إن ثورة تكنولوجيات الاتصال والمعلومات أوحت لنا اليوم بأن العالم قد تغير برمته وتغيرت معه الأساليب العلمية والمهنية، ما حول الفضاء الافتراضي إلى واقع ملموس في شتى المجالات والاختصاصات الحيوية للاقتصاديات الوطنية. إذ كان أكبر المستفيدين من تلك التكنولوجيات الحديثة هو الاقتصاد الرقمي بحيث خصصت في أغلب البلدان العالمية وزارات مختصة ومهتمة بذلك. كما أن أهم مستفيد من كل تلك التكنولوجيات والتقنيات نذكر في الأساس الاقتصاديات الصاعدة لبلدان جنوب شرق آسيا وبعض الدول العربية التي راهنت بدورها على ذلك النوع من الاقتصاد الصاعد والواعد والذي أصبح العمود الفقري للتنمية الاقتصادية والمحفز الرئيسي للنمو الاقتصادي. لكن هذا لا يعتبر في حد ذاته كافيا بل ما زالت تلك البلدان تحتاج إلى مزيد الدعم في بنيتها التحتية الرقمية من خلال تركيز مراكز للبحوث وللتجديد في مجال تكنولوجيات الاتصال والمعلومات وخلق منتجات جديدة خاصة بها بعيدا عن دائرة النسخ واللصق للابتكارات التكنولوجية للدول المتقدمة. إن العولمة الرقمية حولت العالم برمته إلى قرية صغيرة أو بالأحرى إلى غرفة صغيرة بحيث قلصت داخلها المسافات والأزمان لتبرز أنواعا جديدة من التجارة والتسويق التي أصبحت تراهن على التكنولوجيات عبر شبكة الإنترنت، انتشار مراكز النداء، التدريس عن بعد، المكتبات الرقمية، الإدارات الإلكترونية وغيرها من التكنولوجيات المتطورة جدا ليصبح الروبوت البديل الرئيسي للإنسان مما جعل لتلك الشبكة الافتراضية فضاء متكامل الأبعاد والأهداف تجري في صلبها المعاملات المالية والمبادلات التجارية بمجرد ضغط على زر كمبيوتر. فالسيولة المالية داخل ذلك الفضاء الافتراضي أضحت تقدر بمليارات الدولارات وذلك حسب تقارير الخبراء في المجال بحيث أصبح تداول وشراء الأسهم والسندات متاحا للجميع بمجرد دخوله الشبكة العنكبوتية وشحن بطاقته الائتمانية ثم الاستثمار في العملات الرقمية أو الإلكترونية من خلال شرائها وبيعها داخل ما يعرف بأسواق الـ”فوركس”. أما المشاريع الرقمية الحديثة فهي أيضا ساهمت في تنشيط الحركة الاقتصادية للبلدان ذات الاقتصاد الصاعد والتي وضعت رهانا مستقبليا على التكنولوجيات من خلال تنويع منتجاتها الصناعية في الإلكترونيات ودعم الابتكار في الفضاء الافتراضي وأبرز دليل على ذلك نجاحات بلدان جنوب شرق آسيا والتي تعتبر الرائدة دوليا في مجال التكنولوجيات الحديثة، وبعض البلدان العربية الصاعدة التي أصبحت تستغل تلك التكنولوجيات بشكل متزايد في جميع إداراتها الحكومية وزادت في تحفيز المستثمرين المحليين والأجانب من أجل إنشاء مشاريع رقمية ذات مردودية عالية.
صناعات إلكترونية
انطلقت ثورة تكنولوجيات الاتصال والمعلومات بشكل ملحوظ مع بروز شبكة الإنترنت منذ مطلع العشرية الماضية كوسيلة للاتصال والتواصل بين البشر في مختلف دول العالم. إذ كان نسق نمو تلك التكنولوجيات مستمرا تصاعديا ودوليا، مما حفز دول جنوب شرق آسيا بمزيد التخصص في الاقتصاد الرقمي وتشكيل نواة قوة دولية من خلال دعم صناعات إلكترونية مثل الهواتف المحمولة المتطورة والتلفزيونات الذكية الرقمية والروبوت الآلي والأحدث من كل ذلك هو إنشاء العديد من التطبيقات والبرمجيات وتطوير محتواها بشكل دائم ما يجعلها بالفعل ثورة حقيقية. إن تكنولوجيات الاتصال والمعلومات تعتبر القاعدة الأساسية من أجل تنشيط الاقتصاديات الوطنية بحيث أصبحت مؤخرا تحتل المراتب الأولى من حيث المساهمة في المبادلات التجارية الدولية وتحويل الأموال الأجنبية خاصة بالدولار واليورو. فتلك التكنولوجيات تعتبر اليوم مصدر تراكم حقيقي للثروة الوطنية إذ استغلت بشكل إيجابي في مجال “الصناعات الإلكترونية والخدمات الرقمية” مع تشجيع الشبان من أجل إنشاء مشاريع صغيرة في ذلك المجال أو مخابر بحث وابتكار وتطوير في جزئياتها. فالعولمة الرقمية ساهمت في دمج الاقتصاد العالمي في اقتصاد موحد، بحيث زادت نسبة الانفتاح التجاري والتنظيم المالي لتلك الاقتصاديات الصاعدة وأيضا ساهمت في تحرير الأسواق والأسعار في سوق عالمية واحدة متجاوزة الحدود التقليدية لتشكل حدودا افتراضية موحدة وتساهم بذلك في إنعاش خزينتها المالية العمومية وتنشط من مبادلاتها التجارية.
مشاريع
إن بروز العديد من المشاريع الرقمية مؤخرا على غرار مراكز النداء، والتجارة الإلكترونية، والتسويق الإلكتروني، والأسواق المالية الافتراضية، وبنوك تحويل العملات، والمدارس الرقمية، المعاهد والجامعات الخاصة الافتراضية، والتطبيقات والبرمجيات الحديثة، تعتبر في مجملها ثروة وطنية تساهم بشكل إيجابي في تراكم الناتج القومي الخام الحقيقي، ما يجعلها المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي وتخلق بدورها العديد من فرص الشغل للشبان المتخرجين. إن التكنولوجيات الحديثة لها تأثيرات مباشرة على نسبة النمو الاقتصادي بحيث تجعلها جزءا لا يتجزأ من الثروة الوطنية والتي تكون في محور ترابطي مع تراكم ثروة الموارد البشرية والتقنية والعمومية. فالنمو الاقتصادي لتلك البلدان ذات الاقتصاد الصاعد يتشكل على قاعدة نسق إيجابي كلما تقلصت الفجوة الرقمية بينها وبين البلدان المتقدمة وكلما زادت قدرتها التنافسية دوليا في ذلك المجال الحيوي وزادت نسبة استثماراتها وصادراتها. فالاستقلالية التكنولوجية من خلال خلق منتج خاص من الإلكترونيات والتقنيات في البلدان ذات الاقتصاد الصاعد وهي في الأساس دول جنوب شرق آسيا يجعل اقتصادياتها الوطنية قوية على المدى البعيد ومبادلاتها التجارية أكثر فاعلية على الصعيد الدولي. ففي هذا المجال تعتبر التجربة الصينية في مجال خلق مشاريع رقمية أهم عنصر فعال للنسج عليها خاصة في تلك البلدان من خلال التنويع في إنتاج تطبيقات وبرمجيات بأقل التكاليف ودخول سوق تنافسية مباشرة مع البلدان المتقدمة. إجمالا تعتبر تلك المشاريع الرقمية الشريان الحيوي لتلك الاقتصاديات القادرة في النتيجة على تحقيق نمو إقتصادي مرضي وفي نسق تصاعدي، بالتالي تحقق فائضا ماليا وتجاريا وتقلص من نسبة المديونية وتقلل من مخاطر الأزمات الاجتماعية أو الاقتصادية.