إذا كان زمن المعجزات قد ولى وانتهى منذ أمد بعيد، لكن تايوان هي بالفعل معجزة الزمن الماضي والحاضر والمستقبل، التي استطاعت بذكاء، الإفلات من قبضة الطامعين، وفي الوقت نفسه، تعلمت كيف تحافظ على مكانتها كدولة تحظى باهتمام العالم بأسره. فالموقع الجغرافي لتلك الجزيرة الصغيرة الواقعة في بحر الصين الجنوبي، منحها قوة جيوسياسية عظمى؛ فاحتدم الصراع على ضمِّها للتمتع بقوة اقتصادية وأمان سياسي.
تايوان هي جزيرة صغيرة في شرق آسيا، مساحتها نحو 36 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانها أقل من 24 مليون نسمة، وعلى الرغم من ذلك تعد من بين أكثر الجزر كثافة سكانية. وتايوان التي كانت تعرف قديما باسم فورموسا Formosa، أي الأرض الجميلة، اكتشفها البحارة البرتغال عام 1542 وأطلقوا عليها هذا الاسم لجمال أراضيها، واستمر استخدامه حتى القرن العشرين في المراجع الغربية، بيد أنه تم تغيير اسمها إلى تايوان نسبة إلى من يقطنها من قبائل التاينانTainan ومنها عُرِفَت فورموسا بأرض التينان، التي في ما بعد، تم تحريف اسمها إلى تايوان.
وتنبع الأهمية الجيوسياسية لتايوان من مشاركتها الحدود البحرية مع كبرى الدول الآسيوية، ومن ثم، تعتبر نقطة عبور رئيسية تسهل الوصول لهم. أما جيرانها، فمن الشمال الغربي تحدها جمهورية الصين الشعبية، ومن الشمال الغربي اليابان، وأخيرا تقع الفلبين في جنوبها. وكانت جزيرة تايوان جزءاً من الامبراطورية الصينية منذ عدة قرون منصرمة، ثم ضمتها اليابان عام 1895 حينما كانت تحكم الصين سلالة الإمبراطور كينج Qing. واستمرت تابعة لليابان حتى عام 1945، لكن بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، اشتعلت حرب أهلية داخل الصين بين التيارين الأساسيين في البلاد، القوميين والشيوعيين. واستمرت تلك الحرب من عام 1946 إلى 1949، وانتهت بهزيمة القوميين وانتصار الشيوعيين، وبعد هزيمة القوميين فروا من الصين إلى جزيرة فورموسا المجاورة، التي صارت تعرف باسم تايوان. وبعد الاستقرار، أعلنوا قيام جمهورية الصين، التي هي بالطبع غير شيوعية، واتخذوا من مدينة تاي باي Teipei الواقعة في شمال جزيرة تايوان عاصمة لكل من تايوان وجمهورية الصين، لتمثل مصالح كل الصينيين، سواء أكانوا على ظهر تلك الجزيرة، أو في داخل جمهورية الصين الشعبية الشيوعية، وعاصمتها بكين. فوجد العالم نفسه يخاطب حكومتين كل منهما تدعى الصين، وبسبب اندلاع الحرب الباردة، انقسم العالم في مخاطبته للصين إلى قسم شيوعي موال للاتحاد السوفييتي وجميع الحكومات الشيوعية، مساند لجمهورية الصين الشعبية الشيوعية، وجزء آخر مساند للديمقراطية، يخاطب جمهورية الصين، التي مقرها جزيرة تايوان، وهذه كانت بداية عصر المعجزات في تايوان.
لم تتذمر تايوان من كثافة سكانها، ولا فقرها، ولا قلة مواردها. لكنها عمدت لاستغلال المتاح لديها بذكاء وتكييفه مع ظروفها؛ لتحقيق نهضة اقتصادية وتنموية غير مسبوقة انتشلتها من مصير باهت إلى حياة واعدة.
فمع مستهل الثمانينيات، عمدت تايوان إلى أن تجعل من نفسها معجزة اقتصادية عالمية، تقضي بفضلها على الظروف الاقتصادية القاسية التي عانت منها لعقود طويلة، فبعد الحرب العالمية الثانية، واجهت تايوان فقرا مدقعا بسبب الصراع الياباني الصيني الذي دار على أرضها، وتفاقم الدمار في أعقاب الحرب الصينية التي طالتها، ما دمر الرقعة الزراعية وأفقد سكان تايوان مصدر رزقهم الأساسي؛ حيث أن نحو 60% من السكان يعملون في مجال الزراعة، إلا أن التاريخ سجل قصة كفاح الشعب التايواني، الذي تغلب على فقره لدرجة أنه في عام 2019 تجاوز الناتج المحلي 1.2 تريليون دولار، وصارت قوتها الشرائية 52300 دولار للفرد، وتحتل تايوان المركز 19 بين أكبر المعدلات العالمية لنصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلِّي.
استطاعت تايوان تحقيق القفزة الهائلة من الفقر والدمار وصولا لأرقى المراتب بين أقوى الاقتصادات العالمية، بسبب استغلال جميع الفرص التي تفتح لها مجالات للازدهار، وعلى رأسها كانت المساعدات الأجنبية، فبعد الحرب العالمية الثانية، قدمت الولايات المتحدة مساعدات أغلبها مالية لمئات الملايين. ومن عام 1950 إلى 1965 شكلت المعونة الأمريكية نحو 6.5 من إجمالي الناتج المحلِّي التايواني، ما جعل تلك المساعدات شرارة بدء قوية حفَّزَت الاقتصاد على النمو. وقد حرص الشعب التايواني وقياداته، على أن يصير ذاك النمو سريعا ومستداما، بحيث لا يرتهن النمو والاستدامة بوجود المعونة الأجنبية، ثم انضمت الدولة لمجموعة تتألف من سنغافورة وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ، بالإضافة إلى تايوان، وأطلقوا على أنفسهم «النمور الآسيوية» الذين تكاتفوا مع بعضهم بعضا؛ لتحقيق نمو اقتصادي متسارع قائم على التصنيع، فتعاظم النمو الاقتصادي لديهم ووصل إلى معدل يقرب من 8%، وتلك نسبة عجائبية بكل المقاييس، أطلقت عليها تايوان «المعجزة التايوانية».
وفي خضم حركة التصنيع المتسارعة، لم تهمل تايوان نشاطها الزراعي، الذي كان يمثل عماد الاقتصاد لديها، وقد عانى المزارع التايواني على يد المستعمر الياباني الذي كان يؤجر الأرض للمزارع، ثم يستولي على الجزء الأعظم من المحصول، ما أدى لتباين شديد بين توزيع الثروات والسلطة، وأفضى إلى حالة من السخط.
لكن أنقذت المزارعين حركة الإصلاح الزراعي، التي بدأت على يد السلطة الوطنية بعد انتهاء دائرة الحروب الضروس، التي حدثت على أرضها. وحركة الإصلاح تلك التي تم تطبيقها، دون إراقة نقطة دم واحدة، تقضي بتملُّك المزارع لرقعة الأرض التي كدَّ في زراعتها. وكانت المكافأة أن تعاظم قدر محصول الأرز من 1.037 مليون طن متري عام 1948 إلى 1.517 مليون طن متري عام 1952؛ أي بزيادة قدرها 48% تحققت في أربع سنوات فقط، ما أفضى إلى تحرير نسبة لا يستهان بها من الشعب، من إلزامهم بأعمال الزراعة والفلاحة؛ فتركوا المزارع وتوجهوا لسوق العمل على أمل الحصول على فرص وظيفية أخرى. ولم تكن تلك النهضة لتتحقق أبداً دون أن تُولِي الدولة العنصر البشري الكثيف لديها العناية والرعاية، وكانت أولى خطوات تايوان لذلك هي الاستثمار بشدة في مجال التعليم، الذي غذى القدرات الابتكارية والتنموية لدى الشعب. فأنشأت تايوان عام 1987 أول مسبك أشباه موصلات على مستوى العالم، بل وصارت حاليًا ثالث أكبر منتج لأشباه الموصلات على مستوى العالم بعد كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. علمًا بأن هذا المجال يوفِّر الآلاف من الوظائف ذات الأجر المرتفع، وبذلك تحوَّلت تايوان من دولة قائم اقتصادها على النشاط الزراعي إلى دولة صناعية وزراعية. فتسارع النمو وازدهرت أحوال الشعب.
لم تتذمر تايوان من كثافة سكانها، ولا فقرها، ولا قلة مواردها. لكنها عمدت لاستغلال المتاح لديها بذكاء وتكييفه مع ظروفها؛ لتحقيق نهضة اقتصادية وتنموية غير مسبوقة انتشلتها من مصير باهت إلى حياة واعدة.
كاتبة مصرية
تجربه رائده تبشر بالتنميه وازدهار اقتصادي عندما تتوفر الاراده ويتم استغلال الموارد المتاحه على أفضل وجه خاصة مع توفر عنصر النزاهة وعدم وجود الفساد.
كانت المنتجات الرخيصة يتم تصنيعها بالسبعينات في هونكونغ,
وبالثمانينات بتايوان, وبالتسعينات ولغاية الآن في الصين! ولا حول ولا قوة الا بالله
كانت هونكونغ تقلد المنتوجات الإنجليزية, وتايوان تقلد المنتوجات الأمريكية!
أما الصين فتقلد منتوجات العالم قاطبة!! ولا حول ولا قوة الا بالله
ثلاث دول في العالم لولا الدعم الأمريكي المطلق لها لما صارت إلى ما آلت اليه:
١. كوريا الجنوبية (ضد اكوريا الشمالية)
٢. تايوان (ضد الصين).
٣. إسرائيل…..
أحب أن أضيف خبرتي العملية بسبب الإقامة والاستثمار في عمل شركة وعمل أسرة، لما نشرته (د نعيمة عبد الجواد) تحت عنوان (تايوان: معجزة بكل المقاييس)، في جريدة القدس العربي، البريطانية بالذات، بخصوص تايوان،
إشكالية اشتراكية دولة الحداثة، هي مفهوم أنت ومالك للدولة، فلذلك يحق للدولة سرقة كل شيء تحت مسمى التأميم أو السرقة القانونية،
في تايوان لم ألاحظ، هذا المفهوم، كما قام به (جمال عبدالناصر) في مصر، وقلّده بقية الحكام في كيانات سايكس وبيكو، وليس فقط ما حصل لأهل فلسطين من الكيان الصهيوني،
حيث من أجل إعادة تشغيل الدورة الاقتصادية، قامت الحكومة، بتوزيع احتكار التجارة بالمواد الأساسية، مقابل امتلاك الأرض، من أصحابها، وعرضها بالتقسيط على الفلاح المُنتج،
هذه أدت إلى ثورة في كمية الإنتاج بجودة وكفاءة تضاهي، دول الجوار،
36.000 ² KM
Not m²
شكرا لك تم التصحيح