بين رابعة والعسكر كان القرامطة

حجم الخط
2

مع نهاية الحرب العالمية الأولى استكمل الغرب الاستعماري قضم الدول العربية التي كانت تحت عباءة السلطنة العثمانية، وما بين الحربين استكملت فرنسا وبريطانيا حدود الدول العربية وفرزها إما لمملكة أو إمارة أو جمهورية، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبح لكل قطر نشيده الوطني، وعلم استقلاله، ونظامه السياسي، وكان نصيب ما تبقى من سورية الطبيعية، أن أعلن استقلال القطر السوري لتجرى انتخابات برلمانية ويكون النظام جمهوري.
وأصبح البرلمان على طريقة الشعوب التي فازت بالديمقراطية سيد القرار السياسي، ورفض هذا البرلمان التوقيع على مشروع التابلاين، (أي مشروع إيصال النفط السعودي إلى المتوسط).
وبما إن أمريكا كانت تبحث عن وراثة الإمبراطورية البريطانية وكانت تبحث عن خيارات التعامل مع الدول المستقلة، ومع رفض توقيع الاتفاقية، اختارت السياسية الأمريكية أن يكون تعاملها مع الجنرالات بدلا البرلمانات، فدعمت حسني الزعيم، الذي اسقط الحكومة المنتخبة، ونقل رئيس الحكومة المنتخب شكري القوتلي إلى المستشفى ثم شفعت له السعودية فقبل الزعيم شفاعتهم وأرسل إلى السعودية.وأصبح على رأس الحكم في سوريا جنرال فحل البرلمان الذي أهان الجيش، ولعن الحكومة التي سبقته لأنها تخاذلت في القضية الفلسطينية وكانت النكبة لا تزال طازجة.
فصفق الشعب للزعيم الضابط العسكري الذي سيخلص البلاد من شر فساد السياسيين، ويحرر فلسطين، ودام حكم الزعيم مئة يوم، خلال مدة الحكم وقع اتفاقية التابلاين واتفاقية الهدنة مع إسرائيل، التي كان البرلمان يرفض التوقيع عليها، وغض الطرف عن استيلاء إسرائيل على الأراضي التي حددتها الأمم المتحدة، كأراضي منزوعة السلاح بين سورية وإسرائيل، خدم الزعيم أمن إسرائيل والمصالح النفطية الأمريكية، وهو يرفع شعارات تحرير فلسطين والقضاء على الفساد واسترداد هيبة الجيش، ومن يومها فجنرالات الجيش يشتمون أمريكا ويحققون مصالحها، لأنهم يخافون من أمريكا، ويخافون الشعب، فتصـــــالحوا مع أمريكا وافرغوا المجتمع من أي حزب او قوة، تظن أنه قادرة على التفكير بما ظنــــت، وتم إما اجتثاث النخب والأحزاب أو إفراغها وتحويلها إلى حركات صوفية تنظر تجليات وهبات أمينها العام الذي تحول قطب ســـياسي يمنح بعض رعية الحزب تبليغ رسالة الحزب أو تولي مقعد الحزب في تشكيل الوزارات الممنوحة التي كان يهبها سيد الوطن لأحد الأحزاب، التي كانت يومــــا ما ذات مشروعية أممية و اختصرت أممــــيتها إلى الفوز بمقعد وزاري وان اضطر القطــــب إلى الموت بحكم الناموس البشري، يترك لزوجته حق رعاية الاجتهاد الحزبي، او لمن تحلى بالطاعة لقطب الحزب، حتى وهو ينتهك مبادئ الحزب .
ولكي يحافظ الجنرال على حالة الصمت المطبق للمعارضين، كان عليه أن يجتث كل من يعكر مزاج الصمت، وتلاشت الطبقة الوسطى فمن ملك مؤهلات الرقي ارتقى وأصبح من سدنة النظام يدين ولا يدان ويملك بدون حساب. وبما ان فرص الصعود محدودة فلم يصعد إلا كل ذي حظ عظيم، فهو أعمى إن نظر إلى فوقه وبصير وكاتب تقارير إن نظر إلى تحت، وكل من تزوج امه فهو عمه وان فاض به الكيل واراد ان يصرخ ويقول لا، فالضحية الوحيدة التي يستطيع ان يصرخ في وجهها وفي غيره هي زوجته وانسحلت الطبقة الوسطى إلى خط الفقر أو دونه، وخوفا من جيل قادم، لان النسل لن يتوقف والشعوب العربية ولادة حبالة على ذمة الشيخ امام واحمد فؤاد نجم فغيرت المناهج التربوية بهدوء وبحذر حتى أصبحت أمريكا صديقة وإسرائيل حليف، والشعب الفلسطيني العدو هذا على صعيد التعبئة الوطنية وتشكيل وعي الأجيال، إما الإعلام الرسمي الذي لا يستمع إليه إلا معد البرنامج، فهو ينادي بالويل والثبور على إسرائيل، ومن زهقه وقرفه ومن غبن السنين وتراكم الظلم والظلمات، وبعد تحمل الرجال صفعات الامن، ولكن ان تصفع امرأة رجل وبالشارع أوقد بو عزيزي تونس شعلته فتطاير شررها وقدحت في رأس كل مواطن عربي كان يفكر مثل البو عزيزي، وكان البعض يردعه الوازع الديني والأخر الخوف الدنيوي والثالث حتى لا يترك زوجته وحيدة بعد موته خوفا من أن تتزوج غيره.
اندفق الناس إلى الشوارع يصرخون من تراكم القهر قبل أن ينتبهوا أن المشكلة في النظام الذي قهرهم فطالبوا بإسقاط النظام .وعادت المياه تتدفق إلى أحزاب جف عودها، وتنموا أفكار وأحزاب جديدة .والقديم لم يعد قادرا على النهوض والسير من تكلس الأفكار والجديد بعفويته وشبابه ونقص خبرته يترنح في الوصول إلى حيث يريد.
واستطاعت الأحزاب الدينية التي حافظت على بناها وتماسكها، تحت العباءة الدينية، أن تسيطر على المشهد السياسي وتفوز بصناديق الانتخاب ووجد الشباب الثائر نفسه خارج المعادلة، وان النظام الإسلامي الجديد يقيده مثل النظام القديم وإن بطريقة مختلفة. ووجد النظام القديم أن الشباب يرفض الإيديولوجية الدينية، ووجدت أمريكا الفرصة سانحة لاستعادة حكم العسكر فاجتمع شمل الثائرين، مع الفلول المرتبطين بالرأسمال العالمي مع الشركات المتعددة الجنسيات وممثليها في الخليج العربي مع الحرص الأمريكي على عودة العسكر الذين يقولون ما لا يعملون.
فاجتاحت الفضائيات الجو ونزلت بآلاف القذائف على رؤوس المواطنين الغلبانيين، الذين لا يزالون يغنون يا مصر قومي وشدي الحيل، كل الي بتتمني عندي. ولما لم يجدوا جديدا جد على حياتهم، وان الفقر ما زال فقرا، وان امانيهم، ظلت اماني، اكلوا ما صنعوا في ثورتهم الاولى، وسيشربون من البئر الذي حفروه في ثورتهم الثانية، ومن بين زهد رابعة، وعسكر الخليفة، كان القرمط.

عبد الشجراوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول خالد بركــــــــــــــــات:

    السهل الممتنع.
    لقد حلّلت وأجدت يا شجراوي

  2. يقول Hassan:

    من لا يؤثر على نفسه لا تنتظر منه خيرا. المشكلة القائمة والتي واجهتها الميادين هي صورة عن ضياع لما وقع الإستحواذ عليه بـ “الشرعية” التي
    فيها نظر من الأصل. المتربصون هم كثر للنيل من الأمة. والضعفاء المغرر بهم بإسم “الدين” هم كثر أيضا. والهدف هو سلطة فئوية بلافتة تستعطف المليار
    وما زاد عنه من عدد للمسلمين في العالم الذين بفطرتهم أو بما شئت من صفة لم يحتجوا على ما وقع مما ادعاه البعض على أنه ظلم ولم يحركوا ساكنا تجاه تجارة الدين الكاسدة. من يحكم وطنا عليه أن يراعي مكوناته مما احتوى وذاك يستوجب برامج معدة سلفا لمواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية حتى لا يقع خلل وإن حدث يمكن تداركه. من يحكم لا يجعل من الدولة مصدرا لثرائه
    ومن حوله ومن حول من حوله فتضيع البلاد والعباد ويقع الكل فريسة لمن
    هب ودب ممن لا يرحم هذه الأمة.

إشترك في قائمتنا البريدية