بين النظرية والتطبيق: الأمل أقوى من جميع الآلهة

الأمل هو الحياة، هو سر البقاء، به نزرع وبه نحصد، ونحب على أمل الوصول إلى من نحب، ونعمل الخير أملاً في دخول الجنة، وتحمل الأم أملاً في رؤية طفل يبعث الفرح والطمأنينة في نفسها ونفس من يحيطون بها. الأمل كذلك يحفزنا على الصمود والمثابرة وعدم الاستسلام، ويبعدنا عن الكسل والكآبة والإحباط، ولولاه لجلسنا في غرفة مظلمة ننظر إلى جميع الأمور من حولنا نظرة سلبية، تمنعنا من الاستمتاع بكل ما هو موجود لدينا. وليست هناك حقيقة أجمل من كلماتٍ تبعث الأمل في نفوسنا، وتزيد حياتنا روعة وجمالاً.
هذا ما يُثبته كل من محمد منصور وعاطف الشربيني في كتابهما «سيكولوجية الأمل بين النظرية والتطبيق» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في القاهرة، على أمل، والقول هذه المرة لي، أن يجد ما يقولانه أُذنًا تسمع وأفئدة تستجيب لما يدعواننا إليه. هنا يحدثنا المؤلفان عن الأمل، تعريفه، مكوناته، قواعده وحقائق أخرى مهمة مرتبطة به، وهل هو ذو طبيعة وجدانية أم معرفية. هنا أيضًا نقرأ عن الأمل وعلاقته بالتفاؤل ونظرياته وعلاقته بالكفاءة الذاتية، كما لا ينسى المؤلفان أن يتحدثا عن أهمية الأمل.
بداية يذكر المؤلفان أن العديد من الفلاسفة ورجال الدين والتربويين، في السنوات الأخيرة، تناولوا مفهوم الأمل بالدراسة والتحليل، وهناك العديد من التعريفات المختلفة التي صيغت حول هذا المفهوم، وبشكل عام يُنظر إلى الأمل على أنه عبارة عن حالة عقلية إيجابية حول قدرة الأفراد على تحقيق الأهداف في المستقبل. كما يمكن النظر إلى الأمل على أنه القدرة التي تمكّن الأفراد من وضع أهداف ذات قيمة، وكذلك معرفة الوسائل التي تؤدي إلى تحقيق تلك الأهداف وإيجاد الدافع لجعل تلك الأهداف تتحقق كما يذهب إلى ذلك عالم النفس ريتشارد سنايدر.

بناء معرفي

أيضًا نعرف هنا أن هناك تراثًا نظريًّا ينظر إلى الأمل باعتباره عاطفة أو انفعالاً، إلا أن معظم الدراسات والبحوث تنظر إليه بوصفه بناءً معرفيًّا بالدرجة الأولى. المؤلفان ينقلان لنا هنا عن أفرويل تعريفه للأمل، الذي ينص على كونه حالة انفعالية موجهة من قِبل خبراتنا السابقة، وهي تتأثر بالظروف البيئية المحيطة، فيما رأى كل من إستوتلاند وجود تشالك، أنه عبارة عن توقعات حول قدرة الفرد على تحقيق أهدافه المرغوبة في المستقبل. هنا نقرأ أيضًا أنه في الأساطير اليونانية القديمة، وعندما فتح باندورا صندوقه ليسمح بخروج جميع الآلهة، ظل الأمل داخل الصندوق، ما يشير إلى أن الأمل هو الأقوى والأكثر نفوذًا من جميع الآلهة، وفي المسيحية الأمل واحد من ثلاث هدايا من روح الإيمان والأمل والحب.

يمكن النظر إلى الأمل على أنه القدرة التي تمكّن الأفراد من وضع أهداف ذات قيمة، وكذلك معرفة الوسائل التي تؤدي إلى تحقيق تلك الأهداف وإيجاد الدافع لجعل تلك الأهداف تتحقق كما يذهب إلى ذلك عالم النفس ريتشارد سنايدر.

ورغم أن مفهوم الأمل يتم النظر إليه على أنه غامض ومجرد، إلا أنه عنصر ضروري في حياة الإنسان، وله جذور في التراث الفلسفي والديني والاجتماعي والنفسي. فيما يرى عالِم اللاهوت يورغن مولتمانن أن البشر عبارة عن مخلوقات من الأمل، يتطلعون في ما وراء الحاضر إلى المستقبل، ولا يمكن التحدث عن الحياة بدون مدخل واعٍ أو غير واعٍ للمستقبل المنشود أو المرغوب، خاصة أن الأمل هو الوضع أو النمط الرئيس للوجود، وهو التركيب الأكثر أهمية في حياة الإنسان، ولابد أن يتسم الإنسان بالأمل ما دام يعيش، والحياة المفعمة بالأمل تتميز بالحيوية والنشاط لمن يعيشها. وحين يتحدث المؤلفان عن العلاقة ما بين الأمل والتفاؤل يقولان إن الأفراد المرتفعين على التفاؤل يكونون أكثر أملاً، وأجهزة المناعة لديهم تعمل بشكل أفضل، كما أنهم أكثر تعايشًا مع الضغوط، مستخدمين استراتيجيات مواجهة أكثر فاعلية، كإعادة التقييم وحل المشكلات، ويتحاشون بشكل فعال أحداث الحياة الضاغطة، ويشكلون شبكات من المساندة الاجتماعية حول أنفسهم، ويتبعون أساليب الحياة الصحية التي تقيهم من الإصابة بالأمراض، وحتى إذا أصيبوا بأي اضطرابات فلديهم القدرة أكثر من غيرهم لاتباع النصائح الطبية بشكل أفضل.
غير أن هناك من يرى أن كلاً من الأمل والتفاؤل يواجهان صعوبات في التمييز بينهما.هنا أيضًا نقرأ أن الأمل هو البلسم الذي يعمل على تخفيف معاناة المرضى والمصابين، وتكمن أهمية الأمل في أنه القوة التي تساعدنا على اكتشاف، أو إعادة اكتشاف، تلك القوى الداخلية التي تثري وجودنا، وتدفعنا نحو المستقبل.

الشعور بتقدير الذات

في كتابهما هذا يدعو المؤلفان إلى التمسك بالأمل لنستمتع بالحياة كما ينبغي، كما يحذران من اليأس الذي قد يقضي على حياتنا بضربة واحدة قاضية، مشيرين إلى أسفهما من أناس يمضون شطرًا كبيرًا من حياتهم في مجال متواضع، قانعين بالدونية، لا يبذلون جهدهم من أجل الرقي والتقدم، خاصة أن من يسعى إلى التفوق في المجال الصحيح الذي يناسبه، لا يتفوق وحسب، بل إن طاقته الإنتاجية وصحته النفسية تتحسنان أيضًا. كذلك يتساءل المؤلفان عمن ينظر في المرآة ويرى أمامه شخصًا عاديًّا في كل شيء، ليست لديه أدنى ميزة، كيف يشعر بتقدير ذاته؟

بعض الأفراد قد لا يستطيعون أحيانًا تحقيق أهدافهم، عندما تسيطر عليهم مشاعر الإحباط أو الفشل، التي تكون عائقًا نحو الاستمرار في السعي نحو تحقيق الهدف.

هنا أيضًا يورد المؤلفان قصة العجوز الإفريقي الذي عمل في مزرعته إلى أن تقدم به العمر، وذات يوم سمع عن أناس يسافرون بحثًا عن الماس، فباع حقله وانطلق يبحث عن الماس كي يصبح غنيًّا، لكنه ظل في رحلة بحثه لثلاثة عشر عامًا حتى أدركه اليأس ولم يحقق حلمه، فألقى نفسه في البحر وأصبح طعامًا للأسماك، فيما وجد المزارع الجديد الذي اشترى الحقل شيئًا يلمع ولما التقطه وجده قطعة من الماس، فراح يحفر وينقب بجد واجتهاد ووجد قطعة ثانية وثالثة، يا للمفاجأة: قد كان تحت حقله منجم ماس! ومغزى هذه القصة هو أن سر التفوق قد يكون أقرب إلى أحدنا من موضع قدميه، لكنه لا ينتبه إليه، ثم إن الموهبة كقطعة الماس لا تخلب النظر إلا بعد القطع والصقل، لذا فحينما يريد المرء وضع أهداف له كي يسعى إلى تحقيقها، عليه أن ينظر في ما عنده، ولا يرحل إلى آخر الدنيا بحثًا عن هدف جدير بالتحقيق.

ذكاء وجداني

كذلك يؤكد المؤلفان هنا على أن بعض الأفراد قد لا يستطيعون أحيانًا تحقيق أهدافهم، عندما تسيطر عليهم مشاعر الإحباط أو الفشل، التي تكون عائقًا نحو الاستمرار في السعي نحو تحقيق الهدف، والتحكم في انفعالاتنا السلبية من حزن وإحباط، يشكّل الخطوة الأساسية على طريق النجاح، والاستسلام لمشاعرنا وانفعالاتنا السلبية، يؤثر على قدراتنا في استخدام إمكانياتنا العقلية، إلى الحد الذي يعوق أو يحول دون تنمية قدراتنا على التفكير والتخطيط، وبالتالي تؤثر على كيفية أدائنا لوظائفنا في الحياة. كما يؤكدان أن القدرة على دفع الذات والتحكم في الانفعالات من المهارات التي يشتمل عليها الذكاء الوجداني. هنا أيضًا يطلب المؤلفان من القارئ أن يقوم بوضع أهداف محددة، مع وضع أكبر عدد من الطرق والأساليب التي توصله لأهدافه، وعليه أن يمتلك القوة الدافعة، أو الإرادة، التي تجعله يسعى بشكل متواصل لتحقيق هذه الأهداف، ناظرًا إلى العوائق التي تواجهه على أنها تحديات لابد من التغلب عليها.
وبعد.. إننا هنا إزاء كتاب مفيد خاصة في عصرنا هذا، الذي كثرت فيه أسباب ومسببات الإحباط والفشل، وبات التمسك بالأمل كمن يُمْسك بجمر في راحة يده ولا يريد أن يُفْلته. نحن الآن بحاجة مُلحّة لمن يبذر في نفوسنا الأمل حتى نواصل حياتنا، متحملين مشاقها وصعوباتها، محاولين رسم خريطة حياة آمنة، خالية من صنوف اليأس والإحباط، ولا نرى فيها أي صورة من صور الفشل.

٭ كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ياسمين:

    متناقص
    قصة الرجل الذي باع حقله تقوم على الامل ان يجد المال ويحقق الثروة
    اذا فالامل شيء سلبي لا ايجابي
    وهو كذلك في القران الكريم بالمعنى السلبي وقد كره الرسول وصحابته الكرام في الامل فهو مبعث على الكسل وضد العمل

  2. يقول ياسمين:

    ومؤسف أن ترجعو لمعناه عند الفلاسفة وعند والمسيحية وتهملوا معناه في القران والسنة

إشترك في قائمتنا البريدية