تأثير القرم العالمي

حجم الخط
1

ذكر الصحافيون والمحللون الذين استعرضوا زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة ولا سيما حديثه مع الرئيس اوباما، ذكروا الى حد الاتعاب مبلغ كون نتنياهو محظوظا لأن الاحداث في اوكرانيا والقرم غطت على الموضوع الفلسطيني وعلى شؤون الشرق الاوسط بعامة.
لكن يتبين أن من اعتقدوا ذلك اخطأوا، فلم يمتنع لا اوباما ولا نتنياهو عن أن يثيرا في حديثهما الطويل القضايا التي كانت مهمة في نظرهما وهي المسيرة السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين، والشأن الذري الايراني من جهة اسرائيل خاصة. ومن الواضح أنه ذُكرت في خلفية الحديث ايضا الاحداث في اوكرانيا والقرم، ويكفي أن ننظر في الخريطة وأن ننظر في كتب التاريخ كي نفهم أن شبه جزيرة القرم هو في الحقيقة ‘شرق أوسط’.
وإن التأثيرات الجغرافية السياسية للمواجهة العسكرية حوله أهم من تعريف القرم التاريخي أو الجغرافي أو السكاني. إن السؤال الاول الذي يسأله كثيرون في وزارات الخارجية المختلفة وفي معاهد البحوث الدولية، يسألونه لأنفسهم في هذه الايام، هل سيفضي الوضع المتدهور الى تجديد الحرب الباردة بين الشرق والغرب.
وقد تطرق الى ذلك من جملة من تطرقوا هنري كيسنجر في مقالته في الاسبوع الماضي قائلا إن ‘خطوات غير حذرة من أحد الطرفين أو من كليهما قد تفضي الى ذلك بيقين (أي الى تجديد الحرب الباردة)
ولا يدخر كيسنجر انتقادا للخطوات التي يخطوها بوتين، لكنه لا يذكر لنا فقط التاريخ الأعوج للعلاقات بين روسيا واوكرانيا والجانب الشعوري لدى الطرفين، بل يذكر ايضا المصلحة السياسية والاستراتيجية الأساسية التي توجب على روسيا أن يكون لها موقع تأثير في القرم ولا سيما في ميناء سباستوبول.
ويلخص كيسنجر قائلا إن قدرة روسيا على أن تكون ذات مكانة وتأثير في منطقة البحر المتوسط كلها تتعلق بسيطرتها على هذا الميناء على ساحل البحر الاسود والمخرج منه الى البحر المتوسط.
وليس كيسنجر حكماً محايدا وهو لا يتناول بالطبع سؤال هل من الجيد أن يكون لروسيا منزلة قوة من القوى العظمى في البحر المتوسط، لكنه يثير هذا الشأن كما تراه روسيا (وينبغي أن نفترض أن ذلك مناقض للمصلحة الامريكية)
من الممكن بالطبع أن يكون الخوف من حرب باردة جديدة مبالغ فيه، فقد تغيرت الشروط والظروف؛ فروسيا اليوم لم تعد تسعى الى هيمنة سياسية أو ايديولوجية في العالم كما كانت في ايام ستالين، ومن المؤكد أن بوتين برغم شحذه المعلن للسيوف عالم بضعف روسيا العسكري والاقتصادي المطلق في مواجهة امريكا.
ومن جهة اخرى؛ ليست امريكا اوباما هي امريكا ترومان أو ريغان، والاستكانة الزعامية السافرة في الغرب بعامة تضائل أصلا احتمال أو خطر (اذا شئنا الدقة) أن يتكرر التاريخ.
ومع ذلك فان المواجهة الحالية تنطوي على سيناريوهات خطيرة سيكون لبعضها تأثير في دولة اسرائيل ايضا.
واسرائيل على حق في امتناعها عن الالتزام بموقف مما يجري في اوكرانيا والقرم ـ وهذا غير مطلوب منا وليس في مصلحتنا.
إن اسرائيل في الحقيقة حليفة لامريكا وهي تؤيد مبادئها الأساسية، لكن بخلاف الوضع الذي كان قائما بين خمسينيات القرن الماضي وسبعينياته، لم يعد الصراع الاسرائيلي العربي والقضية الفلسطينية جزءاً من التكاسر بين الكتلتين، وينبغي أن نأمل بقاء الامر كذلك (ويجب على الدبلوماسية الاسرائيلية أن ترى ذلك هدفا حيويا)
قد تكون نتيجة أكثر مباشرة وخطرا للاحداث الاخيرة في الجبهة الروسية الاوكرانية وهي ضعف آخر للموقف الدولي ولموقف دول ‘الخمس + واحدة’ الذي هو ضعيف أصلا، في مواجهة المشروع الذري الايراني، ولا سيما اذا أثيرت مسألة تجديد العقوبات على ايران.
وقد تزداد المساعدة الروسية لسوريا الاسد ولحزب الله بصورة غير مباشرة، ولن تستطيع اسرائيل أن تستخف بذلك.
فيتبين اذا أن قانون الوسائل المشتركة يعمل في المجال السياسي ايضا لأن الحريق في اوكرانيا وفي القرم قد يفضي الى دخان مستمر في منطقتنا ايضا.

اسرائيل اليوم 12/3/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابن بطوطة -:

    استفتاء الشعوب هو من اسس الديمقراطية في العالم … و امريكا تدعي الحرص على الديمقرطية في العالم … شبه جزيرة القرم لها وضع حكم ذاتي موسع ضمن اوكرانيا و من حق شعبها قول كلمته البقاء في اوكرانيا او الخروج منها و لم تمانع من وجود مراقبين غربين لعملية الاستفتاء ..اما الرد الصارم فهذه كذبة .. امريكا في وضع لا يسمح لها بتخويف روسيا … منع 21 مسؤلا روسيا من دخول امريكا هذه سخافة و ليس ردا يخيف لا روسيا و لا غيرها .. لا تستطيع لا اوروبا و لا امريكا فرض عقوبات اقتصادية على روسيا لانها ستضر نفسها اكثر من ضررها لروسيا

إشترك في قائمتنا البريدية