تاريخ علاقات مصر وليبيا.. بين التضامن والمواجهة

حجم الخط
0

إسطنبول: حدود مشتركة بين مصر وليبيا، وعلاقات ضاربة في عمق التاريخ، شهدت محطات مختلفة، ما بين التضامن والدعم، والمواجهات والاختلافات.

أولا : من الفراعنة للدولة العثمانية: ترابط لافت
وفق الموقع الإلكتروني لهيئة الاستعلامات المصرية (رسمية)، “العلاقات المصرية الليبية ضاربة في جذور التاريخ والجغرافيا، فقد حكمت الأسرة 23 من الملوك “المشواش” الليبيين مصر العليا بين عامي 880 و734 ق.م”.
وعن فترة قبل الميلاد، نقل كتاب “الفراعنة المحاربون.. دبلوماسيون وعسكريون” لكاتبه حسين عبد البصير، أن “فترة حكم رمسيس الثالث (1186 ق.م –1155 ق.م)، شهدت التصدي للغزو الليبي لغرب الدلتا المصرية من قبيلتي المشوش والسبد”.
وأضاف أن “الاضطرابات عادت من الحدود الغربية، مع الليبيين ثانية (لم يذكر الكاتب تاريخيا)، باتجاه منطقة الدلتا أيضا قبل أن تنتهي مجددا”، وفق ما نقله تقرير لصحيفة اليوم السابع الخاصة، في 12 يونيو/ حزيران الماضي.
وبحسب هيئة الاستعلامات المصرية “حكم البطالمة (323 ق.م- 30 ق.م) مصر وشرق ليبيا “برقة”، ثم أصبحت كلا من مصر وبرقة من مقاطعات الدولة الرومانية، وفتحت الجيوش الإسلامية مصر بقيادة عمرو بن العاص زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب”.
ويستكمل المصدر: “من مصر بدأ الفتح الإسلامي للشمال الأفريقي، فكانت البداية بالمناطق المتاخمة لها من ناحية الغرب، فكانت برقة ثم طرابلس في ليبيا”.
ويتابع: “وفي زمن الحكم الإسلامي بشكل عام، كانت طرابلس مستقلة عن مصر في بعض الأحيان، وخاصة خلال فترة حكم الأغالبة من (800 حتى 909م)، بينما في أوقات كثيرة أخرى كان البلدان متحدين في كيان إداري واحد، خاصة في عهد الخلافة الفاطمية من (909 حتى 1171م)”.
فيما أصبحت الدولتان جزءا من الدولة العثمانية عام 1517م، بحسب المصدر ذاته.

ثانيا: فترة احتلال ليبيا: تضامن ودعم
وفي سبتمبر/ أيلول 1911 شرعت إيطاليا في احتلال ليبيا التي كانت تحت سلطة الدولة العثمانية.
تضامن ودعم لافت لقيته ليبيا ليس من مصر فحسب، ولكن قبله موقف الدولة العثمانية التي شارك مؤسسها كمال أتاتورك مع قوات بلاده في الحرب ضد الاحتلال.
وتحدث الكاتب، محمد عبد الكريم أحمد، في مقال بصحيفة الأخبار اللبنانية، مطلع الشهر الجاري، عن دور كبير لمصر في دعم ليبيا بوجه الاحتلال الإيطالي، ويبرز مثالاً على ذلك تزعّم الأمير المصري، عمر طوسون (8 سبتمبر/ أيلول 1872- 2 يناير/كانون ثاني 1944) حركة اكتتاب شعبية لمعاونة ليبيا، فضلا عن دعم تشكيل فصائل ليبية مسلحة.
وفي يناير/ كانون الماضي، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “هؤلاء لا يدركون بأن أتاتورك ذهب على رأس جنوده إلى طرابلس الغرب، وأصيب هناك في عينه”.
وفي الشهر ذاته، عرض التلفزيون التركي مشاهد مصورة قديمة لأتاتورك أثناء قتاله إلى جانب الثوار الليبيين في مواجهة الاحتلال الإيطالي، حيث لعب دورا بارزا هناك قبل أن يعود لبلاده.
وقال المفكر والمؤرخ الليبي، علي الصلابي: “الدخول العثماني لليبيا كان بطلب شعبي، وذلك بدعوتهم (الليبيون) لهم أولاً (العثمانيين)، ثم مساعدتهم في حربهم ضد الإسبان وفرسان مالطا، الذين حلوا محل الإسبان عام 1530، ثم قبول حكمهم وسيادتهم على كامل البلاد الليبية (1551: 1911)”.

ثالثا: عهد جمال عبد الناصر: ولع وتقارب
كان هناك تقارب كبير بين مصر وليبيا، لاسيما في بداية عهد الرئيس الليبي معمر القذافي (1 سبتمبر 1969 – 20 أكتوبر 2011).
ولع القذافي بأفكار الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر (15 يناير 1918 – 28 سبتمبر 1970) الاشتراكية، ودعمه لفكرة الوحدة العربية، وهو ما كان واضحاً في خطاباته.

رابعا: عهد السادات: دعم وحرب
وفق هيئة الاستعلامات: “ساعدت ليبيا مصر في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 ضد إسرائيل، حيث قامت بعقد صفقة طائرات “ميراج” مع فرنسا، واستخراج جوازات سفر ليبية للطيارين المصريين من أجل التدريب في باريس”.
وعندما واجهت مصر مشكلة شراء الدبابات “تي 62” قامت ليبيا بدفع ثمنها، كما قامت بإرسال سربين من الطائرات أحدهما يقوده مصريون وآخرون ليبيون.
لكن هذا التضامن الليبي، ظهر عكسه بعد 4 أعوام وتحديدا في 21 يوليو/ تموز 1977، حين قام القذافي، بحشد محتجين على اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل صوب مدينة السلوم الحدودية، بهدف إزالة الحدود والوصول للقاهرة وإثارة المصريين الغاضبين من الاتفاق، وفق مراجع تاريخية وتقارير صحفية مصرية.
وعندما رفضت قوات حرس الحدود المصرية، بدأت مدفعية ليبية في إطلاق قذائف صوب السلوم، ووقعت اشتباكات بين قوات الطرفين، قبل أن تتحرك قوات من الجيش المصري وتصل إلى داخل ليبيا وتضرب قواعد عسكرية تابعة للقذافي.
وبعد 4 أيام من الاشتباكات بين الطرفين، توقفت في 24 يوليو/ تموز من العام ذاته، بعد تدخل جزائري فلسطيني.
وسحبت مصر إثر ذلك قواتها من الأراضي الليبية، التي دخلتها ليوم واحد، في إطار ماقالت الصحافة المصرية إنه “صد العدوان”.

خامسا: عهد مبارك: عودة قوية للعلاقات
في عام 1989 أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربية في المغرب، تم لقاء بين القذافي، والرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، أسفر عن إلغاء تأشيرات الدخول لمواطني البلدين.
وأعقب ذلك تحسن كبير في العلاقات، وتوقيع اتفاقيات تنظم كافه أوجه التعاون بين البلدين عام 1991.
ودعمت مصر بصورة لافتة ليبيا دوليا أثناء أزمة لوكربي (سقوط طائرة ركاب أمريكية فوق مدينة لوكربي في اسكتلندا سنة 1988، واتهم فيها نظام القذافي)، وعقوبات أممية طالتها عام 1992، وفق هيئة الاستعلامات.
وهذه الفترة ازدحمت ليبيا بعمالة مصرية تجاوزت مئات الألوف.
وفي 1989 سقطت طائرة “أوتا” الفرنسية فوق أجواء النيجر، مما أدى إلى مقتل 170 شخصا، في حادثة اتهم فيها أيضا نظام القذافي، حيث قدم تعويضات لذوي الضحايا في عام 2003.

رابعا: عهد المجلس العسكري: تقارب
عقب قرار مجلس الأمن بالتدخل العسكري بليبيا في 2011 لإسقاط نظام القذافي، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بياناً أكد فيه عدم مشاركة مصر بالعمليات العسكرية للتحالف الدولي، لحماية المدنيين في ظل تواجد للعمالة المصرية.
وبعد نحو عام وفي 16 يناير/ كانون ثاني 2012، زار المشير حسين طنطاوى، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية آنذاك، العاصمة طرابلس، في أول زيارة للخارج منذ توليه منصبه عقب ثورة 25 يناير2011.

وتطرقت المباحثات للأوضاع الأمنية وحفظ الحدود، ووضع العمالة المصرية في ليبيا، بحسب تقارير صحفية آنذاك.

خامسا: عهد السيسي: تعاون جلب اتهامات ومخاوف واستعدادا للتدخل العسكري
شهد عهد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، تعاونا مع ليبيا، في إطار دعم الانقلابي خليفة حفتر.
وفي أغسطس/ آب 2014 نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، معلومات تشير لتعاون مصري إماراتي، في استهداف عناصر مسلحة بمدينة بنغازي شرقي ليبيا، وبعد شهرين، نفى المتحدث الرئاسي المصري آنذاك، قيام طائرات مصرية بذلك.
وجاء القصف بعد يوم من زيارة رئيس الوزراء الليبي آنذاك عبد الله الثني لمصر، وتعهد خليفة حفتر باستعادة المدينة من أيدي من سماهم “الجماعات الإرهابية”.
كما قامت مصر في 16 فبراير/ شباط 2015، بغارات جوية على مدينة درنة وسرت، عقب ذبح تنظيم داعش 21 مسيحيا مصريا كانوا يعملون في ليبيا.
ومنذ 4 أبريل/ نيسان 2019 تؤكد حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا دعم مصر والإمارات وفرنسا وروسيا لعدوان حفتر على طرابلس.
وفي 20 يونيو/ حزيران الماضي، اعتبر الرئيس المصري، في كلمة متلفزة أن “التدخل المباشر في ليبيا باتت تتوفر له الشرعية الدولية حفاظا للأمن القومي الليبي والمصري”.
كما اعتبر أن مدينتي سرت والجفرة (جنوب شرق طرابلس) خط أحمر، وهي تصريحات رفضتها بشدة الحكومة الليبية وقادة عسكريون وسياسيون في البلاد.
وأتت تصريحات السيسي عقب هزائم متتالية، منيت بها قوات حفتر في المنطقة الغربية، واستعداد الجيش الليبي لاستعادة السيطرة على مدينتي سرت والجفرة.
وفي 20 يوليو/ تموز الجاري وافق مجلس النواب المصري في جلسة سرية، على إرسال قوات بالاتجاه الغربي (ليبيا)، بعد دعوة وجهها برلمان طبرق، للسيسي للتدخل عسكرياً في ليبيا، بحجة حفظ الأمن القومي، وسط رفض من حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، ووصف تلك الخطوة بأنها “غير شرعية”، بجانب تحذير الأمم المتحدة من مغبة تلك الخطوة على استقرار ليبيا.

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية