بين النكبة والنكسة ضاع العرب

حجم الخط
0

كلمتان وصف بهما العرب هزيمتهما. النكبة وأختها النكسة، كلمتان تختلفان بحرف واحد، الباء استبدلت بسين، لكن المأساة واحدة وإن اختلف الحرف. والفارق الزمني بينهما لا يتعدى العقدين، فكيف لدغ العرب من الجحر مرتين؟
الجواب يكمن في أن العرب لدغوا قبل ثلاثة عقود من النكبة بثلاث لدغات قوية من جحرين: فرنسا وبريطانيا في وعد بلفور، وسايكس بيكو، والانتداب.

ملحقات وعد بلفور

وأعتقد جازما اليوم أن سايكس بيكو، والانتداب، هما من ملحقات وعد بلفور. إذ لولاهما لما استطاعت الصهيونية العالمية أن تسيطر على فلسطين. وبالتالي كان لا بد من تقسيم سوريا الكبرى، وإنشاء دول « بشحطة قلم» كي لا تواجه إسرائيل دولة واحدة كبيرة، والسيطرة على هذه الدول « التي لا تستطيع أن تحكم نفسها بنفسها» ومنعها من مواجهة عصابات الصهاينة ( الهاغانا، والارغون، وشتيرن) كي يستكملوا بناء الدولة، ودعمها دوليا في الأمم المتحدة والاعتراف بها حتى قبل ان تعلن.( وكان الاتحاد السوفييتي « صديق العرب» أول المعترفين)، بمعنى آخر أن المؤامرة كانت « محبوكة « دوليا، والعرب لم يستفيقوا بعد من غفوة عميقة أطول من غفوة أهل الكهف دامت أربعة قرون « عصملية».
جاءت النكبة كضربة مطرقة على الرأس، جيوش عربية جرارة تهزمها عصابات الشتات. عادت الجيوش العربية الجرارة تجر أذيال الخيبة وتساءلوا: ماذا ندعو خيبتا؟ وكانوا قد شكلوا جامعتهم العربية.
ـ نكبة… بالإجماع
لكن هذه النكبة اعتقد العرب أنها نهاية الأحزان، وأيها الفلسطينيون لا تخافوا ولا تحزنوا هي مجرد قضاء أسبوع أو أسبوعين تحت الخيام وسنرد لهم الصاع صاعين.
ومر قرن النكبات والنكسات، وباتت فلسطين القضية الأساسية لدى الأنظمة العربية، ليس للتحرير وإنما لكسب شرعية يسندون بها أنظمتهم المهلهلة عديمة الشرعية.
فإذا قام أحد ضباط الجيش بانقلاب فبسبب فلسطين (وهذا ما برر حسني الزعيم قائد أول انقلاب عسكري في سوريا انقلابه متهما الحكومة المدنية بأنها خانت فلسطين).
وبعد الانقلاب السوري كرت سبحة الانقلابات وجميعها جاءت تحت مسمى « ثورات»: ثورة 23 تموز- يوليو في مصر، ثورة 14 تموز- يوليو في العراق، ثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا..

نفق مظلم مع حزب البعث

أما في سوريا فما كان أكثر من ثوراتها، كلما استيقظ ضابط قبل الآخرين قاد دباباته وأعلن ثورة جديدة ولعن العهد البائد « الخائن لقضية العرب الأولى: فلسطين»، وجاءت» ثورة» الثامن من آذار-مارس لتكون الخاتمة التي أدخلت سوريا بأطول نفق مظلم مع حزب البعث ثم مع سلالة الحكم الأسدي الذي باع العالم العربي بأكمله قوميات، وتصديات، وممانعات، وعنتريات، قبل أن يبيع الجولان مفروشا للصهاينة ببلاغ رقم 66 المشؤوم، فلا قوميات، ولا تصديات، ولا ممانعات، ولا عنتريات، ولا هم يحزنون. بل فيما بعد كان أول من يسفك بالدم الفلسطيني مع وريثه في لبنان وسوريا.

حرب السويس

جاءت حرب السويس لترفع المعنويات قليلا، ويصعد نجم جمال عبد الناصر، وعلى إثرها تم قرار الوحدة السورية المصرية السريع، وأسرع منه كان قرار الانفصال، سقطت الملكية في العراق، واعدمت الأسرة الملكية الهاشمية، وأدخل حزب البعث العراق بدوره في نفق أظلم من النفق السوري.
ووقع جمال عبد الناصر في خطأ دعم انقلاب « ثورة» عبد الله السلال لإسقاط الإمامة في اليمن في وقت كان الصهاينة يحضرون لتحويل نهر الأردن ليجتمع العرب لأول مرة حول طاولة الجامعة العربية وإصدار أول قرارات القمم التي سيعلوها غبار كثيف، ويطويها النسيان. في وقت كان النظام في سوريا يبدأ مرحلة تطويف الجيش وطرد البعث القومي والرئيس امين الحافظ إلى العراق، والتصعيد اللفظي ضد إسرائيل والتحضير « لحرب شعبية» على الطريقة الفيتنامية من حكومة « الدكاترة» التي ادعت «الثورية «، ووعدت الشعب السوري بوليمة على شاطئ حيفا بعد أربع وعشرين ساعة من بدء المعركة التحريرية الفاصلة، خاصة وأن العرب كانوا قد اتفقوا على إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية التي بدأت عملياتها الفدائية داخل الأراضي المحتلة، فهدد ليفي أشكول باحتلال دمشق، ووقف عبد الناصر ليناصر سوريا فأغلق مضيق ثيران، وسحب قوات الأمم المتحدة، واطمأن لتأكيد السوفييت أن إسرائيل لن تقوم بالضربة الأولى ( وأعتقد هنا أن السوفييت كانوا على علم بالضربة الاستباقية الإسرائيلية وفضلوا عدم البوح بالسر للسيطرة على سوق الأسلحة لمصر وسوريا، واستغلال النفوذ)، ونام العرب على حرير، واستيقظوا في الخامس من حزيران- يونيو على هزيمة جديدة. بعد أن حطم الطيران الإسرائيلي المطارات المصرية، واحتل سيناء، والضفة الغربية والجولان. وتساءلوا: ماذا ندعو هزيمتنا؟
ـ نكسة بالإجماع.
وأقسموا بثلاث لاءات في مؤتمر الخرطوم:
« لا تفاوض، لا صلح، لا اعتراف « سرعان ما تخلوا عنها جميعا واستبدلوها بنعم ونعمين، فقابلتها إسرائيل بخمس لاءات «لا انسحاب، لا لتقسيم القدس، لا توقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، لا لمبادرة السلام العربية، لا لدولة فلسطينية» ولم تتخل عن واحدة منها.
اليوم يلدغ العرب من هذا الجحر للمرة الألف، إذ جاءتهم صفاقة صفقة القرن، وضم الضفة، بعد أن ضموا الجولان، وهم مشتتون، مبعثرون، متناحرون، متضاربون يزحفون سرا وعلانية إلى تل الربيع، منهم من لبس قناعا، ومنهم من لم يلبس متباهيا بصداقة زعماء بني صهيون ويلتقطون صورا تذكارية بعد أن باعوا القضية بقشرة بصلة، وألقوا أخاهم الفلسطيني في الجب وحيدا، وهم عصبة، واحد وعشرون أخا ينتظرون الذئب ليريحهم منه بعد أن أعطوه الأمان.

كاتب سوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية