في كل مرة تجري فيها انتخابات في الدول العربية يعقبها حالة من التوتر والانقسام والاضطراب السياسي إلى الحد الذي يربك البلاد ويعطل سير الحياة في مختلف الميادين. وهذا ينبع اساسا من حقيقة أن مجتمعاتنا ما زالت ربع ديمقراطية يحكمها ثلاثة ارباع من التخلف والبدائية ففي مجتمعاتنا يمارس الناخبون إقتراعا ولا يمارسون ديمقراطية، يصوتون وفقا لنظام القطيع وليس وفقا لنظام المواطنة والحزبية الناضجة فينقلون في باصات وشاحنات ليصوتوا في مراكز اقتراع أقل ما يقال عنها بأنها مسالخ تذبح وتشوه فيها قيم وأخلاق الديمقراطية تماما كما تحمل وتشحن الأغنام بلا إرادة لتذبح في مسالخ تنتج موتا بدلا من الحياة، يصطف الناخبون في طوابير صامتة يتهامسون يعقدون صفقات على صفقات يبيعون فيها أنفسهم قبل الشحن وأثناء الشحن وقبل وأثناء وبعد التصويت في تصرف غريب نابع من جهل بمعاني الديمقراطية ومن ازدراء وسلب للذات بفعل القهر والجوع والتجهيل المصنع برعاية انصاف قادة في دول هي انصاف قبائل. وفي أحسن الأحوال يندفع الناخبون للتصويت لابن قبيلتهم وابن مدينتهم وقريتهم وفقا لمبدأ الفزعة الموروث من دولة القبيلة فيكون التصويت للقبيلة بدلا من الحزب وللمدينة والقرية بدلا الوطن. يحدث ذلك كله في احتفالية تعلق فيها يافطات تكسوها شعارات مستوحاة من قيم مدينة افلاطون الفاضلة يسمعها المواطنون منذ الاستقلال وتفتح في الاحتفالية مقرات تسمى انتخابية ينتظر فيها الناخبون الطعام والهدايا أكثر من انتظارهم لبرامج المرشحـــين الذين تعلو اصواتهم في المقرات يحرضون ويستنزفون كل مكنونات التخلف والبدائية كالقبلية والطائفية والتهديد والابتزاز والتشهير والتخوين والتكفير فالديمقراطية عندهم لا تعدو عن كونها صندوق اقتراع يمرون عبره لمنصب يغتصبون من خلاله الوطن وهم بذلك يلخصون الواقع المــــرير للحياة السياسية في العالم العربي فكل المرشحين واحزابهم الوهمية لا يرون الصــندوق إلا وسيلة لشرعنة السلب والاستحواذ على الوطن. فلا الفائزون يؤمنون بالوطنية والتعددية بل العكس تماما يسعون لابتلاع الوطن واستبدال ذاكرته ليبدأ التاريخ من حيث انتخبوا ولا الخاسرون يسلمون بالهزيمة بل ينسحبون من المشهد السياسي في مسعى منهم لتعطيل وعرقلة الحكومة الجديدة ولاظهارها بصـــورة عرجاء لا تمثل كافة الاطياف ولا يقف الخاسرون عند هذا الحد بل يسعون وبكل الوسائل لتوتير الاجواء وللتجييش في الشارع للانقضاض على الحكم ولو على حساب استقرار الوطن وأمنه. إن مستلزمات الديمقراطية لا تنحصر في صندوق الاقتراع فعملية التصويت بحد ذاتها سلوك قد يمارسه المستبدون والتقليديون والمتعصبون والظلاميون والجاهلون والهدامون الانتهازيون والكاذبون جنبا إلى جنب مع الوطنيين والديمقراطيين والكفاءات لذلك يبدو لي أن المدنية والدمقرطة تتجاوز الصندوق لتصل الى المناهج التعليمية ووسائل الاعلام والخطب والمواعظ في دور العبادة وآليات التربية في البيوت وفقا لسياسات تنبع من استراتيجيات تمرر عبر سنوات عديدة وحتى ذلك الحين يبقى العرب على قارعة الطريق تتجاوزهم الشعوب الديمقراطية سياسيا واقتصاديا وثقافيا وحتى رياضيا منذ عشرات السنين.
….وكاني اطالع تحيين عصرى لاعمال العلامة ابن خلدون……شكرا.