«مشكلتي الحقيقية ليست النسيان؛مشكلتي كثرة الذكريات». هكذا تحدث غازي القصيبي في أقصوصته الشهيرة «الزهايمر». إنها عبارة حقيقية فعلًا، فالصور إن غادرتنا رغم تقادم الأيام، وجري عجلة الزمن، فإن مجرد أثر صغير قادر على جلب المزيد والمزيد، فمن منا لا تلاحقه الذكريات، وخرائط الأحداث؟
لن ندخل في التفاصيل أكثر، لكننا فعلا في عالم تحيطه الذكريات من كل جانب، فكأنك في معظم الأحوال، تعيد طي ذاك الشريط الذي فُكت عقدته وتبعثر أمامك، فترى تلك الصور وتقرأ سطورها، فيزكم أنفك برائتحها، ويعمر قلبك بالضحكات في أرجائها، وكل شيء تعتقد أنه لا يهم حينها.
إنه أمرٌ طبيعي جداً، فأنت احتفظت بجزء أرشيفي في ذاكرتك، وفقدت بالطبع الكثير، لأنه لم يعد يهم في وقتك الحالي، بسبب ازدحام الأولويات لديك، على الرغم من أنها كانت الأولويات لديك في وقت قد مضى!
إذاً، كيف سترتب ازدحامها لديك، وأنت تطلق عليها ذكريات؟ وتضعها في سجل إحصائي، وهي التي تكشف لك كل الأمور بخفة، وتقول لك ما لا تستطيع البوح به جهرا أمام الجميع، حين تعتقد أن الموضوع انتهى عند هذا الحد، وقد يكون كذلك، لكن بفعلها لم يهدأ أو ينتهي. إنها كنصوص مقدسة تملك سرها الخاص وجاذبيتها العظيمة. لنتخيل قليلًا، ماذا لو كنت إنساناً بلا ذكريات، أي بلا ماضٍ وتجارب حياتية أنضجتك، بمعنى أن تكون صفحة بيضاء طوال عمرك، لا تعرف شيئا ولا تدرك الأمور ولا خبايا القصص وتجاوز المواقف.
إن الذكريات، تكون حاضرة دائما، كشجرة معمرة متشبثة بجذورها الأصيلة، بتفاصيل جذوعها التي نقشت أحلام ساكنيها بتفرد لافت، وخلود ينبض بالأمل، رغم كل خيبات المعارك والسنوات.. إنها بيت الخبرة!
كاتبة وإعلامية من البحرين