الناصرة ـ «القدس العربي»: فيما كانت وارسو تستضيف مؤتمرا دوليا حول إيران بمشاركة إسرائيل ودول خليجية، وقاطعته السلطة الفلسطينية لاعتباره تمهيدا لمؤامرة «صفقة القرن»، تشهد العلاقات البولندية – الإسرائيلية أزمة دبلوماسية جديدة على خلفية تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حول المحرقة وعلاقة بولندا فيها. وتصاعدت الأزمة الدبلوماسية بين البلدين بعد تصريحات صادرة عن القائم بأعمال وزير الخارجية وزير المخابرات، يسرائيل كاتس، اقتبس فيها رئيس حكومة الاحتلال اسحاق شمير الذي قال إن «البولنديين يرضعون اللاسامية مع حليب أمهاتهم».
وثارت العاصفة الدبلوماسية بعد ساعات فقط من تعيين كاتس قائما بأعمال وزير الخارجية الذي قال أيضا في هذا السياق «أنا ابن لوالدين حالفهما الحظ بالنجاة من النازية وقد ولدت وكبرت في مستوطنة سكنها ناجون من المحرقة وذكراها هي أمر لا يمكن التهاون معه ونحن لن ننسى ولن نغفر. في الدبلوماسية يحرصون ألا تهان أي جهة ولكن أحدا لا يستطيع تغيير الحقيقة التاريخية». وأكد كاتس أن «بولنديين تعاونوا مع النازية بالطبع، وكما قال شمير فقد رضعوا اللاسامية مع حليب الأم ومن غير الممكن تجميل هذا التاريخ ونحن سنواصل حمل موروث المحرقة».
يأتي ذلك ضمن تراشق متواصل منذ نحو أكثر من عام بين مسؤولين إسرائيليين وبولنديين حول دور بولندا في المحرقة وتعاون البولنديين مع النازية. وتعقيبا على ذلك تم استدعاء السفيرة الإسرائيلية في وارسو آنة أزاري من قبل وزارة الخارجية البولندية وتوبيخها على تصريحات نتنياهو وكاتس حول دور بولندا التاريخي. كما قال سفير الثانية في تل أبيب مارك ماجيروبسكي إن أقوال كاتس توصف بـ «الأقوال العنصرية والمخجلة». وكشف أن وارسو تدرس إمكانية عدم إرسال مندوب عنها لمؤتمر «دول ويسرغراد» الذي يتم في القدس المحتلة اليوم الثلاثاء. كما قال السفير البولندي عقب تصريحات كاتس « مدهش أن نرى وزير خارجية تم تعيينه للتو يتفوه بطريقة عنصرية ومخزية ولا يقبلها عقل».
ولاحقا قال مكتب رئيس حكومة بولندا ماتيوش موربيتسكي إنه يلغي مشاركته في المؤتمر المذكور الذي يفتتح اليوم في تل أبيب. ووصف مدير مكتب رئيس حكومة بولندا تصريحات كاتس بالمخجلة، لافتا الى وجود علامة سؤال حول مشاركة مندوبي بولندا في المؤتمر الذي تستضيفه إسرائيل.
وكانت هذه الأزمة الدبلوماسية قد نشبت قبل أيام عندما قال نتنياهو إن بولنديين قد تعاونوا مع النازيين، لافتا أنه لا يعرف أحدا تمت مقاضاته على مثل هذه المقولة» .ورغم التوضيح الذي عاد نتنياهو ونشره لتخفيف وقع أقواله بادر رئيس حكومة بولندا لإلغاء مشاركته في المؤتمر الذي يضم بولندا وهنغاريا وتشيكيا وسلوفاكيا ويفتتح اليوم في القدس المحتلة.
ونقلت الإذاعة الإسرائيلية العامة عن مصدر سياسي إسرائيلي محجوب الهوية قوله إنه بعد إلغاء رئيس حكومة بولندا مشاركته تتطلع إسرائيل لمشاركة وزير الخارجية البولندية في المؤتمر. وتابع محاولا الإشارة لوجود اعتبارات شعبوية خلف تصريحات ساسة بولنديين متجاهلا أخذ نتنياهو مثل هذه الاعتبارات عشية الانتخابات الـ 21 للكنيست في أبريل/ نيسان المقبل «نتوقع أن تنطوي المشاركة على نجاح ونحن ندرك أن بولندا أيضا تشهد انتخابات عامة». وانضم وزراء ونواب من الائتلاف والمعارضة في إسرائيل للحملة ضد بولندا أمس وربما تحركهم هم أيضا حسابات شعبوية انتخابية وفق بعض المحللين المحليين.
يشار الى أن مؤتمر «ويسرغراد» يعقد للمرة الأولى خارج أوروبا وسيشارك فيها رؤساء هنغاريا وتشيكا وسلوفاكيا.
يشار الى أن نتنياهو شارك في الماضي في هذا المؤتمر الذي عقد قبل عام في هنغاريا محاولا التقرب من دول شرق أوروبا ومن أجل دق أسافين بينها وبين الاتحاد الأوروبي والمساس بالإجماع الأوروبي حيال الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وما زال نتنياهو يحاول حتى اليوم إقناع دول في شرق أوروبا بنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة، ونجحت مساعيه جزئيا لدى تشيكا التي قررت فتح «بيت تشيكي» في القدس. ومع ذلك يعتبر الدكتور نمرود غورن رئيس قسم الخطط السياسية في المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية أن عقد مؤتمر «ويسر غراد» في القدس المحتلة يرمز لمرحلة إضافية في مبادرات الاحتلال لبناء تحالفات مع دول معينة داخل الاتحاد الأوروبي. وتابع «تتم هذه التحالفات كما قال نتنياهو علانية، من أجل زيادة الانشقاق بين دول الاتحاد الأوروبي ومنعه من اتخاذ قرارات ناقدة لإسرائيل في الشأن الفلسطيني».
ويقول غورن إنه لأجل هذه الغاية فإن نتنياهو مستعد لاستضافة قادة أجانب بعيدين عن مبادئ الديمقراطية- الليبرالية وبعضهم متورط باللاسامية، واستقبالهم استقبال الملوك.
يشار الى أن بولندا صادقت قبل عام على مشروع قانون يحظر فرض أي مسؤولية على البولنديين في موضوع المحرقة وجرائم النازية مما تسبب بأزمة بينها وبين إسرائيل. وقتها قال نتنياهو إن القانون البولندي فارغ وتعارضه إسرائيل بقوة لأنه من غير الممكن تغيير التاريخ ويحظر إنكار المحرقة. وبعد اتصالات كثيرة مع البولنديين وتشكيل طاقم خاص تم شطب المركب الجنائي في العقوبة المنصوص عليها في القانون البولندي.