إعلان وزير الدفاع نفتالي بينيت في مؤتمر منتدى كهيلت عن إقامة جهاز لتعزيز المستوطنات في المناطق “ج” يدل على أنه منذ أن أطلق خطته لضم مناطق “ج” في 2012، لم يتعلم ولم ينس شيئاً.
وأقواله في هذا المجال مليئة بالأكاذيب والأخطاء التي تبرر القيام بعملية مسيحانية لا يوجد لها احتمالات سياسية أو عملية. وخلافاً لما قاله بينيت لسفراء الاتحاد الأوروبي أثناء لقائه بهم قبل أسبوعين- المناطق “ج” ليست “من أرض دولة إسرائيل”، بل هي مناطق محتلة.
وقد عادت وقررت المحكمة العليا في إسرائيل ذلك، التي هي نفسها تعتبر هدفاً للتحييد بالنسبة لبينيت واييلت شكيد وأصدقائهم – “أولاً، القضاء والقوانين والإدارة في دولة إسرائيل لا تسري على هذه المناطق، ولم يتم ضمها لإسرائيل. ثانياً، القضاء الذي يسري على هذه المناطق يسيطر عليه القانون الدولي العلني الذي يتناول الاحتلال العسكري”.
هكذا أيضاً فيما يتعلق بالموقف السائد الخاطئ حول “أراضي الدولة”. فهذه الأراضي لا تعود لدولة إسرائيل، بل للدولة التي ستقام في هذه المناطق. وواجب إسرائيل يتلخص في الحفاظ على هذه الأراضي إلى حين قيام هذه الدولة، ولا يمكنها ضمها. وحسب قرار الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 2012 وفي 29 تشرين الثاني 1947، فإن هذه المناطق ستكون أراضي الدولة الفلسطينية.
وقد قال بينيت للسفراء إنه يريد وقف “سيطرة الفلسطينيين على مناطق ج”. هذه خطة منظمة وممولة “من أجل سرقة الأراضي منا”. أن يسرقوا ممن؟ لو توجه الوزير إلى منسق أعمال الحكومة في المناطق، لاستخرج له –وبرمشة عين- المعطى الذي يقول إن 52 في المئة من المناطق “ج” هي أراضي بملكية فلسطينية خاصة، وإسرائيل تعترف بذلك.
يوهم الأوروبيين وينتظر الوقت لـ”رد صهيوني مناسب” يطال مناطق “ب” وتغيير مسار الجدار
المناطق الأخرى هي “أراضي دولة”، وتستخدم أغلبيتها الساحقة كمناطق نيران للجيش الإسرائيلي في صحراء يهودا وغور الأردن. هناك ذريعة غريبة للوزير، حيث يبدو من أقواله بأن الفلسطينيين يسرقون أراضيهم المسجلة بأسمائهم.
منسق أعمال الحكومة في المناطق يمكنه في الوقت نفسه أن يوضح للوزير بأن مكانة القرى الفلسطينية الصغيرة (الخرب) في مناطق ج -حسب الاتفاق المرحلي- تختلف عما يعتقد.
ولو أنه كلف نفسه عناء قراءة الاتفاق المرحلي الملزم الذي لم يُلغَ بعد، لاكتشف في ملحق قائمة القرى الصغيرة في المناطق “ب”، بأن ليس أقل من 83 قرية كهذه هي بالفعل لها مكانة مناطق ب. يريد بينيت أن يضم أيضاً قرى فلسطينية لها مكانة مناطق “ب”، التي تم نقلها إلى صلاحية السلطة الفلسطينية القضائية، وكان سيعرف أن 24 صلاحية مدنية وشخصية ووظيفية فيما يتعلق بالسكان الفلسطينيين في مناطق “ج”، تم نقلها قبل 25 سنة إلى السلطة الفلسطينية.
وصورة جوية بسيطة كانت ستكشف للوزير حقيقة أخرى، وهي أن معظم البناء في المناطق “ج” هو نتيجة التوسع الذي لا يمكن منعه للبناء في القرى المجاورة لمناطق “أ” و”ب” قبل 25 سنة، ومعظمها بملكية فلسطينية خاصة. يمكن الافتراض بأن الوزير قد سمع عن التكاثر الطبيعي لدى السكان الفلسطينيين، ومعرفته هذه قد تنعش ذاكرة ما قبل 25 سنة عند توقيع الاتفاق المرحلي بأن 115 ألف إسرائيلي كانوا يعيشون في الضفة، أما الآن فيعيش فيها 427 ألف شخص. 80 في المئة من الزيادة في عدد السكان هي نتيجة التكاثر الطبيعي. إضافة إلى ذلك، يجب على منسق أعمال الحكومة بأن يذكر الوزير بأن إسرائيل تعهدت بنقل أغلبية مناطق ج للسلطة الفلسطينية خلال 18 شهراً. لقد بدأت في هذه العملية، ولكنها أوقفت تماماً في 1998 بقرار أصدرته حكومة نتنياهو الأولى. حتى ذلك الحين تعهدت إسرائيل أيضاً بفحص الترتيبات الأمنية كل ستة أشهر (مع الاهتمام المناسب بالخطط الفلسطينية لإقامة مشاريع اقتصادية).
دعوة بينيت وشكيد لضم مناطق “ج” تدل على التقليل من تقدير وعي الجمهور الإسرائيلي. ليس كما يبدو في الفيلم الهزلي الذي نشراه بعنوان “خطة التهدئة”، حيث تُعرض مناطق “أ” و “ب” و”ج” كثلاثة مستطيلات كاملة. أما الواقع على الأرض فيبين أن مناطق “أ” و “ب” تتكون مما لا يقل عن 169 جزيرة لا يوجد بينها أي تواصل جغرافي، خاصة بعد تقسيمات عشرات الممرات إلى مناطق “ج”، التي تنتشر فيها مستوطنات إسرائيلية. وأي محاولة لإقامة شبكة طرق تربط بين هذه المناطق -مثلما اقترح بينيت في خطته- ستحتاج إلى استثمار إسرائيلي يبلغ عشرات مليارات الدولارات.
قد لا يريد بينيت ضم مناطق “ج” من أجل إبقائها ممراً لجدار الفصل؛ أي أن إسرائيل بينيت ستضطر إلى إزالة الجدار الذي استثمر فيه أكثر من 20 مليار شيكل من أموال دافع الضرائب في إسرائيل وإقامة جدار جديد، هذه المرة على طول الحدود الجديدة، الذي سيكون بطول 1800 كم بتكلفة 32 مليار شيكل وستتم صيانته بتكلفة سنوية ثابتة بمبلغ 4 مليارات شيكل، وكل ذلك من أموال دافع الضرائب في إسرائيل.
تعهد بينيت في مقابلة معه بأنه لن يسرق أراضي الفلسطينيين وفق المناطق التي سيضمها، وسيسمح لهم بفلاحة الأراضي التي تقع داخل حدود إسرائيل. معنى ذلك هو إقامة مئات البوابات الزراعية بتكلفة ملايين الدولارات وتخصيص عشرات الفصائل العسكرية لإدارة هذه البوابات.
يجب عدم إنكار تصميم بينيت الوطني ومساعديه الذين اختارهم كي يحيط نفسه بهم، وتبرير ذلك بأن الأمر يتعلق بالدعاية للانتخابات. جرت المصادقة على خططه على أساس قانوني هش وتنتظر الوقت المناسب للخروج إلى حيز التنفيذ تحت عنوان “رد صهيوني مناسب”. وحتى ذلك الحين، الطاقم المصمم المحيط بالوزير وبدعمه الكامل، ومن خلال الشل الكامل لرئيس الحكومة، سيحول الجهاز الشامل الذي يقترحه لتعزيز المستوطنات في مناطق “ج” من أجل الضم الفعلي.
في العهد الحالي لدونالد ترامب وفلادمير بوتين لا يمكن معرفة قوة التأثيرات الأمنية والسياسية والقانونية التي ستؤثر على إسرائيل من قبل الفلسطينيين والعالم العربي والمجتمع الدولي، رداً على هذه الخطوات. وعلى كل الأحوال، بينيت وأتباعه القوميون المتطرفون المسيحانيون لا يتأثرون من ذلك. وبينيت يعتبر الوضع الإقليمي والدولي الآن فرصة يجب استغلالها. والثمن سندفعه جميعاً، نحن المصابون بالعمى والجنون، وحفنة الواعين أيضاً.
بقلم: شاؤول اريئيلي
هآرتس 19/1/2020