تكرر نتنياهو في خطبته في جامعة بار ايلان أول أمس، الرأي المحبب إليه وهو أن الاحتلال ليس جذر الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. حينما سئل ما هو جذر الصراع؟ قال رئيس الوزراء، ‘يوجد جواب جاهز وهو الاحتلال والمناطق والمستوطنات. يقولون إن سيطرة اسرائيل على المناطق، اراضي يهودا والسامرة، بعد حرب الايام الستة، اجج الصراع بقدر كبير، واسأل أحقا؟ إن الصراع من وجهة نظري، اذا كان يجب أن أختار تاريخا بدأ فيه بصورة عملية، فاقول انه بدأ في سنة 1921 في اليوم الذي هاجم فيه عرب فلسطينيون بيت المهاجرين في يافا. ولم يكن ذلك الهجوم على اراض ولا على مستوطنات، بل كان اعتراضا على هجرة يهود الى ارض اسرائيل’. وبعد ذلك ذكر نتنياهو رفض العرب لاقتراح التقسيم الذي جاء هو ايضا قبل أن يوجد الاحتلال، والعداوة العربية لدولة اسرائيل قبل 1967. إن الصراع بين الاستيطان اليهودي في البلاد وبين العرب لم يبدأ في الحقيقة في 1967. فقد رأى العرب الاستيطان اليهودي والدولة اليهودية جسما غريبا وكافحوه منذ أن تبين أن مطامح الحركة الصهيونية السياسية هي انشاء كيان سياسي في الاراضي التي كانوا يرونها اراضي عربية، والتي كان العرب فيها هم الأكثرية حتى حرب الاستقلال. توجد جذور للصراع، كما رأى زئيف جابوتنسكي بصورة صحيحة، في حقيقة أن العرب ليسوا غوغاء، بل هم حركة قومية، وأن الحركتين القوميتين اليهودية والفلسطينية تطلبان سيادة على الارض نفسها. فاذا كان نتنياهو أراد أن يوضح نقطة تاريخية فالحق معه. وليس من الواضح لي في الحقيقة من هم الذين يزعمون أن جذور الصراع الاسرائيلي الفلسطيني موجودة في احتلال 1967. لكن اذا كانوا موجودين فانهم مخطئون. إن القضية هي أن الصراعات السياسية لا تبقى جذورا، بل تُنبت جذوعا وأغصانا وتثمر ثمارا عفنة. إن نتنياهو يُريحه أن يعود الى 1921 والى 1947، كما يُريحه أن يعود مرة بعد اخرى الى الحاج أمين الحسيني وتعاونه مع النازيين. ولم يعد الحسيني منذ زمن زعيم الأمة الفلسطينية، وزال النازيون، وليست السنة هي 1921 بل 2013. إن تصور نتنياهو الجبري ينشئ عمى سياسيا. فالبحر ليس نفس البحر والعرب ليسوا نفس العرب، بل إن اليهود ليسوا هم اليهود أنفسهم. إن دولة اسرائيل ليست مستوطنة فيها 600 ألف نسمة، بل هي قوة اقليمية فيها أكثر من 8 ملايين مواطن، ولها اتفاقات سلام مع دولتين حاربتهما في الماضي. والفلسطينيون لا يقودهم الحسيني، بل أبو مازن، ولا تدعو الجامعة العربية الى القضاء على الكيان الصهيوني، بل الى السلام معه (يجب الجدل في الشروط بالطبع). فالامور تتغير. فقد كانت ايران مرة حليفة لنا وهي اليوم عدو خطير. وماذا يكون في الغد؟ لا أحد يعلم. إن أكثر معارضي الاحتلال لا يعتقدون أن احتلال المناطق نفسه في اثناء حرب الايام الستة كان المشكلة، بل كانت المشكلة هي القرار غير المعلن على ضم هذه المناطق الى مساحة دولة اسرائيل، من دون أن يُمنح سكانها غير اليهود حقوق المواطنة. وإن سياسة الضم مع رفض الحقوق انشأت واقعا لا يتجاهل فقط حقوق الفلسطينيين القومية المشروعة، وهي حقوق يعترف بها نتنياهو من الشفة فخارجا بقوله ‘دولتان للشعبين’، بل يتجاهل ايضا حقوقهم الانسانية الأساسية. لا يستطيع كثيرون في اسرائيل ومن خارج اسرائيل أن يتجاهلوا اعمال الظلم والسلب والتمييز والاضطهاد التي تصاحب استمرار هذه السياسة. ولا يُفسر ‘الاحتلال’ كل شيء ولن يحل إنهاء الاحتلال كل شيء لكنه سيدفع بنا قدما نحو الحل. لا نحتاج احيانا الى علاج جذري بل يكفي أن ننزل عن الشجرة.