بين دمشق 2007 وتايبه 2022: بيلوسي ومكاييل المخاتلة

حجم الخط
14

الفارق بين مطلع نيسان (أبريل) 2007، حين قامت رئيس مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي بزيارة دمشق والاجتماع مع رأس النظام السوري بشار الأسد؛ وبين مطلع آب (أغسطس) 2022، حين زارت العاصمة التايوانية تايبه؛ ليس 15 سنة في حساب الزمن فقط، بل ثمة تلك الفوارق الجيو ـ سياسية التي تخصّ الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا والتوازنات العليا بين القوى العظمى، فضلاً عن اعتبارات إيديولوجية تبدلت في قليل أو كثير، وأخرى أخلاقية نالت حظّها من تبديل الشكل مع الاحتفاظ بقسط كبير من عناصر المضمون. قيل الكثير في الزيارة التايوانية، ولا يلوح أنّ ما سيق من عواقب محتملة قد انطوى معظمه اليوم، وبذلك فإنّ هذه السطور تتوقف، أكثر عند محطة بيلوسي السورية، التي سبقتها أيضاً محطات في دولة الاحتلال والضفة الغربية ولبنان والسعودية.
قد يصحّ القول أنّ السذّج وحدهم (صحبة أجهزة إعلام نظام آل الأسد، بالطبع) صدّقوا ما أعلنته بيلوسي ضمن أهداف محطتها السورية: «جئنا من موقع الصداقة، والأمل، والتصميم على أنّ الطريق إلى دمشق هو طريق إلى السلام» و«ليست لدينا أوهام، بل أمل كبير» لمحادثات سوف تتركز على «محاربة الإرهاب». غير أنّ ساعات قليلة فقط تكفلت بفضح أكذوبة أولى كبرى، حين أعلن مكتب رئيس حكومة الاحتلال يومذاك، إيهود أولمرت، أنه لم يحمّل بيلوسي أية رسالة إلى الأسد (على نقيض ما روّجت في تصريحاتها؛ وأنّ النظام السوري في ناظر الحكومة الإسرائيلية يظلّ داخل «محور الشرّ» الشهير، الذي سبق أن شخّصه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن.
أكذوبة ثانية، فضحها البيان الرسمي ذاته الذي أصدره وفد مجلس النواب الأمريكي الزائر (وتألف من بيلوسي، توم لانتوس، هنري واكسمان، نك رحال، لويز سلوتر، وكيث إليسون) حين أوحى بأنه التقى مع «قادة المعارضة وممثلي عوائل المنشقين» ونقل لهم «اهتمامنا القوي بحالات الناشطين الديمقراطيين العراقيين أنور البني، عارف دليلة، كمال اللبواني، محمود عيسى، ميشيل كيلو، وعمر عبد الله». الخطأ، الفاضح الفادح، الذي وقع فيه النصّ الرسمي، لجهة انعدام التمييز بين ناشطين سوريين وآخرين عراقيين، كان بمثابة الكاشف الأشدّ تأكيداً على ضآلة هذا الجزء المزعوم من زيارة بيلوسي وصحبها؛ وتفاهة التلميح إلى وضع المعارضة في حسبان الزائرين، خاصة عند نظام استبداد وفساد وتوريث ومزرعة عائلية وطائفية مثل الذي جاءت رئيسة مجلس النواب الأمريكي لمصافحته/ معانقته في الواقع.
البيان (المتوفر، حتى الساعة، على موقع بيلوسي الرسمي) انطوى من جانب آخر على فضيلة الإفصاح عن بعض الأهداف الأخرى الأعمق من زيارة سوق الحميدية أو المسجد الأموي، وخاصة تلك التي كانت تسترضي صقور الحزبين الديمقراطي والجمهوري معاً، وأقطاب المحافظين الجدد في إدارة بوش الابن ومن حولها؛ إلى جانب «لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية» الـAIPAC، أقوى مجموعات الضغط اليهودية/ الإسرائيلية في الولايات المتحدة.

في وسع بيلوسي أن تمزج بين مجالسة دكتاتور ومجرم حرب في سوريا، واستفزاز الصين بداعي التعاون والحكم الديمقراطي في تايوان؛ الأمر الذي لا يبدّل في الحالتين، وفي سواهما، جوهر الكيل بشتى مكاييل النفاق والخداع والمخاتلة

الوفد جاء، مثلاً، من أجل: 1) حثّ الأسد «بقوّة على ضبط الحدود السورية مع العراق ومنع تدفق المقاتلين الأجانب الذين يشكلون تهديداً لقوّات الولايات المتحدة وللشعب العراقي»؛ و2) إبلاغ الأسد أنّ «السلام مع إسرائيل جوهري للعلاقة الأمريكية ـ السورية» وإعلامه أنّ أولمرت منفتح على السلام «حين تتخذ سوريا خطوات لوقف دعم الإرهاب»؛ و3) التشديد على أنّ «الاختبار» يكمن في مدى «انخراط سوريا في جهد مثمر وواقعي لحلّ خلافاتها مع دولة إسرائيل والعيش معها بسلام»؛ و4) مطالبة الأسد «بالمساعدة في تحرير جنود إسرائيليين مفقودين أو مخطوفين» بمن فيهم جلعاد شاليت، إيهود غولدفاسر، إلداد رغيف، غاي خيفر، زخاري بوميل، تزفي فلدمان، إيهودا كاتز، ورون عراد.
وهذه المرّة لم يخطئ الوفد في تسمية جنسية الجنود الإسرائيليين المخطوفين أو المفقودين، على غرار ما فعل مع الناشطين السوريين الذين فضّل أن يمنحهم الجنسية العراقية، أو «المنشقين» الذين لم تطالب بيلوسي بإطلاق سراحهم خلال ساعات اجتماعها مع الأسد، أو حتى لدى استقبالها في مطار دمشق من جانب وليد المعلم وزير خارجية النظام في حينه. صحيح، بالطبع، أنّ وفوداً من الكونغرس زارت النظام السوري قبل بيلوسي، وكذلك فعلت وفود بعدها، والأمر تكرر وسوف يتكرر ولا يبدو البتة خارجاً عن مكاييل المشرّعين الأمريكيين؛ قياساً، من حيث المبدأ، على سلوك إدارات جمهورية وديمقراطية شتى. غير أنّ زيارة بيلوسي لم تكن إلى سوريا البلد إلا بالمعنى الجغرافي والسياحي، وكانت بالمعاني الجيو- سياسية والأخلاقية والرمزية بمثابة انفتاح على نظام الاستبداد والفساد ذاته الذي لا تغفل بيلوسي عن المجازر الأشنع التي ارتكبها بحقّ السوريين، الابن الوريث بعد الأب المورِّث.
وإذا ساجل البعض بأنّ نظام آل الأسد ليس، أو لم يكن تاريخياً، صديقاً للولايات المتحدة على غرار الصداقات الكويتية أو السعودية أو المصرية مثلاً؛ فهل يجوز للمساجلين الاستطراد بأنّ النظام عدوّ لدود للولايات المتحدة؟ كلاّ، أجاب على الدوام عدد من دبلوماسيي أمريكا المخضرمين، ممّن امتلكوا بعض الحصافة في قراءة خرائط الشرق الأوسط، لا سيما طبائع الحاكم والحكم، والاجتماع والعقيدة، والاستبداد والفساد. حجج هؤلاء لم تكن في حاجة إلى نقاش حامي الوطيس، فالسجلّ أوضح، كما أنه أغنى بالوقائع، من أن يحتمل الإنكار: على العكس، ساجل هؤلاء، نظام «الحركة التصحيحية» أحد أفضل الأنظمة التي حكمت سوريا من حيث خدمة المصالح العليا الأمريكية؛ منذ «اتفاقية سعسع» 1974، التي أدخلت نظام فصل القوّات وجعلت الجولان منطقة هدوء قصوى للاحتلال الإسرائيلي، وأمان مطلق للمستوطنين؛ وصولاً إلى التعاون الأمني الوثيق بين الأجهزة السورية والأمريكية، في ما تسمّيه واشنطن «الحرب على الإرهاب»؛ من دون نسيان الانخراط العسكري الرسمي في عداد الجيوش التي شكّلت تحالف «حفر الباطن» قبيل انطلاق عمليات «درع الصحراء» 1991.
وأمّا الأسد الوريث فإنه، منذ مطلع 2002 وكان في السنة الثانية من توريثه السلطة، استقبل وفداً من مجلس الشيوخ الأمريكي، وتناول الحديث مفاعيل 11 أيلول (سبتمبر) التي كانت ساخنة وطازجة، وكذلك طرائق محاربة الإرهاب. ونقلت وسائل الإعلام الرسمية قول الأسد إنّ «في إمكان الولايات المتحدة الاستفادة من تجارب الدول التي حاربت الإرهاب بنجاح، وخاصة سوريا». صحيح أنه لم يخصّ «تجربة» مجزرة حماة بالذكر، ولكنّ شبح الواقعة ـ سيما وأنّ ذكراها العشرين كانت على الأبواب يومذاك ـ لم يغبْ عن الأذهان، إلا عند مَنْ تقصد عن سابق عمد تغييب واحدة من أبشع جرائم الحرب والعقاب الجماعي والإرهاب. وحقّ للوريث الاستذكار، ببهجة خاصة وتفاخر مفرط، أنّ الوفد الأمريكي الذي حضر من واشنطن لتعزيته عند وفاة أبيه ترأسته مادلين ألبرايت، أوّل امرأة تتولى وزارة الخارجية في تاريخ الولايات المتحدة.
بيلوسي أيضاً، إذْ الشيء بالشيء يُذكر، كانت أوّل امرأة تحمل مطرقة رئاسة مجلس النوّاب، مرّتين: 2007 إلى 2011، و2019 حتى الساعة. وكان صعودها إلى السدّة الأعلى في قيادة الحزب الديمقراطي، والموقع الثالث في هرم السلطة الأمريكية، بمثابة ذروة فريدة في استقرار مزيج عجيب ليبرالي/ كاثوليكي في قلب النخب الأعلى للحزب الديمقراطي. في وسع بيلوسي، إذن، أن تمزج بين مجالسة دكتاتور ومجرم حرب في سوريا، واستفزاز الصين بداعي التعاون والحكم الديمقراطي في تايوان؛ الأمر الذي لا يبدّل في الحالتين، وفي سواهما، جوهر الكيل بشتى مكاييل النفاق والكذب والخداع والمخاتلة.

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ميساء فلسطين:

    مقال أكثر من رائع عرى الواقع بكل الوقائع ?

  2. يقول سامي صوفي:

    زيارة پبلوسي الى تايوان لا تختلف عن زيارتها الى اوكرانيا. هدف الزيارة المعلن هو إظهار دعم أميركا لتايوان. أما هدفها الغير-معلن، فهو توريط تايوان بنزاع عسكري مع الصين كي تسهّل عليها ضم تايوان. و تماماً كما ورطت اميركا اوكرانيا لتسهيل ضمها إلى روسيا ضمها.
    أما مصداقية پيلوسي في وعودها في دعم تايوان و اوكرانيا، فهي لا تختلف عن مصداقية وعود بشار الاسد في الاصلاح. الفرق بينهما ان پيلوسي منتخبة ديمقراطياً.
    الىضحك في زيارة پلوسي الى دمشق في ٢٠٠٧، أن السفير مصطفى أراد أن يأخذ وفد الكونغرس في زيارة سياحية لمعالم دمشق. فاختار «كنيس يهودي» قديم لم يسمع به أحد غيره. معقول هذا الكنيس هو الحاضر الوحيد في مهد الأمويين؟

  3. يقول Thomas Johansen:

    Pelosi is professional politician practices lies and deception like her president Biden
    Th facts that she visited illegitimate ruler a dictator Bashar Assad in 2007 that clearly
    tell you about her hypocrisy she is a copy cat of both Biden and Obama she cannot be trusted at all she is a mouth piece of special interests groups
    and her records speak for itself

  4. يقول عربي سوري:

    لايجوز ان ننتقد المجرم العلوي وعصابته باننا بذالك سوف نتعدى على المعجبين به مثل وفد (اتحادات) الكتاب العرب والقومجيين العرب الذين لايزالون يحلمون بالوحدة بعد خراب البصرة ودمشق وصنعاء والقاهرة وطرابلس وبعد التطبيع من قبل خمس دول كما اننا ستتعدى على ( حقوق) الوفود من اليسارجية العربية الذين توافدوا الى دمشق لكي يحيوا المجرم الذي اباد الملايين من الشعب السوري وهجرهم بحجة انه املهم في تحرير فلسطين والنظام الذي يقف سداً امام الامبريالية وكذالك نتعدى على عواطف الحلف الصليبي من الفاتيكان آلى الكنيسة الأورثوذكسية الروسية التي ترى في هذه العصابة الحامي الوحيد لمسيحيي المشرق من الهجمة العربية الاسلامية وكذالك العصابة التي خدمت ولاتزال تخدم كل المخططات الصليبية في المنطقة وخاصة عندما يتحدث عن الحكومات الرجعية العربية التي باعت فلسطين
    يكفينا عزاءاً هو المنظر المخزي الذي وصلت اليه الامة العربية وشعوبها بفضل عصابة هذا المجرم وبقية المجرمين ممن يسمون انفسهم حكام عرب وفي الحقيقة هم دمى للقوى العظمى وغير العظمى وحتى دول العالم الثالث

  5. يقول عربي:

    بيلوسي اوباما بايدن وغيرهم من المحسوبين على ما يسمى الحزب الديموقراطي هم من حمى المجرم من ثورة الشعب وخاصة في بداية الثورة عندما استنفر الحلف الصليبي سفراءهم بالتغلغل في وسط المتظاهرين للتجسس على الثورة التي تهدد عرش العصابة التي حمت حدود الصهاينة وجعلتها منطقة سياحية من الدرجة الاولى وكذالك الخدمات الجليلة التي قدمتها العصابة في حرب لبنان عندما اجتثت المقاومة العربية والفلسطينية من لبنان وحولت جبهة الجنوب الى منطقة تنافس الجولان في هدوئها ولا ننسى الدور العظيم الذي لعبته العصابة في حصار وتجويع الشعب العراقي في التسعينات بدلًا من المساعدة لفك الحصار عن هذا البلد العربي قام رجالات هذه العصابة بسرقة النفط العراقي ومشاركته في الحرب التي شنتها الامبريالية الامريكية على العراق بارسال مرتزقته مقابل مليار دولار وضعت في جيب المجرم الاب من قبل حكومة الكويت في ذالك الوقت رغم معرفة الغرب والعرب بان حضور مرتزقة جيش ابو شحاطة لن تغير من مجرى المعركة ولكن فقط لتبيان ان العصابة البعثية العلوية ستشارك في ابادة البعث العراقي فكيف يتخلى الحلف الصليبي عن هكذا عصابة قدمت له كل هذه الخدمات الجليلة

  6. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    شكرًا أخي صبحي حديدي. نفاق وكذب وخداع ومخاتلة وقباحة أيضًا، وأعتقد أن الإدارة الأمريكية وبيلوسي نفسها على استعداد لزيارة أخرى لمجرم الحرب بشارون أسدوف! والتبرايرات يمكن صياغتها حسب ما تقضيه المصالح! هي الصداقة الضمنية مع نظام الإجرام والإستبداد.

  7. يقول عربي سوري:

    علينا ان نشجع الغباء والسذاجة الامريكية لكي تكون هذه التصرفات الرعناء سببًا مباشرًا في انهيارهم
    هذه العنجهية آلتي ورطتهم في اوكرانيا وستورطهم مع الصين ستكلفهم ثمنًا فادحا ولهذا علينا ان نحيي هذه الحماقات

  8. يقول James Bishop:

    By the way, China announced unspecified sanctions on Nancy Pelosi and her immediate family, following her visit to Taiwan earlier this week.
    Chinese foreign ministry said Pelosi had disregarded China’s concerns and resolute opposition to her visit – China claims Taiwan as its territory and opposes it having its own engagements with foreign governments.
    Slamming her trip as provocative that undermined China’s sovereignty and integrity, Beijing has moved to halt cooperation with the US on eight measures, including climate change, military issues, anti-drug work, cross-border crime prevention and repatriating undocumented migrants.
    Continue-

  9. يقول James Bishop:

    Pelosi was the highest-ranking US official to visit Taiwan in 25 years.
    White House summoned Chinese ambassador Qin Gang to condemn escalating actions against Taiwan and reiterate that the US does not want a crisis in the region.
    China’s insistence that Taiwan is its territory and threat to use force to bring it under its control has featured in Communist Party propagations, the education system and the entirely state-controlled media since the sides divided amid civil war in 1949.
    Island residents overwhelmingly favors maintaining the status quo of de facto independence and reject China’s demands that Taiwan unify with the mainland under communist control.
    Continue-

  10. يقول James Bishop:

    China sent military ships and fighter jets across the mid-line of the Taiwan Strait, Taiwan defence ministry said, crossing what was an unofficial buffer zone between China and Taiwan.
    Five of the missiles fired by China landed in Japan’s Exclusive Economic Zone, according to Japan defence ministry that said Japan protested the missile landings to China as “serious threats to Japan’s security and the safety of the Japanese people”.
    Japanese Prime Minister Fumio Kishida, who met Pelosi in Tokyo, said China’s military exercises aimed at Taiwan is a “grave problem” that threatens regional peace and security.
    Continue-

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية