عمان – «القدس العربي»: قالتها مسؤولة في وزارة التربية والتعليم الأردنية ومضت: «تطوير مناهج الرياضيات والعلوم وفقاً لأطر وطنية». كانت تلك عبارة على لسان الدكتورة ربا البطاينة المسؤولة عن تطوير مناهج التربية والتعليم في الحكومة الأردنية. وأثارت العبارة الكثير من التساؤلات بسبب صعوبة فهم العلاقة العلمية المفترضة بين مبحثي الرياضيات والعلوم، وما يمكن تسميته بالبيئة المحلية والإطار الوطني.
تواصلت «القدس العربي» مع الدكتورة البطاينة وسألتها عن تلك العلاقة. الإجابة أعادت النقاش إلى سلسلة وثائق اسمها الإطار الوطني العام للمناهج الأردنية أرسلتها لـ «القدس العربي» الدكتورة البطاينة وهي تجتهد لتشرح فكرتها. لكن على منصات التواصل غرق المختصون والنشطاء في البحث عن خلفية الإقرار بحصول مخرجات سلبية للتعليم في مجالي الرياضيات والعلوم خصوصاً لطلاب المرحلة الابتدائية، الأمر الذي يتطلب تعديل هذه المناهج.
عدم وجود علاقة واضحة بين ما يسمى بالبيئة المحلية والإطار الوطني ومادتي الرياضيات والعلوم يعني أن الإعلان عن تطوير وتعديل المناهج هنا سياسي بامتياز قبل أي اعتبار آخر. ويفترض مختصون وخبراء أن الهدف من التركيز على مادتي الرياضيات والعلوم قد يكون تمهيد الرأي العام والشارع لسلسلة إضافية من تعديلات المناهج في المرحلة اللاحقة تحت عنوان تطويرها.
بمعنى، الوصول إلى محطة المناهج الوطنية والنصوص الدينية واللغوية بصورة تتجاوب لمطالب دولية أو أمريكية غربية، وفي بعض الأحيان إسرائيلية. طبعاً، هذا استنتاج قد ينطوي على تسرع، لكنه انطباع ثابت في ذهن الرأي العام بعنوان وجود خلفية سياسية لبرنامج تعديل وتصويب وتطوير المناهج خصوصاً مع إقرار نخبة من العلماء بأن المناهج الأردنية في المواد العلمية تحديداً هي الأفضل عربياً وتنافس المناهج العالمية.
ما يعني أن المشكلة، إن وجدت، لا علاقة لها بالمناهج بقدر ما لها علاقة بـ«نوعية المدرسين».
تلك أيضاً مفارقة مهنية تحتاج إلى الاسترسال في نقاشها لمختصين وخبراء. لكن ما تقوله وزارة التربية عن إطار وطني لتطوير مبحثي الرياضيات والعلوم يصلح كدليل على شكل من أشكال التخبط الإداري، أو على الأقل غموض الرسالة الإدارية، حيث تطلق الحكومة الحالية في الفضاء الوطني عشرات العبارات عن مشاريع كبيرة أو عناوين براقة لا يعكسها الواقع الموضوعي.
تنتمي إلى تلك العائلة البراقة مشاريع متعددة، مثل مشروع النهضة الوطني والثورة الصناعية الرابعة وتأسيس وزارة للريادة وأخرى للحكم المحلي، وكذلك مثل الحديث عن مصفوفات وطنية وعن سلسلة من الدراسات والأطر البحثية.
تكمل وزارة الطاقة، ظهر الخميس، هذا المسلسل بالإشارة إلى افتتاح مكتب للسعادة يخص مراجعي وزارة الطاقة أثناء تقديم معاملاتها، مع أن وزارة الطاقة، تحديداً في العقل الاجتماعي الأردني، هي بمثابة الخصم الأبرز لوجدان الناس بسبب ارتفاع فاتورة المحروقات.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه الوزارة عن عنصر السعادة في المراجعين لمكاتبها لا تزال الوزيرة المختصة هالة زواتي تخفق رغم كل الضجيج وآلاف الأسئلة في تقديم تفسير منطقي للجمهور لبند فارق أسعار المحروقات الذي يرهق ميزانية المواطنين في فاتورة الكهرباء.
في كل حال، تواصل الحكومة إطلاق الهتافات والشعارات التي تسعى لإنتاج ولو قدر من مناخ التفاؤل دون أن يغير ذلك في معطيات التفاؤل الاجتماعي، خصوصاً أن مركز الدراسات الاستراتيجية، وفي استطلاعه الأخير، شرح بأن نسبة 45 % من الأردنيين تفكر بالهجرة أو تخطط لها. قبل ذلك بكثير، وعد عمدة العاصمة عمان يوسف الشواربة، بالتحول إلى مدينة خالية من الغازات الضارة.
وتحدثت الحكومة مطولاً وعشرات المرات عن نقلة نوعية في إنجاز مشروع الباص السريع المتأخر حتى اللحظة للعام السابع على التوالي في الوقت الذي لم يلمس فيه أهالي العاصمة بعد معنى فكرة القضاء على الغازات السلبية، حيث إن وزير المالية عز الدين كناكرية يندد بإصرار وفي كل اجتماعات مجلس الوزراء بسيارات الكهرباء الصديقة للبيئة لأنها تؤدي إلى خفض واردات الخزينة من ضريبة المحروقات.
لا تبدو الحكومة، مع هذه القطع المتناثرة من التصريحات، منسجمة مع خطابها أو ذاتها. وتنطبق قواعد الاشتباك اللغوي سياسياً وبيروقراطياً مجدداً وعلى قاعدة الباحث والمفكر الدكتور وليد عبد الهادي التي تقول «كلما اتسعت العبارة تقلص الإنجاز».
طبعاً، يحصل كل ذلك بسبب زحمة الاجتهادات وكثرة التعديلات الوزارية والتنديد الرسمي لغوياً وبوضوح بالبرامج والدراسات السابقة، وبسبب فضول الوزراء والمسؤولين، الذي يقود إلى ابتكار وجود أفكار ومشاريع وهمية أو لا يمكن تفسيرها، في محاولة متكررة لتغليف الغبار البيروقراطي.