بعد التجربة القطرية التي جعلت من الدوحة قبلة العالم نهاية السنة الماضية عند احتضانها نهائيات كأس العالم، ها هي المملكة العربية السعودية قبلة المسلمين تتحول أيضا الى قبلة لنجوم الكرة وعشاقها بفضل سياسة الاستقطاب التي تنتهجها، وتجعل منها واحدة من مراكز المتعة الكروية كل أسبوع لسنوات عدة، خاصة بعد تسويق دوري روشن السعودي لمختلف تلفزيونات العالم في كل القارات، لمتابعة ما يفعله رونالدو وبنزيمة وفيرمينيو ومحرز وساديو ماني، وكذا نيمار الذي التحق بالهلال، على غرار عديد النجوم الذين سيجعلون دربي الرياض وجدة لهذا الموسم أكثر متابعة من أي كلاسيكو أو دربي في اسبانيا وايطاليا وانكلترا، ويساهمون في التحول الذي تسعى إليه المملكة السعودية الى غاية سنة 2030 كمرحلة أولى، تتخللها مساع أخرى على كل الأصعدة.
صحيح أن حجم الأموال التي تم إنفاقها كبير، لكن كل شيء يهون عندما يكون الأمر في مصلحة الدولة والأجيال الصاعدة، حتى ولو كان في المجال الرياضي، بعد أن اتضح أن الرياضة وكرة القدم بالخصوص هي وسيلة لصناعة السمعة وتحريك عجلة التغيير والتنمية في قطاعات أخرى اقتصادية وتجارية وسياحية تسعى الى تحقيقها المملكة على المديين المتوسط والبعيد، وتغيير تلك الصورة النمطية التي عشعشت في أذهان ونفوس الأوروبيين والأمريكان عن بلد يملك من القدرات والمقومات التي تجعله يحافظ على دينه وتقاليده وثقافته، وفي نفس الوقت يساير كل التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والرياضية التي يشهدها العالم، ويطمح إليها الجيل الصاعد.
تألق رونالدو في كأس العرب للأندية مع النصر، برفقة ساديو ماني وكذا بنزيمة مع الاتحاد، والتحاق نيمار بالهلال بعد نهائي البطولة، وقبله التحاق رياض محرز وفيرمينو بالأهلي، وربما محمد صلاح وغيره من النجوم مستقبلا، يهدد الدوريات الأوروبية كلها في ظاهرة مختلفة تماما عن الاستقطاب الذي حدث في أمريكا منذ بيليه وبيكنباور، واليابان مع زيكو، وحدث في الصين وروسيا، من دون أن يكتمل ويحقق مبتغاه في تطوير اللعبة وزيادة الاهتمام الجماهيري الذي جعل من مكة المسلمين قبلة اللاعبين والاعلاميين والملايين من عشاق الكرة ونجومها الذين كانوا قبل اليوم يتحدثون عن السعودية في موسم الحج فقط، وصاروا يتحدثون عن دوري روشن والتحول الحاصل في السعودية نتيجة الاستثمار في الكرة وكل ما يحيط بها ويدور حولها.
السرعة التي تسير بها الأمور تجعل من الصعب على المتابعين التكهن بما سيحدث لاحقا في السعودية التي لم تعلن رسميا عن رغبتها في تنظيم مونديال 2030، لكنها ستكون أحد أكبر المرشحين عندما تقرر ذلك بدون أدنى شك، خاصة وأنها تنظم نهائيات الكأس السوبر الاسباني والايطالي، وتتأهب لتنظيم نهائيات كأس أمم أسيا وكأس العالم للأندية بعد أن قطعت أشواطاً كبيرة في علاقتها مع الفيفا ورئيسها جاني إنفانتينو الذي ربح الرهان مع قطر، ويراهن على السعودية كفاعل جديد يمكن التعويل عليه في المستقبل وسط أزمة مالية كبيرة تعاني منها دوريات واتحادات أوروبية وأمريكية، في وقت لا تتردد السعودية في عرض خدماته على أسرة كرة القدم العالمية، وتوفير الموارد المالية للأندية ورابطة دوري روشن للمحترفين لأجل قلب موازين كل المعادلات.
ما يعتبره البعض هدرا للمال العام في شراء لاعبين متميزين، يصنفه البعض الآخر استثمارا تتعدى منافعه الجانب الكروي والرياضي وحتى التجاري الى مجالات أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية تفرض على الدولة الإنفاق من أجل بلوغها بغض النظر عن السلبيات والصعوبات.
إعلامي جزائري