بين الموت غرقاً وميتات أخرى!

حجم الخط
24

من زمان أيام كنت أقيم في بيروت، أعطتني إحدى الصديقات الطبيبات ورقة لأوقع عليها موافقتي على نقل قرنية عيني إلى محتاج لها بعد وفاتي لتعيد إليه البصر. وتحمست للأمر، بل تحمست للتبرع بأعضائي كلها بعد موتي لمن يلزم. لكنني مع مرور الأيام بدلت رأيي نهائياً، لماذا؟ لأنني صرت أقرأ الأخبار عن أشخاص توهم الأطباء أنهم ماتوا وكانوا على وشك دفنهم أو تشريحهم حين اكتشفوا أنهم مازالوا أحياء!

ليلة في المشرحة ثم الحياة!

وآخر هذه الحكايات قرأتها في منبر أثق في أخباره، والخبر عن رجل (45 سنة) في الهند (أعلنت وفاته بعد تعرضه لحادث مروري وأمضى ليلة في المشرحة) وقبل البدء بذلك، تبين أنه ما زال على قيد الحياة! وذلك يمكن أن يحدث لي ولك. ومن طرفي، بدلت رأيي وقررت أنني لا أريد التبرع بأي من أعضائي، لأنني لا أحب أن أستيقظ في قبري وقد فقدت عيناً أو كلية مثلاً!

نهاية التبرع بالأعضاء؟

لست وحدي التي تطالع أخباراً كهذه تخيفها، إذ لا يحب أحد أن يستيقظ في قبره بعد دفنه حياً لغلطة طبية في التشخيص ويجد أنه فوق ذلك فقد عيناً أو عضواً آخر من جسده. مدير المستشفى الذي كاد يتم تشريح الرجل الحي فيه، قال إن ما حدث «معجزة» وهي عبارة تخفي بها الأغلاط الطبية بكل بساطة… ووداعاً للتبرع بأعضائي، وأفضل أن أدفن دفعة واحدة، وإذا استيقظت في قبري أجد أعضائي كلها بلا انتقاص منها بدعوى التبرع ببعضها.. ويكفي الرعب من الاستيقاظ حية في قبر!

ضد قانون يظلم الصغيرات

لم أكن أدري أن قانون العقوبات العراقي (المادة 398) يعفي المغتصب إذا تزوج من الضحية. وأتفق بلا تحفظ مع النسويات الرافضات لتزويج المغتصب من (الضحية) بحيث يتم العفو عن جرمه (الاغتصاب!) وأقف أيضاً دون تحفظ ضد تزويج بنات 12 سنة. هذا ليس زواجاً، بل هو جريمة اغتصاب سواء عقدها رجال دين أم لا. وقرأت أن الناشطات النسويات وقفن ضد ذلك.

ماتت ومات بعض لبنان!

كان ياما كان..
كانت بيروت عاصمة للنشر العربي، حيث تتقن طباعة الكتب الراقية وتوزيعها، وكانت عاصمة الصحافة الراقية.. ولذا حزنت حين ماتت صحف ومجلات كثيرة عديدة كانت تصدر في لبنان وتوقفت عن الصدور.. وأذكر على سبيل المثال الصحف والمجلات التالية: السفير، الصياد، الأنوار، المستقبل، الأسبوع العربي، الحوادث، البيرق، الشبكة، الكفاح العربي، الدايلي ستار، وسواها كثير.. وبوسعي أن أذكر بعض أصحاب الصحف اللبنانية الذين ماتوا قتلاً، كرياض طه (الأحد ـ الكفاح) وكامل مروة (الحياة). الصورة محزنة وغير مشرقة، وكأنها مؤشر غير متفائل على مستقبل لبنان الحبيب.

65 فكرة لإجازة في «البيرينيه»

وصلني مجاناً كراس ملون جميل الطباعة يغري بقضاء الإجازة في منطقة «البيرينيه» في جنوب فرنسا.. وتذكرت لبنان الجميل (القتيل) الذي أضحى مكاناً للتناحر وربما لحرب أهلية جديدة.
تصفحت الكراس الجميل الملون وتخيلت ما يشبهه لكن عن لبنان، الذي لا يقل جمالاً طبيعياً عما في كراس الدعوة للسياحة في جنوب فرنسا، منطقة البيرينيه. لكنني شاهدت على شاشة التلفزيون الفرنسي (القناة 5) برنامجاً وثائقياً أعدته ميلاني تارافانت وألفريد مونتسكيو، يتحدث طوال ساعتين عن لبنان (قلب الفوضى) كما يدعونه.. ويتساءل: لماذا تسوء حال لبنان؟ ذلك الشعب اللبناني الذي كان يتمتع بالرخاء وصار رهينة مشاكل الشرق الأوسط وحروبها؟ وحزنت حقاً، فأنا سورية أحببت لبنان الجميل، وأحزن حين أرى برنامجاً متلفزاً في التلفزيون الفرنسي (القناة 5) ويدوم ساعتين.. وأعتقد أن لبنان يستحق أن يعود سويسرا الشرق، وأن يحمل لقبه القديم هذا. حين وصلت من دمشق إلى بيروت للدراسة في الجامعة الأمريكية فيها، كان لبنان عاصمة للجمال والأمان والنشر والإبداع، ولذا يتضاعف حزني لما يدور اليوم في هذا الوطن الجميل كما كان.. وأتخيل كراساً سياحياً عن لبنان كهذا الذي عن منطقة «البيرينيه» في فرنسا، وتراودني نفسي للكتابة على كراس كهذا عن «لبنان كما عرفته» وطفت فيه قبل الحرب الأهلية والانهيار المالي والانهيارات كلها التي يعاني منها لبنان هذه الأيام.. حتى العجز عن الاستمتاع بالتيار الكهربائي، والافتقار إلى الأدوية في الصيدليات، وسقوط الليرة اللبنانية قياساً إلى الدولار، والكثير من الانهيارات المحزنة…
ترى، هل ينجح لبنان في مغادرة هذه الكوارث كلها والعودة إلى العافية، أم أن الأحزاب المتعددة المسلحة صارت تجد في هذا الوطن الجميل مرتعاً لإشعاله إكراماً لبلدان أخرى؟ حمى الله لبنان من الشر الذي ينبت فيه، فهو لا يستحق ذلك.

الحلم الرغد حتى الموت

كلما قرأت عن غرق قارب من (قوارب الحظ) بركابه حزنت كأنني الأم لأولئك الشبان كلهم بعدما غرق بهم قاربهم وكانوا يريدون الهرب به إلى الحلم بحياة رغدة تختلف عما يعانونه في أوطانهم. وآخر ما قرأته عن ذلك غرق 31 مهاجراً إلى (الحلم الرغد) حتى أن رئيس جمهورية فرنسا قال مستنكراً: لا نريد أن يصير بحر المانش (بين فرنسا وبريطانيا) مقبرة. والحل واضح، وهو جعل بلداننا مكاناً صالحاً للعيش، بحيث لا يهرب المرء منها في قوارب خطرة إلى أوروبا.. فأنا لم أسمع يوماً (بقارب حظ) غادر أوروبا إلى بلادنا العربية حلماً بحياة أفضل. وأتساءل أيضاً: لماذا لا تتم معاقبة الذين يتقاضون المال مقابل كل راكب في قواربهم، ولا يزودونهم على الأقل بأطواق النجاة؟ سيموت الناجون برداً؟ هذا صحيح إذا لم يجدوا في الغرب دوريات تنقذ الذين على وشك الغرق.

مات الشاب وجن والده!

كدت أنسى أن أحدثكم عن مخاطر زرع أعضاء الأحياء كهدية لأهلهم. هذا أستاذ جامعي في بلد عربي، الدكتور م.س أصيب بقصور قاتل في كليته، فتبرع له ابنه الشاب بكلية منه. وكرهناه حين قبِلَ ذلك. لكن القدر سخر منا، إذ قتل ابنه الشاب في حادث مروري، وبقي الأستاذ الجامعي حياً بفضل كلية ابنه. لكن المسكين أصيب بالجنون.
وأظن أن الاستسلام لمشيئة الخالق وقت الموت هو الأفضل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ” فأنا لم أسمع يوماً (بقارب حظ) غادر أوروبا إلى بلادنا العربية حلماً بحياة أفضل. ” إهـ
    كيف أتى الصهاينة لفلسطين من أوروبا منذ وعد بلفور المشؤؤوم؟
    كيف أتى اليونانيين وغيرهم من أوروبا إلى مصر قبل قرن؟
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    ” وأقف أيضاً دون تحفظ ضد تزويج بنات 12 سنة. هذا ليس زواجاً، بل هو جريمة اغتصاب سواء عقدها رجال دين أم لا. ” إهـ
    هناك مقارنة بالنسبة لبنت 12 سنة: بين أن تتزوج بإرادتها ورغبتها, أو تصادق زميل لها بالمدرسة وتحمل منه!
    من الصعب وجود بنت غربية بكر بعمر 18 سنة!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول أسامة ملّيَّة سوريا/ألمانيا:

      أخي الكروي ، هل زواج طفله بعمر ١٢ سنة مقبول! والحجة التي تعطيها بعدم العذرية لاعلاقة لها بالزواج الذي يحصل في مجتمعاتنا! فهذا شأن أخر ويمكننا الحديث عنه لكن لاعلاقة له بقصة زواج الفتيات الصغيرات.

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    ” رجل (45 سنة) في الهند (أعلنت وفاته بعد تعرضه لحادث مروري وأمضى ليلة في المشرحة) وقبل البدء بذلك، تبين أنه ما زال على قيد الحياة! ” إهـ
    هذه حالة لا تتعدى نسبة واحد في المليون!
    التشخيص الحديث يعتمد على توقف جذع الدماغ وليس القلب في حالات الموت!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

      أخي الكروي، هذا إذا تم التشخيص الحديث! أنت تعيش في أوربا وليس في الهند أو العراق وسوريا ولبنان واليمن ….

  4. يقول نجم الدراجي - العراق:

    بيروت كانت البداية .. ( لبنان راح يرجع ) قبل يومين بدأت اعمال معرض بغداد الدولي للكتاب ، والجميل بان بيروت حاضرة في بغداد ، وعند مدخل الجناح اللبناني تصدرت جدارية كبيرة جدا مشهد المعرض لوحة لبيروت خطت عليها عبارة ( لبنان راح يرجع ) وشاهدت أغلب دور النشر اللبنانية مشاركة في المعرض والكتب معروضة باشكال انيقة وجذابة ، والمدهش هو الابداع في الكتابة والتأليف والترجمة والنشر رغم الوجع اللبناني ، واستفسرت عن دار الطليعة لعلي أطالع كتاب جديد للايقونة غادة السمان ، وقيل لي بانها غير مشاركة ، واتمنى مشاركتها في المعرض القادم ، وقد لمست الذوق الرفيع ولطافة الاصدقاء اللبنانيين والسوريين .. رغم الحروب العبثية والعواصف المصطنعة فان مدن الحضارة بيروت ودمشق وبغداد تنتج كل هذه الافكار العظيمة والكتب الكثيرة وتتشبث بالحياة ، وتشرق بالكلمة المبدعة .
    تحياتي
    نجم الدراجي – بغداد

    1. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

      أخي نجم الدراجي. شكرًا لمشاعرك الطيبة لكن هل وجدت كتاب لغادة السمان في الجناح السوري مثلًا! لا أعتقد أن مشاركات الأنظمة ستقدم شيئًا ينفع الثقافة! على جميع الاحوال هم لايفكرون إلا بأن تنتفع الأنظمة!

  5. يقول أفانين كبة - كندا:

    المفروض ان يكون موضوع التبرع بالأعضاء فيه سرية تامة وبأيادي أمينة جدا ، والذي هو اتفاق يتم فقط بين الشخص المتبرع وبين المسؤولين في المستشفيات ، وليس المفروض أن يكون في العلن وأمام عامة الناس ، لأن لو حصل وأن تسربت المعلومات ، قد يحصل أن يتعرض الشخص المتعهد بتبرع اعضاءه للقتل بحادث سيارة مدبر لها ومتعمد أو غير ذلك من الحوادث المدبرة .
    أما زواج البنات الصغيرات فهو ما يرفضه العقل والمنطق ، فأبنة الثانية عشر من العمر هي طفلة تلعب بالدمى وتذهب الى المدرسة وتمضي أوقات ممتعة مع زميلاتها ، جسمها الصغير مازال في دور نمو ، عواطفها غير ناضجة وعقلها غير مكتمل وأيضا ثقافتها تكون محدودة في ذلك العمر ، هي نفسها مازالت تحتاج الى عناية ورعاية الوالدين لها ، فكيف ستفهم معنى الزواج وتحمل المسؤولية وقد تصبح أم وهي في ذلك العمر الصغير ، دعوها تعيش عالمها وتتمتع بطفولتها وفترة مراهقتها ، فكل خبراء النفس والإجتماعيين يؤكدون على هذا !

    أفانين كبة -كندا

  6. يقول Edward Jenner II:

    ماتت الصحافة في لبنان لأنها تبرعت بأعضائها لمجرمين قتلوها ،كان على لبنان ان يرفض التبرع بالأعضاء

  7. يقول هاديا:

    سيدتي غادة، يمكنك التبرع بأي عضو من أعضاء جسمك من دون خوف بعد ان تكتبي وصية أن لا تدفني إلا بعد يومين او ثلاثة، وبهذا لن تجدي نفسك في القبر،،،، دعواتي لك بالصحة والعافية

  8. يقول سنتيك اليونان:

    امكانية حصول خطاء دائما موجودة فهل سنمتنع عن السفر بالطائرة او ركوب السيارة خوفا من امكانية حصول خطاء او حادث هذا من جهة ومن جهة اخرى اذا استيقظ (المتوفي) وهو داخل القبر ان كان بعين او بدون عين لن يستطيع الخروج من القبر الا اذا كان معه تلفون جوال حتى يطلب المساعدة لذالك قد يكون من المفيد ان يتزود (المتوفي) بتلفون ولابأس ببعض الماكولات والكوكاكولا اذ قد تتأخر المساعدة

  9. يقول سوري جدا:

    أختي الكريمة، ست الشام الحبيبة
    من قسوة الحياة، يضطر الكثير من السوريين اليوم لبيع أحد أعضائهم إما لضيق ذات اليد، أو للهروب من جحيم الإجرام الأسدي. و”التسعيرة” لكل عضو باتت معروفة لدى تجار الأعضاء الذين انتشروا في مخيمات اللاجئين، الكلوة مثلا ب 15 ألف دولار، ويضطر البائع بيع كليته كي يدفع قسما منها للمهربين الذي يعدونه الوصول إلى شواطيء أوربا، دون أن ضمان بالوصول، وكثر من هؤلاء يصبحون طعاما لأسماك المتوسط. هذه هي المأساة الكبرى للبشرية في القرن الواحد والعشرين. حكام ” شبيحة” أوصلوا شعوبهم إلى حافة الفاقة وبيع أعضائهم في سوق نخاسة الأعضاء.
    سيدتي الكريمة
    لاحظت منذ فترة أن كتاباتك تدور حول الموت أرجو أن لا يكون هاجسا.. دمت لنا يا ست الشام، ودام احباؤك

    1. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

      أخي سوري نلاحظ مثلك أن الدراما تغلب على حديث السيدة الكاتبة ست الشام لكن أعتقد أن الواقع المأساوي هو الذي السبب ونتمنى لها الصحة والعافية وطول العمر.

  10. يقول عمرو - سلطنة عمان:

    متى سيصدر الكتاب الجديد؟ أعلم أن هناك مشاريع عدة منها الصورة الثرثارة وربما الأعمال الغير كاملة وبعض الرسائل والجزء الثالث من المستحيلة ويا دمشق وداعا “مرحلة بيروت ولندن وصقيع الغربة والأعدقاء”
    كم أتمنى أن يصبح ال 50 كتابا 100 كتاب وأكثر

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية