“بين اليهود والأمة العربية”… ماذا وراء تشويه المحتجين لصورة اللورد بلفور؟

حجم الخط
0

حظي إفساد صورة اللورد بلفور في جامعة كامبردج من قبل متظاهرين منفلتي اللجام بتغطية إعلامية واسعة كمؤشر إضافي في سلسلة متصاعدة من المظاهر المعادية لإسرائيل منذ 7 أكتوبر. بالنسبة لعدد لا يحصى من الأحداث القاسية الأخرى التي ألمت بنا في الأشهر الأخيرة، يعد هذا ظاهراً حدثاً طفيفاً، إذ لم تقع إصابات ولم يكن الضرر لعالم الفن كبيراً على نحو خاص. غير أن الحديث بمفاهيم أخرى، يدور عن حدث تأسيسي جدير بأن يكرس له تفكير عميق. فتشويه صورة وزير الخارجية البريطاني الذي أصدر تصريح بلفور في العام 1917 باسم حكومة جلالة الملكة، يمثل بشكل مطلق جوهر النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين (أو بشكل أوسع، النزاع بين الشعب اليهودي والأمة العربية). أكثر من أي تعبير آخر لكراهية إسرائيل، بما في ذلك دعوة المتظاهرين في أرجاء العالم لـ “فلسطين حرة من النهر إلى البحر”، فإن الجريمة التي ارتكبت في كامبردج تمس شغاف قلب النزاع – انعدام استعداد العرب لقبول وجود إسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي.

منذ بداية عودة اليهود إلى بلادهم في 1982 وحتى أيامنا هذه، كانت ولا تزال مقاومة عميقة في أوساط أجزاء واسعة من الأمة العربية لمفهوم الدولة اليهودية في بلاد إسرائيل. مظاهرات شعبية، واستطلاعات رأي عام، ومقابلات مع رواد الرأي من جهة، ومع وسطاء الشعب من جهة أخرى، كلها تشير إلى أن الأغلبية الساحقة من سكان غزة والضفة يؤمنون بأن بلاد إسرائيل سلبت منهم بالقوة، وأن لهم الحق والواجب لاستعادتها مرة أخرى. واضح أنه لو أجريت انتخابات ديمقراطية حقيقية (وهو سيناريو مستبعد في الشرق الأوسط) في هذه المناطق، لانتصرت حماس بأغلبية ساحقة وشكلت الحكومة القادمة. وسبب ذلك أن معظم السكان هناك يؤمنون بدعوتها لطرد اليهود من بلادهم وإعادة فلسطين كلها إلى حضن الأم العربية.

إن رفض الاعتراف بحق الشعب اليهودي في دولة خاصة به في وطنه التاريخي ليس فقط من نصيب الفلسطينيين في غزة ومناطق الضفة، فهو قائم أيضاً في أوساط أغلبية واسعة من السكان في الدول العربية “المعتدلة”، التي وقعنا معها اتفاقات سلام؛ فالمظاهرات الكبرى في عمان، والقاهرة، والمغرب وما شابه ضد إسرائيل تعبر جيداً عن مشاعر مواطني هذه الدول. وحتى في أوساط عرب إسرائيل، أولئك الذين يعيشون معنا “في القارب ذاته” منذ 76 سنة، هناك من لا يعترفون بالحق التاريخي للشعب اليهودي في وطنه. بعضهم يعربون عن ذلك بكل علني وفظ (مثل الجناح الشمالي من الحركة الإسلامية)، وبعضهم بشكل أنعم من خلال استخدام شعار “دولة كل مواطنيها” الذي معناه العملي تصفية دولة اليهود. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى وجود شرائح في أوساط عرب إسرائيل تعترف بحق وجود إسرائيل كدولة للشعب اليهودي، ويسرهم أن يكونوا فيها كأقلية تتمتع بحقوق المواطنة الكاملة.

إن مقاومة حق اليهود في دولة خاصة بهم لن تختفي بسرعة كما يتوهم أولئك الذين يتخيلون “دولتين للشعبين”، و”سلطة فلسطينية محسنة”، و”نهاية الاحتلال ستؤدي إلى نهاية النزاع” إلى لك من أقوال تشبه شخصاً يلعب الشطرنج مع نفسه. في أفضل الأحوال، ستمر بضعة أجيال من التعليم والاستيعاب حتى ننال الاعتراف بحق أساسي يعد أمراً مسلماً به بالنسبة لمعظم الشعوب في العالم. إلى أن يحصل هذا مع كل الأسف، فإن الإحباط والألم اللذين ينطويان على ذلك، سنواصل العيش هنا على حرابنا.

لا جديد تحت الشمس في داخلنا أيضاً بصفتنا يهوداً وشعباً يتميز بإحساس متطور على نحو خاص من النقد الذاتي وقدرة شقاق لا نهاية لها، وسنواصل على ما يبدو المشادة بيننا وبين أنفسنا على الطريق الصحيح للبقاء هنا.

بوعز غولاني

معاريف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية