يُؤرِّخ كثر من المحللين والمراقبين للشأن العراقي أن العلاقة بين إيران وكردستان العراق بدأت بالاهتزاز على خلفية الاستفتاء باستقلال الإقليم الذي جرى في 25 أيلول/سبتمبر 2017 بدعوة من رئيس الإقليم مسعود بارزاني، والذي ردَّت عليه حكومة حيدر العبادي بعد أسابيع في 16 تشرين الأول/أكتوبر بعملية عسكرية للقوات العراقية لاستعادة المناطق المتنازع عليها في محافظة كركوك، ومن ضمنها المدينة كركوك التي سيطرت عليها قوات البشمركة عام 2014 بعد انهيار القوات النظامية العراقية أمام تنظيم «الدولة الإسلامية» وسقوط محافظات في شمال وغرب البلاد بيده.
لم تكن طهران وحدها مُعارضة للاستفتاء وتتخوّف منه، بل كانت تركيا أيضاً نظراً إلى موقفها من المسألة الكردية، وأظهرت واشنطن ودول غربية معارضتها لهذه الخطوة، لكن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني لعب دوراً في العملية العسكرية التي اعتُبرت ضربة سياسية للحزب الديمقراطي الكردستاني ولأبرز رموزه مسعود بارزاني.
ثمَّة علاقة تاريخية تربط بين أكراد العراق وإيران سواء في زمن الشاه أو الجمهورية الإسلامية، فالاثنان دعما الحركات المسلحة الكردية في وجه النظام العراقي، حتى إن مصطفى بارزاني والد مسعود لجأ وعائلته للعيش في إيران بعدما أَخمدت اتفاقية الجزائر بين بغداد وطهران الحركة الكردية التي كان يقودها حينذاك.
تغيَّر الحال منذ سنوات، حيث أصبح إقليم كردستان الواقع في شمال العراق هدفاً لصواريخ الحرس الثوري. يقول أحد منظري إيران إن العلاقة مع الإقليم تسودها حسابات معقدة وحال من التجاذب، ولكن التفاهمات التي كانت معقودة مع مسعود بارزاني، المعني الأول بالعلاقة الإيرانية – الكردية العراقية، كانت كفيلة بتأمين مساحة تعايش بين الجانبين وإن كانت تلك العلاقة شهدت صعوداً وهبوطاً انطلاقاً مما يُشكّله الإقليم من موقع سياسي وجغرافي يبدأ من تحالفه الوثيق مع الأمريكيين ولا ينتهي بوصله بين المناطق الكردية في إيران وتركيا وسوريا واحتضانه الحركات الكردية المناهضة لتلك الأنظمة.
وفي اعتقاده أن مسعود بارزاني خرج من مساحة التعايش هذه في السنوات الأخيرة. تذهب الرواية الإيرانية إلى أن كل العمليات الأمنية الكبيرة التي حصلت في إيران سواء على غرار اغتيال العالم محسن فخري زاده وما يشابهها دقّة كانت خيوطها الأمنية تُوصل إلى أربيل، سواء تعلق الأمر بإسرائيل أو مجاهدي خلق أو الجماعات الكردية الإيرانية مثل حزب الحياة الحرة الكردستاني «بيجاك» الذي لديه ذراعاً عسكرية، ويُعتبر من أكثر المجموعات فعالية وتُقيم قياداته السياسية والعسكرية في الإقليم.
في العادة تكون الرسائل الصاروخية التقليدية عبر أذرع إيران العراقية حين تكون لعبة الشدِّ والجذب لتحسين الأوراق وضمن حدود قواعد الاشتباك المرسومة بين الطرفين، ولكن حين يتم تجاوز الخطوط الحمر، تأتي الرسائل بالمباشر كما حصل حين استهدفت إيران في 13 آذار/مارس الماضي بصواريخ بالستية دقيقة من طراز «فاتح 110» قصراً في أربيل قالت إنه يُستخدم مقراً للاستخبارات الإسرائيلية. وذهبت القراءات يومها إلى أن الهجوم الصاروخي الإيراني جاء رداً على هجوم لمسيَّرات إسرائيلية على قاعدة تابعة للحرس الثوري في مدينة كرمنشاه داخل إيران في 14 شباط/فبراير، أدى إلى تدمير عدد كبير من المسيَّرات ذات الصنع المحلي، وقال حينها بعض المحللين إن المسيرات الإسرائيلية انطلقت من إقليم كردستان.
في 24 أيلول/سبتمبر، وبعد أيام من بدء التظاهرات رداً على مقتل الشابة الكردية مهسا أميني بعد إلقاء القبض عليها من قبل «شرطة الأخلاق» في 16 أيلول/سبتمبر في طهران بذريعة عدم ارتدائها للحجاب بطريقة سليمة، بدأ الحرس الثوري الإيراني ضرباته الصاروخية على الإقليم. وقالت وسائل إعلام قريبة من الحرس إن الضربات تستهدف أربع جماعات كردية إيرانية هي: (كومله، وحدك، وباك، وبيجاك) والسبب يعود إلى تقديم تلك الجماعات دعماً عسكرياً للمحتجين في إيران.
وفق مطلعين على مجريات الأحداث بعين النظام الإيراني، فإن السبب الأساسي لتلك الضربات يعود إلى حجم التأثير الأمني على الداخل الإيراني. في التقييم الأمني أن طابعاً إيرانياً عاماً طغى على جزء من التظاهرات، فيما طغى على الجزء الأساسي منها الطابع الإثني الكردي، وهو يأخذ حيويته من كردستان العراق. وفي التقييم أيضاً أن جزءاً من التحركات على الأرض في بعض المناطق كان رد فعل عفوياً، فيما ظهرت على جزء آخر من التحرّكات عملية تحكّم وسيطرة أمنية خارجية، كان الجزء الأكبر منها والأخطر منطلقاً من كردستان العراق، فكان لا بدَّ من رد بمستوى التهديد الآتي من هناك. أوقف الحرس الثوري هجماته، وفق وكالة «تسنيم» الإيرانية، لمنح فرصة لسلطات إقليم كردستان، فيما قال ممثل الإقليم في إيران إنه سيتم إخلاء مقار الفصائل الكردية المناهضة لطهران.
قراءة المشهد بعين عراقية لا تختلف لجهة أن الضربات الإيرانية الأخيرة على كردستان العراق لها علاقة بدور بارزاني في دعم الشارع الكردي الإيراني على خلفية مقتل أميني. وقبلها كانت تحركات بارزاني تهدف إلى إضعاف النفوذ الإيراني في العراق، وقد جرى في هذا الإطار إدراج التحالف الثلاثي الذي تشكَّل من «التيار الصدري» و«الديمقراطي الكردستاني» و«تحالف السيادة» الذي يُمثّل المكوِّن السُّني بعد الانتخابات البرلمانية 2021، والذي انتهى إلى التفكّك بعد استقالة نواب الصدر من البرلمان وعدم استجابة حليفيه معه.
على أنه بين ليلة وضحاها، تبدَّل المشهد في العراق، إذ برز اتفاقٌ بين «الإطار التنسيقي» حليف إيران وبين بارزاني. يقول قيادي «تشريني» إن الاتفاق حصل فعلياً بين زعيم دولة القانون نوري المالكي وبين بارزاني، وحصل بنتيجته انقلاب «الإطار التنسيقي» على حليفه الكردي المتمثل بـ«حزب الاتحاد الكردستاني». وقد حقّق بارزاني جملة مكاسب بعدما وضع سلسلة من الاشتراطات تمَّت تلبيتها من قبل المالكي لضمان عدم محاصرته مستقبلاً.
وأُولى هذه المكاسب أن «الديمقراطي الكردستاني» قد متَّنَ جبهته الداخلية بإضعاف غريمه السياسي ومنافسه الوحيد في الإقليم، بحيث جعل «الإطار التنسيقي» يستبعد «الاتحاد الكردستاني» كخيار سياسي، وحصل انشقاق في «الإطار» حول ترشيح برهم صالح الذي أحدث اهتزازاً داخل الاتحاد نفسه مع فوز عبد اللطيف رشيد الذي صوَّت له «الديمقراطي» بعد سحب مرشحه. والأهم – يقول القيادي التشريني- إن بارزاني اشترط العودة إلى كركوك التي خرجت من يد حكومة الإقليم عام 2017. وهو من خلال هذا الاتفاق المصلحي مع المالكي، والذي تضمَّن السير بتكليف محمد شياع السوداني الذي يحظى بغطاء دولي، سيحصل على عدد أكبر من الحقائب الوزارية من الحصة الكردية على حساب الحزب المنافس له، ويُراهن على تكبير حجم مقاعده النيابية في الانتخابات المقبلة بما يؤول إلى إخراج غريمه السياسي من كونه شريكاً في السلطة إلى حزب مُعارض.
قد يكون مِن المبكر الحكم ما إذا كان بارزاني قد أصاب في حساباته الاستراتيجية. فإذا كانت خطواته السياسية أفضت إلى التقليل من التحديات الداخلية أمامه في كردستان، وإلى تعزيز أوراقه النفطية وإلى الحصول على ضمانات مكررة في الاستفتاء على كركوك، غير أنها أفضت بدورها إلى ربح سياسي لإيران من خلال ضمان نفوذها في العراق بعدما ظنَّ كثيرون أن هذا النفوذ أُصيب بنكسة مع خسارة حلفائها الأكثرية في الانتخابات، قبل أن تنجحَ في الالتفاف على الهزيمة وانتظار الظروف لتحويلها إلى انتصار، أقلّه في المدى المنظور، إلى حين ان تظهر ماذا ستحمل الأشهر المقبلة من تطورات في الداخل العراقي كما في الداخل الإيراني.
كل الاحداث التى ذكرتها الاخت رلى جرت بعد
ان تلقى لاعبيها الضوء الاخضر من امريكا وسفارتها
والايرانيه في بغداد ومن تحت الطاولة هناك اليد
الاسرائيلية ،وايران تخدع العالم بعداءها لاسرائيل.
صحيح السياسة فن الممكن ولعبة الاذكياء ،اما
الاغبيا ء فهم احجار الشطرنج