تخلي الادارة الامريكية عن المقاتلين السوريين ينسجم مع سياستها الخارجية في دعم الثورات ثم تركها لقدرها

حجم الخط
1

لندن ـ ‘القدس العربي’ اكد قائد القوات البريطانية الجنرال سير ديفيد ريتشاردز ان على بريطانيا تحضير نفسها ‘للحرب’ مع النظام السوري ان قررت المضي والمساعدة في اقامة منطقة حظر جوي في سورية ومساعدة المقاتلين الذين يعملون على الاطاحة بنظام الرئيس بشار الاسد.
واكد الجنرال البريطاني ان ‘اردت ان تترك اثرا وتغير حسابات النظام السوري فيجب ان تضرب اهدافا ارضية’ ثابتة للنظام. وتفسر تصريحات الجنرال التي جاءت في آخر مقابلة له مع صحيفة ‘ديلي تلغراف’ حيث سيتقاعد من الجيش على انها انتصار للحسابات العسكرية على السياسية، ذلك ان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ووزير خارجيته عملا المستحيل من اجل رفع الحظر على تصدير السلاح للمعارضة السورية. فبعد معركة قسمت الاتحاد الاوروبي تم رفع الحظر لكن نبرة لندن خفت فيما يتعلق بالتسليح بعد قمة الدول الثماني التي انعقد في ايرلندا الشمالية الشهر الماضي.

تسريبات

وفي هذا الاسبوع سربت لصحيفة ‘التايمز’ انباء عن نصيحة قدمها ريتشاردز وقادة الجيش من ان اي مساعدة عسكرية للمعارضة لن تؤثر على ميزان الحرب. وها هو ريتشاردز الذي قدم نصيحة خاصة لكاميرون يقول ان اي تغيير لمسار الحرب لا بد له من تورط مباشر للقوات البريطانية في الحرب. واكد الجنرال انه لا بد من تحديد ‘الاهداف السياسية’ لاية عملية عسكرية قبل ان يتم وضع خطة عسكرية للتدخل في سورية. وتأتي تصريحات قائد القوات البريطانية على خلاف التوقعات من واشنطن ولندن، خاصة بعد التصريحات التي قالت انهما قد تتدخلان بعد اعلان واشنطن عن استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي ضد المعارضة وهو امر اكدته الحكومة السورية منذ اشهر، لكن حماس كاميرون خفت بسبب موقف الجيش البريطاني ونتيجة لنصائح تلقاها من مدير الاستخبارات البريطانية الخارجية ام اي ـ 6 جون سويرز والذي حذر من اثار التورط البريطاني في حرب اهلية اتخذت طابعا معقدا.

وضع معقد

وفي اللقاء تحدث ريتشاردز عن الوضع الصعب للازمة السورية على المسرح الدولي حيث قال ان ‘المجتمع الدولي لم يجمع على كيفية التقدم’اماما، واشار الى مشكلة المعارضة المسلحةـ حيث قال ان بريطانيا تحاول ‘تجميع المعارضة ولكن هناك صعوبة في تجميعهم نظرا لوجود اكثر من اتجاه داخلهم’.
وبناء عليه قال ريتشاردز انه كان واضحا في نصيحته للحكومة من ناحية ‘ فهم الاهداف السياسية قبل ان نوصي بطبيعة الجهود العسكرية المطلوبة وما هي القوات الواجب نشرها’ لتحقيق الاهداف السياسية للعملية. واضاف ان هذه الاهداف يجب ان تكون واضحة لدى الحلفاء ايضا حيث قال ان ‘امرا نناقشه ايضا مع رئيس الوزراء ومن تحته، انه يجب ان نقوم بعمل الامر نفسه مع الحلفاء، لان كل واحد منهم لديه رؤيته حول التقدم اماما، وما يفهم ان هناك ترددا غربيا من وضع جنود على الارض في مكان كسورية’. ويعتقد ريتشاردز ان اقامة منطقة حظر جوي لن تكون خطوة كافية في حد ذاتها ولا بد من خطوات اخرى حيث قال ‘ان اردت ان تترك اثرا بالغا على حسابات النظام كما يريد الناس فان منطقة حظر جوي لن تكون كافية ويجب ان تكون قادرا كما فعلنا في ليبيا على ضرب اهداف على الارض’.

عقبة جديدة

وتأتي تصريحات القادة العسكريين على خلاف اللغة الحادة التي اطلقها كاميرون وذلك بعد اجتماعه مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قبل انعقاد قمة الدول الثماني، حيث اتهم كاميرون من يساعد النظام السوري بأن ايديهم ملطخة بالدماء. ويعني تردد الجيش عقبة اخرى امام طموحات كاميرون ووزير خارجيته الذي اكد قبل يومين ان بريطانيا ستكون قادرة على تزويد المعارضة بالسلاح. اما العقبة الاولى فهي البرلمان حيث طالب نوابه وغالبيتهم من المحافظين بعرض اي قرار يتخذ بشأن التدخل في سورية على التصويت. ويواجه كاميرون معارضة من زعيم الليبراليين الاحرار، نيك كليغ الذي يقود معه حكومة ائتلافية وكذا من عدد من وزراء الحكومة. ومن هنا فقد اكد ريتشاردز انه بسبب غياب الاجماع الدولي فانه ‘كان واضحا في نصيحته للحكومة بأهمية تحديد الاهداف السياسية للعملية العسكرية’ مع انه مع السياسة العامة ‘فسياسة الحكومة (البريطانية) واضحة وهي اننا نرغب برؤية تغيير في الحكومة’ في سورية.

عمال الاغاثة والتطرف

وقد حذرت المؤسسات الامنية من امكانية تعرض عمال الاغاثة ومن يعملون في المؤسسات الخيرية الى تأثير الجماعات الجهادية. وذكرت صحيفة ‘اندبندنت’ نقلا عن مصادر استخباراتية ان السلطات البريطانية تخشى من عودة العاملين في الاغاثة البريطانيين بعد تعلمهم اساليب الارهاب وحصلوا على تجارب في القتال مع الجماعات الجهادية التي تلعب دورا بارزا في القتال ضد نظام الاسد. وقالت الصحيفة ان المشكلة قد تفاقمت بسبب زيادة عدد المؤسسات الخيرية غير الرسمية التي تذهب الى سورية لتقديم الدعم للاجئين من الحرب في داخل وخارج سورية. ونقلت عن مسؤول في الحكومة قوله ان ‘جماعات الاغاثة’ يقودها عملها الى مناطق تعمل فيها جماعات خطيرة حيث قال ان ‘البعض قد يذهب هناك لتعاطفه مع الوضع بشكل عام، لكن هناك كادرا سيعود لبريطانيا وقد حصل على تدريبات وعلاقات مع الجماعات’ الجهادية. وتنبع مخاوف السلطات الامنية من ان معظم المؤسسات الاغاثية الدولية لا تعمل داخل سورية بسبب مخاوفها على فرق الاغاثة العاملين معها وعدم توفر الحماية الدولية لهم. وعليه فهي تقوم بالتعامل مع الجماعات الطوعية المحلية التي تقوم بالتفاوض مع جماعات المقاتلين لنقل المواد الانسانية للمتضررين من الحرب.
وتقول الصحيفة ان بعض المسلمين البريطانيين يسافرون مع قوافل الاغاثة التي تدخل سورية. وتخشى السلطات البريطانية من وقوع البريطانيين تحت تأثير جبهة النصرة لاهل الشام التي صنفتها الولايات المتحدة كمنظمة ارهابية ويعتقد ان عدد مقاتليها يصل الى 5 الاف. وتقول السلطات الامنية في بريطانيا ان ما يقرب من 100 متطوع من مسلمي بريطانيا يقاتلون في صفوف الفصائل السورية. وعليه فقد اضافت المخابرات الداخلية ـ ام اي فايف- سورية الى قائمة الدول التي تراها بوتقة لصناعة الجهاديين اضافة للصومال وافغانستان والباكستان. ويعبر المسؤولون عن خشيتهم من سورية بالتحديد نظرا لقربها الجغرافي من اوروبا وسهولة الوصول اليها عبر تركيا.
وعليه قال المصدر الامني ‘يجب علينا الآن النظر الى سورية على انها من اكثر المناطق غير المحكومة وتمثل هما لاستراتيجية مكافحة الارهاب في بريطانيا’.

امريكا تهجر المعارضة

ويثير الموقف البريطاني من تسليح المعارضة نفس الاسئلة حول التزام واشنطن تجاه المعارضة، فعلى الرغم من التصريحات والالتزام من واشنطن الا ان صحيفة ‘نيويورك تايمز’ نقلت عن مسؤولين في بداية هذا الاسبوع ان اثر برنامج التسليح والبرامج الاخرى التدريبية تركت اثرا محدودا على الساحة القتالية وميزان الحرب. وقال المسؤولون ان اي برنامج لن يترك اثره الا بعد ستة اشهر. وهو ما دعا ديفيد اغناطيوس في صحيفة ‘واشنطن بوست’ للقول ان المسلحين السوريين لم ينلهم سوى الهجر من واشنطن. وجاء في مقاله ان من اسوأ ما يميز السياسة الخارجية الامريكية ‘الغواية والهجران’، وتشكل هذه السياسة الموقف الامريكي من سورية. ويقول ان جانب الغواية يبرز من خلال تصريحات الرئيس باراك اوباما الذي قال في 18 آب (اغسطس) ‘حان الوقت كي يرحل الرئيس الاسد’ ولم يعزز اوباما موقفه هذا بالوسائل التي تعجل من رحيل الاسد، لكن هذا لم يوقف الرئيس اوباما من تكرار لازمة ‘ على الاسد الرحيل’. وتبع ذلك كما يقول اغناطيوس سلسلة من الوعود ومحاولات للتقرب والتعرف على المعارضة.

تجاوز الخط الاحمر

ثم جاء التدخل الرسمي في سورية من خلال اعلان البيت الابيض في 13 حزيران (يونيو) عن برنامج مساعدة عسكرية للمعارضة السورية، ذلك لان الاسد تجاوز الخط الاحمر واستخدم الاسلحة الكيماوية ضد معارضيه. وبدأت المعارضة المسلحة باعداد المخازن كي تستلم شحنات الاسلحة، حيث اعتقدت ان الولايات المتحدة قد اوفت بعهدها في النهاية. ولكن جاءت القصة غير السعيدة او كما يسمى في الروايات الرومانسية البريطانية في القرن التاسع عشر ‘هجر الحبيب’. ويعلق اغناطيوس هنا على تقرير ‘نيويورك تايمز’ التي قالت ان المساعدة محدودة اقل مما تحدثت عنه الولايات المتحدة في السر او العلن.
ويتساءل الكاتب قائلا ‘تخيل في هذه اللحظة انك مقاتل سوري يعرض منذ عامين حياته للخطر وتعتقد ان اوباما مخلص في وعوده لمساعدة المعارضة المعتدلة كي تنتصر، ليس على الاسد ولكن على الجهاديين الذين يريدون ادارة البلاد، فماذا سيكون شعورك تجاه هذا التصرف الامريكي؟’ وينقل عن رسالة وصلته من احد اعضاء المعارضة السورية والتي قال فيها ‘قررت التوقف عن القتال لعدم وجود ضوء في نهاية النفق من الولايات المتحدة، وعلى الاقل فعندما اتوقف عن القتال فانني لن اكون جزءا من هذه اللعبة السخيفة التي نعيشها’. فيما كتب قيادي اخر في المعارضة قائلا لمسؤول امريكي ‘لا استطيع العثور على الكلمة المناسبة لوصف هذا الوضع غيرالقول انني حزين’.

نفس الموقف

ويختم بالقول ان اللعبة في سورية هي نفسها التي لعبتها السياسة الخارجية الامريكية في دول اخرى وتقوم على تشجيع المعارضة للانتفاض على الحكومة التي لا تريدها امريكا، وعندما يفعلون يخشى صناع السياسة الامريكية من رد الرأي العام الامريكي ويتركون الثوار لقدرهم، فعلت هذا في هنغاريا عام 1956 وخليج الخنازير عام 1961 وربيع براغ عام 1968 وفي نيكارغوا عام 1984 ولبنان ولاوس وشمال العراق.

يعزز مواقعه

وقد اثر هذا على وضع المقاتلين الذين اشارت صحيفة ‘نيويورك تايمز’ الى حالتهم الحرجة حول العاصمة دمشق، فبعد ان كانوا يمثلون تهديدا على النظام في العاصمة ويقلقون راحته بالقذائف ويحتلون مواقع جديدة باتوا الان يقتلون بعضهم البعض ويخسرون تعاطف السكان الذين دعموهم في البداية. وتظهر الاشارات ان وضع نظام الاسد بات قويا واقوى مما كان عليه قبل اشهر، مع ان قلة تتوقع ان يكون قادرا على السيطرة على كامل سورية لكن اعداءه الالداء او بعضهم يعترف بقوة وضعه الآن. ويقترح صمود الاسد انه قام بدعم من حلفائه الروس والايرانيين برسم خريطة دولة في وسط سورية والتي يستطيع من خلالها الاسد وحلفاؤه باقتطاع مناطق من تلك التي سيطر عليها المقاتلون. ونقلت ما كتبه معلق سوري ان الاسد اصبح قويا ليس كرئيس ولكن كأمير حرب لديه اسلحة متقدمة اكثر من غيره من امراء الحرب.

بلقنة سورية

وتشير الصحيفة الى خيار البلقنة التي يسيطر فيها الاسد على العاصمة وعلى معظم المدن الكبرى في سورية، فيما تسيطر الجماعات المسلحة على مناطق شاسعة في الريف ولكنها تتقاتل فيما بينها على المصادر والاسلحة والمتطوعين، وهناك الاكراد الذين يسيطرون على مناطقهم وعادة ما يخوضون معارك ضد المقاتلين لمنعهم من التقدم نحو مناطق الاكراد. وفي المحصلة فان نسبة 60 بالمئة من السكان يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، فيما يسيطر المقاتلون على نسبة 60-70 من اراضي سورية لانهم اقوياء في المناطق ذات الكثافة السكانية القليلة. وتقول الصحيفة ان المقاتلين الذين كانوا يأملون بالوصول للعاصمة وقتل الاسد او سجنه او اجباره على الرحيل يقولون انه اذا استمر الحال على ما عليه ‘فالناس قد يثورون علينا’ حسب قيادي من حمص حيث تقدمت قوات الاسد. وانتقد قادة المعارضة الذين يضعون مصالح كتائبهم فوق مصالح الحرب على الاسد. فغياب الوحدة والتفكك قد ادى الى طول امد الحرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد عبد الهادي:

    كل ثورة لا تنطلق من ذاتها وإمكانانها لا يحالفها النجاح. وانتظار ثورات التحرر المدد من الغرب والشرق لا يزيدها إلا هوانا وتبعية. وهي التي ربما كان انطلاقها جراء الهوان والتبعية.. المسلمون في تاريخهم لم ينتصروا يوما على أعداهم بطلب العون من شرق ولا غرب. بل كل طلبات العون من غير الله باءت فشلا ذريعا. وخير مثال خروجهم من الأندلس تم بعد مناشدة فرقائهم لنصرة عدوهم على إخوانهم.

إشترك في قائمتنا البريدية