في عام 2006 وبينما كان بيل غيتس مصنفاً كأغنى شخص في العالم بثروة تزيد عن خمسين مليار دولار، تناقلت بعض المواقع الإخبارية تصريحا صحفيا له يقول فيه إنه لن يوصي لأبنائه من بعده بأكثر من مليار دولار، في حين إنه سيوصي بباقي ثروته لمجموعة من المؤسسات الخيرية وبعض المستشفيات والمشاريع التنموية.
وحين سؤاله عن الحكمة من وراء ذلك، وإذا ما كان في هذا إجحاف في حق أبنائه، رد بالقول إنه قد جمع ثروته كلها من لا شيء، فإذا كان أبناؤه غير قادرين على النجاح وتحقيق ذواتهم بالاعتماد على هذا المبلغ «الضخم»، فإنهم على الأرجح سيضيعون ثروته لو أوصى بها لهم!
تصريح مثار جدل
كان هذا التصريح مثار جدل، كونه يتنافى مع ما يفعله غالبية الأثرياء بل وعامة البشر، من خلال محاولتهم تعظيم ما يمكن أن يتركوه من ورائهم لعوائلهم، وخوفهم الفطري (المبالغ به) من مصير أولادهم من بعدهم. والمفارقة هنا أن معظمنا يتملّكه شعور عارم بضرورة التوفـير وتـرك الثـروات لمن يخلفنا ولو كان ذلك على حساب مستوى معيشتنا، في حين لا تجد هذه الثروات من يحفظها ويقدّر الثمن الباهظ الذي دفع فيها، فتضيع هباءً في أغلب الأحيان!
أذكر أنني تناقـشت حول وصيّة بيـل غـيتس حينها مع بعض أفراد العائلة وأبديت تأييدي لموقفه قائلاً إن أي شخص في العالم مهما تعاظمت أحلامه وطموحاته فهو لن يحتاج إلى أكثر من مليوني دولار ليعيش حياة رافهة لا يخشى بعدها الفقر، مليونٌ واحدٌ لتأسيس مستلزمات العيش، ومليون آخر للاستثمار والعمل، وأضفت مازحاً: وأنا شخصياً لا أطمح بأكثر من مليون دولار!
في عام 2016 نشر موقع تابع لجريدة «سان فرانسيسكو كرونيكل»، تقريراً جاء فيه أنه ليس لدى بيل غيتس صندوقاً بمليار دولار ينوي توريثه لأبنائه، وأن ثروته جميعها ستكون من نصيب الجمعيات والمشاريع الخيرية، وأنه يحرص على تشجيع أبنائه على إكمال دراستهم الأكاديمية والاعتماد على أنفسهم!
من المعروف أن بيل غيتس يقوم سنوياً بتقديم الدعم المادي المباشر والمعنوي لعديد من المشاريع الخيرية والتطوعية في أنحاء العالم، وخاصة في حقول الصحة والمستشفيات، والبيئة النظيفة، وخدمة المجتمع، والبحوث العلمية، كما أنه استقال مؤخراً من منصبه كمدير تنفيذي لشركة مايكروسوفت التي أسّسها، كي يتفرغ لإدارة المؤسسة الخيرية التي أنشأها رفقة زوجته، وهو يقوم وبشكل دوري بنقل حصصه من أسهم شركة مايكروسوفت لصالح المؤسسة الخيرية، بحيث أصـبح لا يـملك باسمه الشخصي سوى واحد بالمئة فـقط من مجـموع المسـاهمين!
لم يتوقف مسلسل الجدل مع بيل غيـتس، فقد أعاد الجدل مجدداً مطلع هذا العام، عندما نشر أحد العاملين في مطعم للوجبات السريعة صورته وهو يقف في طابور في انتظار شراء وجبة هامبرغر لا يتعدى ثمنها سبعة دولارات!
تخيلوا معي أعزائي أن هذا الرجل الذي تم تصنيفه أغنى رجل في العالم ست عشر مرة خلال حياته، يقوم هو بنفسه بالنزول إلى الشارع لشراء وجبة سريعة ويقف في الطابور مع عامة الشعب، دون أن يشعر بأي تقليل من احترامه أو قيمته، في حين أن من يملك جزءاً بسيطا من ثروته، يأمر أحد العاملين معه لإحضار مستلزماته أو يقوم بالاتصال بخدمة التوصيل!
والغريب أيضاً أن من يملك جزءاً ضئيلا من الثروة يعتكف في قصره ويقتصر ظهوره على الحفلات العامة والمراسم والظهور الإعلامي، معتبراً أن ظهوره بشكل علني بين عامة الشعب مُقلقٌ أو على أقل تقدير لا يحافظ على الهيبة والمكانة الاجتماعية!
صورة بيل غيتس طرحت سؤالاً عميقاً، ماذا لو أصبحتَ مليونيراً أو مليارديرا؟ كيف سيؤثر هذا على سلوكك وحياتك اليومية، هل ستمارس النشاطات نفسها وتحتفظ بعلاقاتك مع الأشخاص أنفسهم والمجتمع الذي تنتمي إليه؟
هل ستحافظ على عاداتك وهواياتك ومطاعمك المفضلة ونوعية الطعام الذي تفضل، والملابس التي تلبس، بالأحرى من هو الشخص الذي ستكون إذا أصبحت غنياً؟
بيل غيتس وغيره من الأثـرياء الحقيقـيين، لـم يعتبروا أنفسهم من طينة أخرى، ولم يعتـكفوا المجتمع، بل استمروا في المحافظة على عاداتهم وسلوكهم المتواضع، فهم لا يجدون ضيراً من تناول وجبة في مطعم شعبي ثمنها لا يزيد عن عشرة دولارات لمجرد أنهم يستلذّون بطعمها، ولا يتعالون على ارتداء قميص ثمنه عشرة دولارات لمجرد أنه راق لهم، وفوق ذلك فهم لا يعتبرون ثروتهم ملكاً لهم وحدهم بل ملك للمجتمع وللعالم، ويرون أن للآخرين حقا في العيش الكريم والرعاية الصحية والعدالة الاجتماعية.
مشاريع نهضوية
وهذا يقودنا للحديث عن أثرياء عالمنا العربي، أو أثرياء العالم الثالث، ما هي المشاريع النهضوية غير الربحية التي حرصوا على إنشائها أو دعمها، ما هي المشاريع الاستراتيجية بعيدة المدى التي ترفد المجتمع والبيئة والبحث العلمي والطاقة البديلة والتعليم والصحة؟
أين هي المشاريع الاقتصادية لدعم القضايا الوطنية مثل قضية فلسطين وحصار غزة والمجاعة في الصومال، وسـوء الرعـاية الصـحية في أفريقـيا؟!
في كتابه (الأب الغني والأب الفقير)، يقول الأمريكي روبرت كيوساكي إن رجال السياسة في دول العالم الثالث فاشلون اقتصاديا لعدة أسباب (إضافة إلى الفساد)، وعلى رأس تلك الأسباب أنهم لم يأتوا إلى السلطة بناء على كفاءتهم وهم بالتالي ليسوا الأقدر على التخطيط للنهضة الاقتصادية ناهيك عن تنفيذ تلك الخطط.
كما أن التعليم في المدارس يفتقد لأمر غاية في الأهمية وهو (الثقافة المالية) وتعلّم كيفية الاستثمار وإدارة الثروات والتخطيط المالي، ولذلك تجد أن عامة الناس غير المتخصصين فاشلون في إدارة أموالهم عدا عن أنهم عاجزون عن خلق الفرص وجمع الثروات.
لقد وجدت في هذا التحليل إجابة لتساؤلات عدّة ليس فقط في أسباب المعاناة الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها بلادنا وشعوبنا، بل وفي نوعية الأثرياء الذين تحفل بهم منطقتنا وجلّهم قد حصل على ثروته بطرق لا تمت إلى الكفاءة بصـلّة!
بيل غيتس كان دوماً مثلي الأعلى في ريادة الأعمال، ليس فقط لريادته في عالم الكمبيوتر وإنشائه لشركة مايكروسوفت العملاقة، ولكن لإنسانيته التي حافظ عليها، ونجح في الاعلاء من قيمتها تماماً كما نجح في بناء ثروته.
ففي الوقت الذي يطمح غالبية البشر في الإعلاء من قيمتهم بزيادة أملاكهم وزيادة قيمة محافظهم المالية، ويعتقدون أن قيمتهم بين البشر هي انعكاس لقيمة ممتلكاتهم، فإن الأغنياء الحقيقيين يؤمنون أن قيمتهم وتقديرهم لأنفسهم هو انعكاس لمدى مشاركتهم ما يملكون مع الاخرين، وبقدر ما يعيشون ضمن إطار هذا العـالم ببسـاطة ودون تعـقيد أو أنـفة!
بيل غيتس لا أطمح أن أصبح مليارديرا مثلك، في الحقيقة فإني أصاب بالذعر حين أفكر في الثروات الضخمة والأصفار التي تحملها، ولكني أطمح أن أعيش إنسانيتي كما تعيشها!
كاتب ومُدوّن من الأردن
كنت مقاولاً بإحدى الدول الخليجية بالثمانينات, وكان لدي أكثر من 200 عامل (من محافظة سوهاج بمصر)يعملون لدي في ورش البناء! كنت أشاركهم الطعام والعمل وكنت معهم من أسعد الناس!! ولا حول ولا قوة الا بالله
حياك الله عزيزي داود
*حياك الله أخي (أيمن ) وشيخنا الكروي
وجميع قراء ومعلقي (قدسنا العزيزة).
*(غيتس ) رجل حكيم وإنساني بامتياز
فريد من نوعه بارك الله فيه .
*أذكر قام بزيارة لعدد من الدول
الإفريقية وتبرع لها حوالي(150)
مليون دولار ..!؟
*للأسف أين أثرياء (العرب) من
كرم وإنسانية هذا الرجل الحكيم..؟؟؟
*بارك الله في كل من يتواضع
ويساعد الآخرين..
تحياتي أخ سامح
هو بالفعل كذلك، ونتمنى أن يحذو حذوه بعض أثرياء العرب