونا إلى ذلك ثلاثة أسباب: أولها، أنه بمجرد الإعلان عن فوزه ذهب إلى ضريح آية الله الخميني جنوب طهران. ثانيا أن حسين محسني إجئي رئيس السلطة القضائية، دعا بزشكيان إلى تشكيل «حكومة تتماشى مع النظام»؛ وهذا يعني أن محسني يريد حكومة محافظة لا منفتحة. ثالثا أن الرئيس المنتخب توجه وهو يخطب بالحديث إلى المرشد خامنئي فقال: لولا «القائد» ما كان اسمي قد خرج من صناديق الاقتراع. والذين طالعوا مذكرات ظريف يعرفون أن «القائد» في إيران هو شخص واحد اسمه علي خامنئى، ولا أحد يحمل هذه الصفة في البلاد سواه. ونحن لم نعرف إلى الآن أن الخميني كان منفتحا ولا كذلك خامنئي، فكلاهما متشدد سياسيا، وكلاهما لا يصف الولايات المتحدة الأمريكية إلا بأنها: الشيطان الأعظم.. فكيف يكون ولاء بزشكيان لهما واضحا في العلن هكذا، ثم نصدق أنه منفتح على العالم، أو أنه إصلاحي في موضوع الحجاب مثلا، بينما بوليس خامنئي راح لفترة طويلة يطارد المعترضات على التشدد في فرض الحجاب ويطلق عليهن الرصاص في الشوارع؟ طبعا من الوارد أن يكون خامنئي قد تغير، ومن الجائز أن يكون قد اعتمد نوعا من التكتيك في التعامل مع التحديات حول إيران، وهذا ما نريد أن نراه ونرى تجلياته على الأرض لنصدقه.