لندن- “القدس العربي”: واجهت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أزمة تغطية للمناسبات الرياضية، ليومي السبت والأحد، وسط جدال لم يتوقف حول تعليقات مقدم برنامج “ماتش أو ذي دي” (مباراة اليوم)، ونجم المنتخب الإنكليزي السابق غاري لينكر، لسياسة الحكومة من المهاجرين. فقد رفض الاعتذار على ما جاء في تغريدة له حول قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية، والذي هدّد بمنع أي مهاجر يصل إلى الشواطئ البريطانية عبر القوارب من التقدّم بطلب لجوء.
وكان تعليق لينكر، الذي يعدّ من أعلى نجوم “بي بي سي” أجراً، هو أن القانون الذي وضعتْه وزيرة الداخلية سويلا بريفرمان أمام مجلس العموم، الأسبوع الماضي، يذكّر بالسياسات النازية في ألمانيا خلال ثلاثينات القرن الماضي. وردّت الحكومة بغضب، واتهمت “بي بي سي” بأنها تخلت عن الحيادية في التغطية السياسية. وقالت “بي بي سي” إنها ستحقق مع مقدم البرنامج، لتعود يوم الجمعة وتقول إنها علّقت عمله لحين التغلب على مسألة استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي. وأدى القرار لرفض عدد من المعلقين المشاركة في البرنامج والتغطية على غيابه، وحتى تغطية برامج رياضية أخرى في فترة عطلة الأسبوع التي تكون عادة مزدحمة بالنشاطات الرياضية.
وجاء الجدل وسط دعوات المعارضة لاستقالة رئيس “بي بي سي” ريتشارد شارب، الذي يتعرض لتحقيق بعلاقاته مع حزب المحافظين الحاكم، وأنه تبرّعَ بمبلغ 400.000 جنيه، وضمانه قرضاً بمبلغ 800.000 لرئيس الوزراء السابق بوريس جونسون.
ورأى معلقون أن طريقة معاملة لينكر كانت قاسية مع تعليقات سياسية خارج العمل الصحافي لمقدمي برامج معروفين. ويعتقد أن “بي بي سي” تتعرض لضغوط واسعة من حزب المحافظين. وقالت وزيرة خزانة حكومة الظل راشيل ريفز إن نواب المحافظين ووزراء الحكومة ضغطوا باتجاه التخلص من لينكر. فيما تمسك مدير “بي بي سي” تيم دافي بأن المؤسسة تعاملت مع موضوع لينكر لأنه خرق قانون الحيادية ومعايير عدم الخروج عن قواعد المؤسسة.
فيما ينظر إلى أن “بي بي سي” قوّضت مصداقيتها عندما فرضت قيوداً على حرية التعبير.
وقالت صحيفة “إندبندنت”، في افتتاحيتها، إن على “بي بي سي” التراجع عن قرار تعليق عمل لينكر، والانصياع لمبدأ حرية التعبير. وقالت إن كلام المعلق الرياضي مؤذ وخطأ، ولكن الهيئة تعاملت معه بطريقة غير صحيحة، فما بدا وكأنه مسألة بسيطة تحولت إلى قضية نقاش وطني. وكشفت صورة أخرى عن بريطانيا المحطمة. وقالت لو كانت هناك مرة غض فيها حكم عن تصرف غير مناسب، لكانت الفرصة التي توفرت لـ “بي بي سي” يوم الجمعة. فقد خرق لينكر قواعد الحيادية المعمول بها في الهيئة، و”ما بدا وكأنه رأي غير مريح تحول إلى أزمة رفض فيها التخلي عن موقفه”. وقالت الهيئة إنها تعاملت مع الأمر “بجدية”/ وأن ديفي سيجري نقاشاً صريحاً” مع المذيع. وفي يوم الجمعة أعلن عن تعليق عمله “لحين التوصل إلى اتفاق وموقف واضح حول دوره في منصات التواصل”.
وترى الصحيفة أن “بي بي سي” كانت ستغلق الملف لو أصدرت بيان توبيخ مخفف حذرت فيه لينكر من الخروج عن قواعدها. وبدلاً من ذلك أدخلت نفسها في كارثة علاقات عامة، ظهرت فيها وكأنها تحاول فرض الرقابة على مذيع معروف لانتقاده حكومة لا تحظى بدعم شعبي واسع.
وأكدت الصحيفة معارضتها لخطط الحكومة بشأن المهاجرين وتصريحات غير مسؤولة من بريفرمان، التي زعمت فيها أن 100 مليون شخص حول العالم “يستحقون الحماية بناء على القوانين الحالية”، و”أنهم قادمون إلى هنا”، بريطانيا. وهذا كلام لا أساس له، ويهدف إلى إثارة المخاوف المعادية للمهاجرين وزرع الخوف. وحثت الصحيفة الوزيرة لكي تختار كلامها بعناية. ولم توافق الصحيفة على كلام لينكر، الذي اتهم بريفرمان بأن “كلامها ليس مختلفاً عن ذلك الذي استخدم في ألمانيا ثلاثينات القرن الماضي”. وعلقت الصحيفة بأن كلامه مؤذ وغير صحيح، ويحمل مخاطر التأثير على ضحايا النازية. وحثّته على اختيار كلامه بعناية. وهناك سبب أقل يدعو لينكر لأن يكون حذراً في التعبير عن مواقف سياسية قوية سيؤثر على حيادية “بي بي سي”.
ولينكر هو رجل رياضة وليس مذيعاً للأخبار، ما يجعل تعليقاته السياسية شخصية ولا تعبّر عن مواقف الهيئة. إلا أنه الأعلى أجراً، ويحصل على راتب 1.4 مليون جنيه سنوياً، من أموال دافعي رخصة التلفزيون، بشكل يستدعي منه الحيطة أكثر. ومن يقفون معه، ويتساءلون عن الضجة التي أثيرت حول ما قاله، عليهم تخيل موقف آخر عبّر فيه عن مواقف مؤيدة لسياسات الحكومة. وعليهم ألا يبتعدوا كثيراً، لأن تعليقات سابقة لأندرو نيل وجيرمي كلارسون، وهما مذيعان عملا في “بي بي سي” سابقاً، أثارت جدلاً واسعاً. وبالتحديد فقضية شارب تؤثر على موقف الحيادية للهيئة، فهو لم يضمن قرضاً لجونسون، ولكنه فشل في الكشف عنه. وفي حالة لينكر كان من الأفضل لو ذكّر بآثار كلامه ووصفه وزيرة داخلية بالنازية، وطلب منه مواصلة عمله وتلقى تحذيراً.
وفي هذه الحالة يجب على “بي بي سي” الخروج من هذا الموقف الأحمق، وعليها القبول بفكرة أن واحداً من أعلى النجوم أجراً خرق قواعد العمل. وعليها أيضاً الاعتراف بأن المسألة تحولت إلى حرية تعبير.
ورأت صحيفة “صاندي تايمز”، في افتتاحيتها، أن قضية لينكر هي الضربة على الظهر التي كانت “بي بي سي” بحاجة إليها. ورأت أن الاحتجاج الجماعي الذي جاء بسبب معالجة قضية لينكر، هو بمثابة تهديد يضع علاقاتها المعقدة مع مواهبها والحكومة المحافظة في الواجهة.
كل هذا يحدث وسط التحقيق مع رئيسها شارب. وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها “بي بي سي” لجدل، فقد عانت منذ حقبة هارولد ويلسون. لكن نجومية العالم المعاصر مختلفة، فقد قال لينكر إنه لن يلتزم بمعايير الهيئة حول استخدام منصات التواصل، حتى بعد توبيخه.
و”بي بي سي” في وضع لا تحسد عليه، فهي إما تعاقب مقدم برامج شهيراً، وتتهم بأنها انصاعت للضغط من الحكومة، أو تتجاهل التغريدة وتتهم بأنها منصاعة لمواقف الرافضين. ولكن قضية لينكر هي عن مستقبل “بي بي سي”، فصعود خدمات البث/ستريمنغ، وتعقيدات وسائل التواصل، يجعل من المؤسسة، التي مضى عليها 101 عام، والدعم لميزانيتها من المال العام أمراً لا يصلح للزمن الحالي. ففي أحسن حالاتها وتغطيتها لحرب أوكرانيا ومسلسلات درامية مثل هابي فالي هي قوة موحدة. وفي أسوأ الحالات كما في العاصفة الأخيرة تعتبر صورة عن الانقسام الاجتماعي.
سقط قناع بريطانيا العنصرية البغيضة المقيتة المتغطرسة التي تكيل بمكيالين تطرد المهاجرين العرب والمسلمين و الأفارقة وتستقبل ملايين الأوكران يا هامان ??