تراجع أسعار السلع الأولية يأخذ وقته قبل ظهور آثاره على الاقتصاد العالمي بانخفاض اسعار البضائع وزيادة الارباح
21 - أبريل - 2013
حجم الخط
0
لندن – رويترز: لا شك أن انخفاض أسعار النقل الجوي والسلع الغذائية وارتفاع هوامش الربح من بين المزايا التي تترتب على تراجع أسعار النفط والسلع الأولية ولكنها لا تظهر قبل مرور فترة طويلة. وبعد ضخ 400 مليار دولار في السلع الأولية على مدار السنوات العشر الماضية، يقبل الكثير من المستثمرين الآن على البيع. ذلك ان ثقتهم في أن قيمة الأصول الخطرة سترتفع – بزيادة التمويلات الرخيصة التي تقدمها البنوك المركزية – تقوضت بعد عدم استجابة الاقتصاد العالمي للتحفيز. وحتى الصين أحد المشترين المهمين للموارد الطبيعية لم تفلت من التباطؤ الاقتصادي. فالتضخم – الذي يعتبر الذهب أداة تحوط في مواجهته – يتراجع في كل مكان تقريبا. ومن المتوقع أن تقل ضغوط الأسعار بشكل أكبر إذا واصلت الموارد الطبيعية تراجعها. صحيح أن هذه أنباء سيئة للدول المصدرة مثل السعودية والبرازيل، لكنها أنباء سارة للمستوردين. وقال هان دو جونغ الخبير الاقتصادي في بنك ابن امرو إن انخفاض أسعار السلع الأولية ينعكس إيجابا على الاقتصاد العالمي في المتوسط لأن تراجع التضخم يعزز إنفاق المستهلكين. وتراجع مؤشر ستاندرد آند بورز/غولدمان ساكس للسلع الأولية 6.6 بالمئة منذ بداية العام الحالي. لكن المواد الخام تمثل جزءا صغيرا من تكاليف معظم الشركات. ومن ثم فإنه ليس مفاجئا أن بعض الشركات – وخاصة في الأسواق التنافسية – لا تفرط في التفاؤل بتراجع أسعارها. وقال كوي ليان من شركة غريت وول موتور أكبر منتج للسيارات الرياضية والشاحنات الصغيرة من نوع بيك أب في الصين ‘هناك آلاف المكونات في السيارة لذا فإن التأثير قد لا يكون كبيرا بهذه الدرجة.’ وأضاف ‘لم تلق غريت وول قط أي تكاليف إضافية على عاتق المستهلكين عندما ارتفعت أسعار السلع الأولية في الماضي.’ وقال مايكل وورد الرئيس التنفيذي لشركة سي.إس.إكس كورب ثاني أكبر شركة للسكك الحديدية في الولايات المتحدة إن تباطؤ نمو الاقتصاد الأمريكي وانخفاض أسعار الطاقة أمر إيجابي. غير أن الشركة نفسها لا تكترث لهذا الأمر لأنها تطبق برنامج رسوم إضافية على الوقود. وأضاف وورد ‘بمرور الوقت ننقل أي زيادات أو انخفاضات في الوقود إلى المستهلك.’ وقال مسؤول بشركة سي.جيه تشيلجيدانغ، أكبر شركات صناعة الأغذية في كوريا الجنوبية، إن الأمر يستغرق عادة من أربعة إلى ستة أشهر قبل أن يمتد أثر تراجع أسعار العقود الآجلة للسلع الزراعية إلى أسعار منتجات الشركة. وكانت اضطرابات أسعار الذهب – بما فيها أكبر خسارة يومية له في 30 عاما يوم الاثنين الماضي – أمرا ملفتا، لكن تراجع أسعار النفط يحظى بأهمية اقتصادية أكبر بكثير من المعدن النفيس. وتراجع خام برنت نحو 16 بالمئة من ذروته في العام الحالي والتي بلغها في الثامن من شباط/فراير عندما وصل إلى 119.17 دولار. ويقدر خبراء الاقتصاد في بنك جيه.بي مورغان أن انخفاض أسعار النفط 15 بالمئة بسبب زيادة المعروض سيكفي لرفع الناتج الاقتصادي العالمي هذا العام بنسبة 0.2 نقطة مئوية. ولكن تقديرات البنك تشير أيضا إلى أنه في حال كان انخفاض الأسعار يعكس نظرة مستقبلية قاتمة للاقتصاد فإن تراجعها بنفس النسبة (15 بالمئة) يتماشى مع خفض توقعات النمو العالمي بنسبة 0.5 بالمئة لهذا العام. وقال مسؤول تنفيذي بشركة لارسن آند توبرو الهندية إن الانخفاض الكبير في أسعار السلع الأولية له إيجابياته وسلبياته. وأضاف أن تراجع أسعار المواد سيدعم هوامش الربح، ولكن إذا استمرت على هذا المنوال فإنها ستزيد من فرص خفض أسعار الفائدة. ولكن الأسعار تتراجع لسبب ما. ويقول مسؤول الشركة الهندية ‘الأسعار منخفضة اليوم لتباطؤ الدورة الاستثمارية وكذلك تباطؤ الطلب على السلع الأولية. ولكن إذا استمر ذلك على الأمد الطويل فلن يكون أمرا إيجابيا لشركة مشروعات مثل شركتنا.’ وما يزيد من تعقيد عملية التحديد الدقيق لتداعيات بيع المستثمرين ما كدسوه من السلع الأولية، أنه لا يمكن عزلها عن غيرها من التطورات. فشركة كيه.سي.إي إلكترونيكس التايلاندية لصناعة لوحات الدوائر المطبوعة تبدو مستفيدة من هذا الوضع، لأنها تستخدم الكثير من النحاس الذي انخفض سعره 12 بالمئة حتى الآن في عام 2013. لكن الرئيس التنفيذي للشركة قال إن آثار ارتفاع قيمة البات التايلاندي أمام الدولار – مما يضر بصادرات الشركة – تفوق الوفورات الناجمة عن تراجع الأسعار. نفس الشيء ينطبق على الفرع الهندي لشركة تينيكو، حيث أن الشركة المصنعة لقطع غيار السيارات تستفيد من تراجع أسعار الصلب والمطاط، ولكن ضعف الروبية وارتفاع التضخم يقلل من الاستفادة. وقال تارو نامبا المتحدث باسم شركة الخطوط الجوية اليابانية (جابان إيرلاينز) إن العملات تسبب مشكلة للشركة التي تتأثر سلبا بضعف الين. واضطرت الشركة بالفعل إلى إعلان خفض رسوم الوقود الإضافية على الشحن بنسبة 7.6 بالمئة اعتبارا من أول مايو أيار إلى 122 ينا للكيلوغرام في الرحلات الدولية الطويلة. وتتوقع الخطوط الكوية الكورية أكبر شركة طيران في كوريا الجنوبية أن يؤدي انخفاض رسوم الوقود الإضافية إلى تراجع أسعار تذاكر الطيران بعد مرور شهر. ويعد تراجع أسعار السلع الغذائية ميزة خاصة في الدول التي تشهد معدلات تضخم عالية مزعجة مثل اندونيسيا التي بلغ فيها معدل التضخم أعلى مستوى له خلال عامين في مارس آذار ليصل إلى 5.9 بالمئة. وقال بيري وارجيو نائب محافظ البنك المركزي الاندونيسي إنه بفضل تراجع أسعار جميع السلع من الأرز إلى اللحوم والكراث يحتمل أن يقل معدل زيادة أسعار المستهلكين عن 0.1 بالمئة على أساس شهري في نيسان/ابريل. وتختلف نماذج الأعمال من مؤسسة لأخرى إذ ليسوا جميعا يسعون وراء المدخلات الرخيصة. ومثال ذلك مجموعة الشحن الدنماركية إيه.بي مولر ميرسك غروب. ويقول الرئيس التنفيذي للمجموعة نيلس أندرسون ‘مهمتنا هي التأكد من أن العملاء يدركون أنهم يحصلون على خدمة عالية القيمة بالشحن عن طريقنا… وبذلك يكون لديهم استعداد لدفع المزيد. إنها ليست سلعة أولية. فالأمر أكثر من كونه مجرد شحن صندوق.’ وفي حين أن التضخم العالمي معتدل بصورة عامة فإن الباب مفتوح أمام البنوك المركزية الكبرى لتقديم تحفيز نقدي أكبر. وقال جيمس بولارد رئيس بنك الاحتياطي الاتحادي في سانت لويس إنه يفضل زيادة وتيرة شراء مجلس الاحتياطي الاتحادي للسندات إذا استمر التضخم في التراجع. وارتفعت أسعار المستهلك في الولايات المتحدة 1.5 بالمئة فقط في 12 شهرا حتى آذار/مارس. وقال مارتن ويل عضو لجنة السياسات في بنك إنكلترا المركزي إن تراجع أسعار السلع الأولية وتباطؤ نمو الأجور يعطي البنك مساحة أكبر لاستئناف شراء السندات في مسعى لإنعاش الاقتصاد. وتباطأ نمو الأجور الأساسية في بريطانيا منخفضا إلى مستوى قياسي. ولمح البنك المركزي الأوروبي المحافظ أيضا إلى استعداده لفعل المزيد. وفي ظل توقع خبراء الاقتصاد في البنك بوصول معدل التضخم إلى 1.3 بالمئة فقط في عام 2014 أي ما يقل من معدله المستهدف البالغ أقل من اثنين بالمئة ثمة الكثير من خبراء الاقتصاد يتوقعون انخفاض سعر الفائدة الشهر المقبل. وزادت الصين أيضا من انفتاحها على فعل المزيد. وقال يوان جانغ مينغ الباحث بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ‘من الواضح أن انخفاض أسعار السلع الأولية العالمية هي أنباء سارة للغاية بالنسبة للصين لأنه سيساعد على تخفيف الضغوط التضخمية المستوردة ويجعل بكين أكثر انفتاحا على تعزيز الائتمان وتخفيف السياسة النقدية لتعزيز الاقتصاد المحلي.’ وتأمل الهند – ثالث أكبر اقتصاد في آسيا – في ألا يقلل انخفاض أسعار السلع الأولية من معدل التضخم فحسب بل يقلص أيضا من العجز في الميزانية والحساب الجاري. وتشكل واردات الخام والذهب نحو 45 بالمئة من فاتورة إجمالي الواردات الهندية. وقال مسؤول كبير في وزارة المالية بنيودلهي ‘هذا الانخفاض سيساعدنا في التعامل مع عجز ميزان المعاملات الجارية الآخذ في الارتفاع والذي يمثل أكبر مصدر قلق للحكومة.’ أما أستراليا فتبدو خاسرة من توقف دورة ارتفاع أسعار السلع. فقد حالف الحظ هذه الدولة لتسجل نموا متواصلا على مدار أكثر من 20 عاما وهو ما يرجع إلى حد كبير لنمو صادرات المعادن والطاقة إلى آسيا. وقد أجبر تراجع أسعار السلع الأولية وارتفاع قيمة الدولار الأسترالي وزير الخزانة وين سوان بالفعل على خفض توقعاته لإيرادات الضرائب خاصة ضرائب أرباح الشركات وضريبة جديدة على أرباح مناجم الحديد والنحاس الكبرى. ونتيجة لذلك اضطرت الحكومة إلى التراجع عن وعدها بالعودة إلى تحقيق فائض في الميزانية خلال العام الذي ينتهي في يونيو حزيران. ولكن سوان يظل متفائلا بشأن توقعات النمو عبر آسيا. وقال الوزير ‘من شأن النمو في الطبقات المتوسطة في أنحاء المنطقة الآسيوية أن يولد طلبا على جميع السلع والخدمات وليس الموارد وحدها وليس في قطاع الزراعة وحده بل في مجموعة واسعة من الأنشطة وأعتقد أن تداعيات ذلك ستصب في صالح أستراليا.’