لاشك أن حرية التعبيرهي من الحقوق المفروضة على الأنظمة أن تحققها لمواطنيها وخاصة نحن الشعب العربي الذي عاش في حقبة الكبت طوال العقود الماضية ومازال في كثير من البلاد العربية التي نفسها ماتتفاخر وتجاهر بأنها تمارس تلك الحرية في التعبير ويقبع خلف قضبانها العشرات بتهمة ‘التعبير عن الرأي’.
حرية التعبير حق حتى لاتضيق حرية البحث والتواصل وفي شقها السياسي فهي تضمن أن تبقي المسار الصحيح للحكومات والتغيير نحو الأفضل. وفي الدول العربية المنتفضة قد تحقق ذلك المطلب إبتداءاً من ترخيص عدد كبير من القنوات والصحف اليومية والأسبوعية على إختلاف الإتجاهات السياسية وإنتهاءاً إلى إصدار قوانين تحمي حرية التعبير حسب المعايير الدولية المُتفق عليها.لكن للأسف فإن أغلب القنوات العربية التي أطلقت العنان لنفسها في التعبير عن رأيها الشخصي أو رأي حزبها أو ممولها قد إختل كما يبدو عندها فهم وإستيعاب الحرية في التعبير وخاصة إن تقلدت الإتجاه المُعارض للنظام وهنا نتحدث عن الدول التي نجحت في إسقاط الطغاة بالتحديد-
إن من مسؤوليات الإعلام المعارض هو طرح الحلول للعوائق التي تواجهها الحكومات وإدخار المنبر الإعلامي لإستيعاب وجهات النظر لكي يكون المُشاهد جزءاً من الحل و من تقرير المصير، لكن في الحقيقة تجاهل الإعلام هذا الدور العظيم وإستغل المنبر الإعلامي للتحريض والهجوم والحشد والإستهزاء ضارباً عرض الحائط النصوص الدولية التي وضعت شروطاً لحق التعبير وحريته.
فكما نصت جميع المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان بالحق المدني والسياسي لممارسة الحرية في التعبير فإنها وضعت أيضاً مسؤوليات وواجبات. فقد نص مثلا العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية عام 1966 في مادته ال19 في الفقرة الثالثة ‘ أن ممارسة الحقوق النصوص عليها في الفقرة الثانية من هذه المادة واجبات ومسؤوليات.وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن بشريطة أن تكون محدودة بنص القانون وأن تكون ضرورية. (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة’ إنتهى النص.
كما أن هناك قرارات عديدة إعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وجب علينا ذكرها لوضع القارىء أمام حقوقه أيضاً للتعرف بشكل أوضح على مسؤليات الإعلام الحر وواجبه في طريقة مواجهة ‘العنف’ الإعلامي الذي تقوده قنوات وصحف وأفراد إعلاميين غلب عليها للأسف بل إستفرد بها الإتجاه العلماني والليبرالي فهناك القرار المُعتمد من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1946 المرقم 59 (ء-1) والذي يعلن (أن حرية تداول المعلومات حق من حقوق الإنسان الأساسية وهي المعيار الذي تكرس الأمم المتحدة جهودها لها.وأن أحد العناصر التي لاغنى عنها في حرية الإعلام هو توافر الإرادة والقدرة على عدم إساءة إستعمالها، إن إحدى قواعدها الأساسية هي الإلتزام الأدبي بتقصي الوقائع دون تعرض وبنشر المعلومات دون سوء قصد).
أما القرار رقم 110 (ء-2) والذي إعتمد من الجمعية عام 1947 والذي’ يدين الدعاية التي تستهدف إثارة أو تشجيع، أو يحتمل أن تثير أو تشجع ،أي تهديد للسلم أو خرق للسلم أو أي عمل من أعمال العدوان’. وفي طبيعة الحال فإن المتتبع لبعض البرامج السياسية وخاصة في مصر وتونس يجد أن هناك تعدياً وإختراقاً للقوانين بجانب الأدبيات مستثنيين الأخلاق الدينية التي بالتأكيد ترفضها الأديان السماوية التي للأسف علمانية العقول لاتقبل بالخوض فيها كما ان الأدبيات التي تفرض على القنوات الجماهيرية كانت عارية تماماً ببعض البرامج الساخرة والتي إعتبرت نفسها فكاهية وهي لم تلتزم بالحد الأدنى من الموضوعية والحيادية.
علاوة على حملات التجييش وعدم الإلتزام الأدبي الذي يمارسها الإعلام العربي في اغلب الحال فقد تمرس بعض الإعلاميين والمراسلين إلى حملة نشر للأخبار الزائفة والمشوهة لتنال من السلم الأهلي للوطن والتأثير على علاقات الدول ببعضها البعض لتنفيذ أجندات خاصة ورؤيا تهدف للنيل من سمعة حزب ما، فلقد أثار الإعلام المصري ‘المعارض’ بعض الأكاذيب في حق مصر ودول الجوار عندما تداول إتهام النظام المصري ببيع سيناء لحماس وغيرها من الهلوسات كإستئجار قطر لقناة السويس وبيع حلايب وشلاتين للسودان وغيرها إلى ليبيا بطريقة تكشف مدى إستخفاف هذه المنابر بعقول الشعوب العربية ومحاولة جرها إلى عداوات وعدم إستقرار غير مبرر وبحجج أكثر خطراً من الذنب.
فلقد إعتمد قرار أممي في هذا الشأن رقم 127 (ء-2) في عام 1947 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب فيه الدول ‘بمكافحة نشر الأنباء الزائفة أو المشوهة التي يكون من شأنها الإساءة إلى العلاقات الطيبة بين الدول’ وغيرها من القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة وغيرها كاليونسكو بشأن وسائل الإعلام الجماهيرية وضرورة إسهامها في دعم السلم والثقة والعلاقات الدولية بين الدول.
إن المانبر الإعلامية لاتقل أهمية عن المنابر الدينية والمنابر التعليمية خاصة أنها تخاطب فيه الجمهور الذي يصرف من وقته للتعلم والوعي وإدراك طبيعة الحالة السياسية أو الإجتماعية أو الإقتصادية أو غيرها في البلد، فعلى الإعلام كما له الحق أن يمارس حريته عليه أن يلتزم بواجباته ومسؤلياته الأخلاقية والأدبية والمهنية وكما يصرف الملايين من الدولارات للهجوم فاليصرف الاف للدفاع عن الوطن. وليدرك أن مايقوم به ليس له صلة بالحرية ولا التحضر إن كان يعتقد ذلك ويستشهد بالغرب فقط نذكره بأنه لايجرؤ أي إعلامي غربي بتشويه صورة أي حاكم عن طريق الإستهزاء أو تلفيق الأكاذيب أو تشويه السمعة الشخصية كما يتجرأ البعض الذي لم يجرأ أغلبهم على قول الحق إبان الأنظمة الطاغية.
ندعوا الإعلاميين للنزاهة والحيادية والأدب في الحوار ونقل المعلومة وندعوا الشعوب العربية إلى عدم الإنجرار إلى الغوغائيين وتمليك أنفسهم إلى المحرضين أيا كان إتجاهه والإلتزام بالتوجه الديمقراطي والمساهمة الإيجابية للإنتقال بالدولة نحو الإستقرار.
كاتب فلسطيني